ابقوا على الحوار... فلن يتوقف القطار / الولي ولد سيدي هيبه

"...لو عرفنا أين نحن و ماذا جرى بنا، لعرفنا ماذا نفعل و هل ما فعلناه كان كما يجب" ابراهام لينكولن

لا شك أن الإعلان عن تعثر الحوار بين الأطراف المشاركة الثلاثة في هذه اللحظات الحرجة و عند هذا المنعرج الدقيق المطبوع بحاجة البلد الملحة إلى توافق طيفها السياسي حول أدنى سقف يمكن السكوت عليه لمواصلة المشوار

 من أجل تجذير الديمقراطية التي لا غنى عنها في قابل الأيام و ليحفظ للبلاد إلى ذلك توازنا ملحا يقيها السقوط في منزلقات الشطط - كان بمثابة الخبر الذي شكل ضربة قاسية لذهنية لمواطن موريتاني توهمته للحظة أن كل طرف قادر بمفرده خلال الحوار:
·        على الحفاظ على بعض مصالحه التي يهددا دوام الخلاف،
·         و إثبات أن القدرة على قبول تقاسم التنازلات مع الأطراف الأخرى هو من باب الإدراك الراقي بمسؤولية الحفاظ على المصلحة العامة و أن ذلك خير من ضياع كل شيء بل و أولى من خيبة أمل الجميع.
و لعل أهم ما يعانيه من شاءت لهم الأقدار أن يكونوا القادة السياسيين و انتدبوا أنفسهم دون أي إجماع جماهيري للحوار هو افتقادهم اللغة المناسبة للحوار، و توهم فئة منهم معتبرة أنها ملمة بجميع الأمور، محيطة بكل القضايا و تسعى بكل ما أوتيت من طاقات إقناع غيرها بوجهة نظرها و لو كانت على غير صواب سواء أكانت تدرك ذلك أم لا، وتدعي العلم ببواطن الأمور كما لو كانت هي القادرة وحدها على التوجيه الصحيح و اتخاذ القرار الصائب.
و هل يعقل أن يظل مثل هؤلاء السياسيون المترفون يستنزفون وقت الأمة في تبادل كيل الاتهامات بعضهم للبعض و لا سبيل إلى التفكير المتوازن من جهة فيما تمر به البلاد من أزمات اجتماعية حادة مردها العجز عن مواجهة الواقع المرير، و اقتصادية بارزة لا تخطئها العين و مردها هي كذلك غياب الوازع الوطني، و لا في وضع خطط تأخذ قوتها من الواقع و تستند على المتاح للعمل الجاد من أجل الخروج منها أزمات حقيقية بأقصى سرعة ممكنة.
و هل يعقل أن يظل هؤلاء السياسيون يتعاطون نصف الكوب الفارغ في حانة الفراغ السياسي ويتباكون متشبثين بخطابات سياسية لا تحقق نموا و لا تحرز ازدهارا فكريا يوجه إلى التنظير الوحدوي والتنموي الاقتصادي.
إن موريتانا لن تتحول إلى بلد يعبر بثقة لفضاءات قيام الذات الوطنية السوية و استثمار خيرات البلد الوفيرة لتحقيق الرفاه و إرساء الاستقرار على دعائم السلم الاجتماعي و الاستقرار و الأمن بفعل تلك الخطابات السياسية المتشابهة والتي لا تحمل على متنها سوى نظريات السعي إلى السلطة غاية و نهاية. كما أنه لن يكون لها أن تخرج من دوامة الصراعات العقيمة إلا أن يكسر المتدثرون بلحاف جسمها السياسي جمود الخطاب و يتقنوا لغة الحوار المتمدن التي لا مناص منها لمحوريتها في أي عمل سياسي من شأنه الحفاظ على الوطن بكل توازناته المضطربة و خطابات أهله المختلفة و الموزعة بين طيف سياسي يفتقد إلى الرشد و طيف حقوقي يفتقد إلى التأطير.
و إن لغة التشكيك وتبادل الاتهامات القائمة و البلاد على أعتاب استحقاق الرئاسيات الهام في حياة البلد بين المؤيدين للحوار من أغلبية ترى أنه يجب أن يتم في انسجام مع الآجال المحددة دستوريا و بين معارضة لا تفتح بابا واسعا أمام ذاك المطلب وطرف ثالث لم يستطع أن يذلل العقبات من منطلق فهم ماهية الحوار، و قد كان لا بد لهذا الطرف أن يخلق طريقا ممكنا لحصول أدنى حد من التوافق يمهد بدوره عملية المرور بالبلاد إلى حقبة جديدة يطبعها النضج السياسي المفتقد.
من المعلوم أن الحوار في المقام الأول هو استعداد ذهني و بدني للاستماع إلى وجهات نظر سياسة مخالفة أو متقاطعة كليا أو جزئيا مع وجهات النظر السياسية السائدة التي يهدف الحوار إلى مناقشتها و العمل من أجل الوصول إلى تسوية بشأنهاعلى نحو "حلول وسط" ترتضيها الأطراف المتحاورة لتجاوز أزمة سياسية أو القفز على صراع يطبعه منطق العنف قد يجلب الضرر على الجميع.
و بديهي أنه لا يمكن إجراء حوار سياسي جاد و فعال من دون وجود الرغبة لدى أطراف الأغلبية و لمعارضة للتوصل إلى تسوية سياسية. و لا جدوى من الحوار مع جهة سياسية ترفض الاعتراف بالآخر لأن أحد شروط الحوار هو هذا الاعتراف بالآخر و قبوله مخالفا للرأي بغض النظر عن قوته على حسم الصراع السياسي أو ضعفه عن ذلك. و على خلاف هذا الأمر فإن رفض الآخر بشكل علني أو خفي يعد نظرة إلغائية تفقد الحوار كل معناه. و إن اتخاذ الحوار كذلك غطاء لكسب هدنة سياسية من أجل خوض الصراع المتسم بالعنف يقوض أسس الحوار و يضعف الثقة بين المتحاورين و حين يستند الحوار إلى قاعدة الغالب و المغلوب فإنه لا يعد حوارا و إنما استسلاما لجهة مهزومة أمام أخرى منتصرة.
إن الحوار السياسي يتطلب نخبا سياسية واعية لماهية الأزمة السياسية القائمة و مديات الصراع و نتائجه المستقبلية و يجب أن تكون هذه النخب مخولة باتخاذ قرارات سياسية جريئة و إجراء تسويات تستند إلى حلول معقولة لتحقيق أهداف واقعية تجنب المجتمع نتائج الخلاف و تحافظ على كيان الوطن.
و لا يمكن لحوار سياسي جاد أن يتبلور من دون شروط مسبقة يتفق عليها المتحاورون و بعدها أحكاما ملزمة لكل الأطراف دون أن تكون اشتراطات مجادلات سياسية، الأمر الذي يوجب تحديد مسارات الخلاف لمناقشتها و القبول بمبدأ إجراء التسوية لحصول اتفاقات مشتركة محددة بتحديد زمني و ليس زمنا مفتوحا كيما لا يتحول الحوار السياسي إلى جدل سياسي يزيد من هوة الخلاف و يعمقها.
و طبعا تتطلب القناعات المشتركة تنازلات مؤلمة عن قناعات راسخة لأن الحل المعقول لا يشترط فيه أن يكون حلا مقبولا دائما لكل أطراف الصراع بعده مرتبطا بدالة الزمن الحاضر لقبوله كتسوية سياسية تحقق أهدافا بعيدة المدى تستند إلى معايير قيمية مغروسة في اللاوعي الاجتماعي أساسها قيم وطنية أو قيم أخلاقية.
لا يمكن المطالبة بتقديم تنازلات مؤلمة من أطراف الصراع خلال المفاوضات من دون إزالة مخاوف الآخر و منحه ضمانات كافية لتطبيق الاتفاقية السياسية و الحفاظ على مصالحه استنادا إلى قاعدة لا غالب و لا مغلوب. فكل تنازل عن قناعة راسخة في حوار خلافي ما يجب أن يقابله تنازل الطرف الآخر عن محور خلافي مماثل. لأن التسوية تعد سعيا إلى كسب ربح محدود لكل أطراف الصراع تحاشيا لخسارة كارثية يتعرض لها الجميع، فالربح المحدود في الحاضر و بضمانات متبادلة يحقق الربح الأكيد بالنتيجة للجميع في المستقبل.
فهل يراجع الجميع، في ظرف ما زال رغم ضيق الوقت علي مجرياته يسمح بذلك، مواقفهم و يكيفوها مع رغبة أغلب الشعب في نجاح الحوار و من ثم التوجه إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية لدعم مسار البلد الديمقراطي و الذي به وحده يُضمن رغم كل النواقص و العثرات تجنب ما هو مرتسم في الأفق من تعقيدات واقع مشحون بالمطالب ذات الصلة بالوجه الاجتماعي من ناحية  و الاستفادة من مقدرات البلد في أجواء تسودها العدالة و المساواة و السلم؟
و هل يتخلى المحاورون عن سلبيات النرجسية و يتحلوا بأدبيات الحوار المتمدن من أجل مواجهة عملية الحفاظ على وطن هو أحوج ما يكون إلى الوفاق و السكينة منه إلى الخلاف و الجفاء؟ و ليس الأمر من باب الرجاء و إنما من باب الوجوب لكل ذي لب.

23. أبريل 2014 - 17:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا