تهمة المتاجرة بـ"المظالم"..سيف يلجم الكثيرين!/ أحمد بن محمد الحافظ

يتوهم الكثيرون أن الذين يكتبون عن "المظالم" التاريخية في هذا البلد؛ مدفوعون دوما باعتبارات ذاتية آنية؛ بل أكثر من ذلك "مصطادون في المياه العكرة" متآمرون تغذيهم جهات لا تحب لنا الخير ولا تتمناه..! لكن الأمر ليس بالضرورة كذلك..!

صحيح أن كل الأجيال الفاعلة اليوم، والموجودة على خارطة الفعل؛ لم تكن مساهمة في تلك "النُّظُمِ" التي أسست لذلك الظلم البَيِّن.. وأن غالبيتهم أيضا لم تمارسه..وأن كثيرين منهم مقتنعون بأن تلك "الحقب" من تاريخنا كانت "مظلمة" و"ظالمة"..وأن المستقبل يجب أن يسير على "درب" مغاير..لا جدل في هذا ولا مراء!!!
لكن السؤال الوجيه والملح؛ كيف نقضي على ذلك "الإرث" غير المشرف ؟ ومن ثم كيف نؤسس لمستقبل يُكَفِّرُ عن الماضي ؟!
إن مقتضيات "المرحلة" بكل أبعادها ومتطلباتها؛ تستلزم منا مصالحة "فَعَّالَةً" تبدأ بـ"المصارحة" وتنقيط الحروف؛ بل وتمحيصها..فليس الأجدى دوما طريقة "الأجواد يتقاضون في عقولهم" ولسنا بالضرورة "أجوادا" كلنا..!!
وحتى نبرئ ذمتنا من مسؤولية ما لم نُشْرَكْ في صياغته، علينا الاعتراف به؛ ووضع البدائل له.. فنحن أمة "هشة" يتربص بها الكثير من الدوائر..وبيتنا أشبه بـ"الغربال" وأمامنا اليوم أحد الخيارين:
ـ البقاء في دوامة مجتمع "الفركان" وثقافة "النبل" والدونية..
ـ تأسيس مجتمع "متمدن" ينطلق من الفرد وحقوقه وواجباته؛ دون اعتبار لمكانة وهمية خدرتنا ردحا من الزمن..
وحين ينحرف القطار عن السكة ـ لا قدر الله ـ لن يكون لهذا الكلام معنى؛ بل سيكون شماتة وتشفي..لكننا نقوله اليوم عله يكون لفتة ودليلا لمستقبل "ننتصر" فيه كلنا..فالتاريخ إذا كان جميلا مضيئا بالنسبة لبعضنا..فإنه كان دميما ومظلما في رأي بعضنا الآخر!
لكنه في النهاية ـ إن أردنا ـ لن يكون حاجزا دون مستقبل نتقاسم "الانطباع" حوله..فلننصف ذلك الذي "يلعن" تاريخه المشين؛ إذا كنا نريد منه أن يتفهم "نشوتنا" بتاريخنا الذهبي!!!
لقد ورثنا نظاما اجتماعيا "جَهَّلَ" و"فَقَّرَ" و"هَمَّشَ"..جزءا مهما منا، وبصورة "مُشَرْعَنَةٍ" ومنظمة..وإذا كنا جادين في التصالح مع ذلك التاريخ، لا يكفي نكران "منكره" بالقلوب؛ بل علينا كشف "سوأته" وسد كل تلك الثغرات والشروخ التي أبقاها "سرطانا" يمخر جسمنا، ويقف حجر عثرة أمام "تنميتنا" وتقدمنا"..!
لا أتوجه بهذا الطرح ـ مطلقا ـ إلى الدولة؛ لأن "الدولة" عندنا تعني النظام؛ و"النظام" تتغير أولوياته وفق الاعتبارات السياسية.. لكني أتوجه به إلى المجتمع "الثابت" الذي ينبغي لنا أن نهتم ونحرص "أكثر" على تأمينه وتحصينه..من هنا عليه ـ أي المجتمع ـ بكل روافده ومكوناته ومرجعياته.. أن يتحرك لعقد قران شرعي جديد؛ إذ آن الأوان أن نتجاوز رذيلتي السفاح وزواج المتعة.. "كلنا لآدم؛ وآدم ومن تراب" {ولقد كرمنا بني آدم} {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" هكذا هي "فلسفة" ديننا للعلاقة الاجتماعية؛ فلا أحد أكرم ولا أقرب إلى الله من أحد؛ ولا أحد يحق له التعالي على أحد؛ أحرى "استعباده" كما أن متطلبات "المدنية" ـ المكونة للدولة الحديثة ـ تفرض "المساواة" فالمواطنون أمام دولتهم متساوون في الحقوق والواجبات.. فالدعوة إلى "العدل" و"الإنصاف" ليست تحريضا على شريحة؛ أو انتصارا لشريحة أخرى؛ بقدر ما هي مسعى جاد للمصالحة (دون حيف أو انتقام) فلنضع الأمور في نصابها؛ ولنتنازل "كلنا" من أجل "استقرارنا" بصورة واعية وعقلانية؛ لنفعل ذلك باختيارنا، ونحن نمسك "الزمام" قبل أن تجرفنا أعاصير "المظالم" فيسبق السيف ـ حينها ـ العذل..!!!
عندما وَقَّعَ "ويليم دي كليرك" السلام أو الصلح مع "نلسون مانديلا" كان "دكلرك" في نظر الكثيرين أكثر شجاعة، وإيمانا بِمُثُلِ الحرية؛ لأنه كان يتنازل عن الكثير من الامتيازات؛ ويُمَكِّنُ "أعداءه" من رقاب "عرقه" لكن غريزة "العفو" وحب "العدل" أقوى دوما لدى أولئك الذين اكتووا بنار "العقاب" و"الظلم"..!
بعد رحيل "نلسون مانديلا" ذَهَبْتُ مع جماعة لتقديم واجب العزاء لسفارة "جنوب إفريقيا" وأثناء حديثنا مع سعادة السفير السيد جونس جاكوبيس اسبيس "الأبيض" عن خسارة "جنوب إفريقيا" و"إفريقيا" و"الإنسانية".. بكى بكاءً صادقا ومؤثرا.. هكذا يعيد "العظماء" صياغة التاريخ.. !
لسنا مصطادين في المياه العكرة؛ ونتمنى الخير كل الخير لبلدنا!

22. أبريل 2014 - 12:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا