الإسلاميون والنظام بين تسييس الإسلام وأسلمة السياسة / يحي عياش محمد يسلم

يستغل النظام الحاكم الدين لتحقيق مئاربه السياسة دون أن يطبق أوامره وأن ينتهي بنواهيه وأن يستوعب مقاصده وأهدافه 
وذالكم لعمري جلي لمن يتأمل سياسات النظام الفاسد الذي اغتصب السلطة ونهب الثروة وأهان الفقراء واستهان بحدود الله

 لاكنه مع فساده وانحرافه يرفع الدين كشعار فيفتح الإذاعات ويستخدم الفتاوي ويطلق على نفسه الألقاب والأوصاف زورا وبهتانا.
فهو إذا يستخدم الدين للسياسة ولايستخدم السياسة للدين .
بينما لم يستخدم تواصل في خطابه السياسي الفتوى ولم يعتبر التصويت له فريضة شرعية ولم يجعل العلماء على الواجهة لاكن حرص على الإسترشاد بأحكام الإسلام وعلى ترسيخ المرجعية الإسلامية في نصوصه وعمل على تنزيل الإسلام في واقع الناس فحارب الرق واهتم بحقوق الفقراء واحترم القوانين واعتبر نفسه مجرد حزب سياسي يجوز نقده ومحاسبته مجددا سيرة الفاروق عمر الذي كان رغم ورعه وعدله يعتبر نفسه مجرد حاكم تجوز محاسبته ومراقبته فكان من مقولاته المؤثورة (إن استقمت فأعينوني وإن اعوججت فقوموني ) .
إن الذي يتأمل خطاب تواصل وخطاب النظام يدرك الفرق بين من يستغل الدين للسياسة وبين من يستغل السياسة للدين .
فهناك إسلام سياسي وهناك سياسة إسلامية والفرق بين الإثنين فرق عميق وجوهري .
وعندما نتعمق في هذه الثنائية (ثنائية تسييس الدين و أسلمة السياسة) نجد أنها ليست جديدة بل هي ثنائية قديمة فقد بدأ استغلال الدين للسياسة منذو نشأة الدولة وظهور النظريات الدينية التي تعتبر الحاكم إلاها ثم دخلت الظاهرة إلى التراث الإسلامي على يد الشيعة  الذين أضفوا على الحاكم صفة القداسة واعتبروا الإمام معصوما .
أما ظاهرة أسلمة السياسة فقد بدأت مع النبي صلى الله عليه وسلم وجسدها الخلفاء الراشدون في عدلهم وورعهم وتطبيقهم لأوامر الله .
والفرق بين الظاهرتين جد شاسع فتسييس الدين يعني إفراغه من محتواه واعتباره أداة في يد السياسي يستخدمها لتحقيق رغباته كما فعل رجال الدين في العصور الوسطى عندما أهدروا حقوق الناس تحت شعار الدين وأهملوا عدالة الدين ومساواته وحولوا الدين إلى شعارات جوفاء وفتاوي غامضة وأوامر لايجوز إعمال العقل فيها فذالكم هو استغلال الدين وتسيسه .
أما أسلمة السياسة فهي تعني الحرص على تطبيق أوامر الإسلام وتجسيد مقاصده وأهدافه والإلتزام بضوابطه دون تقديس لبشر أو اعتباره فوق النقد والمساءلة .
والذي يريد أن يبصر مدى الفرق بين رجال الإسلام الذين يمارسون السياسة وبين رجال السياسة الذين يستغلون الدين عليه أن يقارن بين أبي بكر الصديق الذي قال عند توليه الخلافة (أطيعوني ماأطعت الله ورسوله ) وبين  الملوك والخلفاء الأومويين والعباسيين الذين كانوا يصدرون مقولات  توجب طاعة الخليفة  في جميع الظروف باعتباره الحاكم باسم الله وبوصفه خليفة الله في الأرض .
أجل إن من يريد أن تتضح له الصورة وأن يعلم مدى الفرق بين من يسييس الدين ويأسلم السياسة عليه أن يقارن بين حركة المرابطون ورجالها المصلحين الذين مارسوا السياسة تحت شعار الإسلام وصلوا للحكم لأجل تطبيق الشريعة وتخليص الناس من الحكام الظالمين لاكنهم لم يدعوا لأنفسهم قداسة ولاعصمة  وبين حكام الأندلس وملوك الطوائف الذين انحرفوا عن الإسلام وظلموا الرعية لاكنهم مع جورهم وانحرافهم كانوا لايظلمون إلا بالإسلام ولايسجنون إلا بالإسلام ولايأكلون أموال الناس إلا باسم الدين .
إنها إذا ظاهرة قديمة لاكنها جديدة في نفس الوقت فلازال الحكام والمستبدون يستغلون الدين ويسيسونه ويحيطون أنفسهم بالفقهاء والأئمة ولازال المصلحون وحملة راية الإسلام يأسلمون السياسة ويدعون إلى العدل والرحمة ومساعدة الفقراء ونشر الأخلاق الفاضلة .
لازال هناك سياسيون يستغلون الدين ولازال هنالك إسلاميون يمارسون السياسة وعلى من أراد التمييز بين الإثنين أن يقارن بين جنرال فاسد لاصلة له بالدين يرفع شعارات دينية وألقاب دينية ويصدر الفتاوي الدينية في الحملات والمناسبات السياسية وبين حزب سياسي يعرف الجميع خلفيته الدينية ومرجعيته الإسلامية ويعرف أفراده وقادته بانتماءهم الفكري واستقامتهم الأخلاقية لاكنه لم يرشح عالما ولامفتيا ولم يصدر فتوى في مناسبة سياسية بل اعتبر نفسه حزبا سياسيا عاديا يتعامل معه الناس طبقا لبرامجه السياسية وإنجازاته على أرض الواقع .
ورغم مايشيعه خصوم الحزب من أنه يستغل الدين للسياسة فإن الجميع يقر بإسلامية الحزب وخلفيته الفكرية ويعلم أنها ليست ادعاء ولاافتراء أن يعتبر تواصل نفسه حزبا إسلاميا فهو لم يكن في يوم من الأيام حزبا علمانيا ولايستطيع أحد أن يتهمه بذالك .
لاكن السؤال المطروح لماذا نزايد على الحزب لمجرد أنه نص على أن مرجعيته إسلامية وهو ماتنص عليه جميع الأحزاب في موريتانيا فلايوجد حزب لايعتبر نفسه حزبا إسلاميا ينطلق من الإسلام كمرجعية لاتجوز مخالفة أوامرها .
فأي سبغة دينية أضفى تواصل على نفسه وهو لم يعتبر نفسه فوق الجميع ولم يعط لنفسه قداسة دينية بل صرح قادته في هذا السياق بأن جميع الأحزاب في موريتانيا أحزاب إسلامية ولست علمانية؟؟؟
ولماذا لاتلصق التهمة بالذين يرشحون أنفسهم تحت غطاء الفتاوي والخطب الدينية الرسمية والذين نجد للعلماء والشخصيات الدينية في حملاتهم ومناسباتهم السياسية صولات وجولات ؟؟؟؟
أليس الأولى أن يتهم باستغلال الدين ضابط فاسد لاتربطه بالدين صلة ولاتعرفه غير القصور والمناصب وبين عشية وضحاها أصبح حامي حمى الدين ورئيسا للعمل الإسلامي بفتاوي أصدرها له العلماء والأئمة وإذاعات يتخذها مبررا لتجهيل الناس وصدهم عن المطالبة بحقوقهم !!!!
إن الحقيقة التي أود الوصول إليها في هذا المقال هي أن تواصل لم يستخدم الدين لأغراض سياسية ولم يضف على نفسه طابعا دينيا لاكن الجميع يعرف هذا الحزب ويعرف الإسلاميين الذين أسسوه وهو ماجعل الجميع يعتبره حزبا إسلاميا رغم أنه لم يقل عن نفسه أكثر ممايقوله النظام عن نفسه وتقول الأحزاب الأخرى عن نفسها .
أما النظام العسكري المنحرف فكما أثبت بممارساته الإستبدادية ونهبه لأموال الدولة أنه نظام منحرف عن الإسلام ولايمت بصلة إلى الدين فقد أثبت بفتاويه التي يؤثر بها على إرادة الناس ويمنعهم بها حريتهم في محاسبته بكل حرية  واستقلالية أنه يستغل الدين لتحقيق مئاربه السياسية وأنه يريد أن يجسد نموذج السلطة الدينية التي يمثلها رجال الدين في العصور الوسطى .

20. أبريل 2014 - 12:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا