في خطوة معبرة أعلن محمد ولد عبد العزيز عن تمسكه بالرآسة ، "شاء من شاء وكره من كره " وأكد للجميع استمراره في نهجه الانقلابي والاستعلائي الواضح ،فهو لا يأبه بالمناصرين ودعمهم اللامحدود واللامعقول ولا يهتم بالديمقراطية وأسلوبها في الحكم وممارسة الحقوق .
لقد أعلن قائد الانقلابات المتتالية ، أنه أصبح جاهزا لمرحلة جديدة من حكم البلاد، وأنه يستند إلي قوة عسكرية موحدة خلفه ، وإمكانيات مادية تمتلئ بها خزائن الدولة ، وعلاقات دولية قوية مع الدول الغربية والسعودية والإمارات ومن ورائهما جنرال مصر (السيسي) ..فهل فهم المتحاورون من الموالاة والمعارضة المعاني الخفية لإعلان الرئيس؟ وهل يستوعب الشعب الموريتاني الدرس ؟
لقد كان الجو حارا هذا الصباح ، كانت الحفاوة بادية ، والمشهد يرسم لوحة فنية معبرة لجولة سيقوم بها رجل امتلأ غرورا ، ظهر "شامخا" بين مستقبليه في حفل وضع الحجر الأساس لمعلمة صحية دعائية ،أريد لها أن تكون مكانا مناسبا يطلق منه الزعيم رصاصته "الرحمة" علي الحوار، والديمقراطية والحزبية وما شابه، مما يتشدق به بعض المتملقين وأنصاف المثقفين ..لقد قال الرجل صراحة : إنه لا يقيم وزنا للأحزاب السياسية الموالية قبل المعارضة وأنه لا يحترم "الأغلبية" التي يعتقد البعض أنها تمنحه الشرعية ...إن الأمر لم يتطلب منه سوي إطلاق العنان لحنجرته لتصدع بالأمر : (إنني الرئيس ..وإنني مترشح لها من جديد ...)
ماذا يعني بذلك: أيها السادة والسيدات في مجالس وهيئات حزب "الإتحاد من أجل الجمهورية" ؟
ألم تقولوا يوما إنكم حزب سياسي نال أغلبية أصوات الموريتانيين في انتخابات "شفافة ونزيهة"؟
ألم تقولوا أيضا إن حزبكم هو الحاكم ...وإنكم تمنحون الشرعية للرئيس.... وإن عهد الإنقلابات قد ولي ؟
دعونا نتجرد قليلا من مواقعنا السياسية لنسأل : هل ترون أن محمد ولد عبد العزيز خرج من دائرة الإنقلاب ؟ وهل أصبح يفكر حقا بمنطق الديمقراطية ومؤسساتها الحزبية التي تقولون إنكم بنيتموها معه "بنضالكم وبرنامجكم وإنجازاتكم" ؟
لماذا يورطكم رئيسكم في حوار عبثي مع شركائكم السياسيين؟ بل (وهذا الأهم) لماذا لا يتذكر الرئيس "الشرعي" أغلبيته عند اتخاذ قراره بالترشح للرآسيات؟
إن من أبجديات الديمقراطية أن تقرر الهيئات العليا للحزب السياسي الحاكم ترشيح شخص ما من قيادته أم ممن تختاره من خلال حوار داخلي شفاف ..وإذا كان الحزب السياسي ليس ملكا شخصيا ،فإنه لا يقبل لعضو فيه أن يتخذ قرار ا بالترشح دون العودة إلي ذلك الحزب ....هذا إذا كنا سنفترض وجود حزب سياسي حقيقي حاكم أو يمثل الأغلبية .
أليس هذا التصرف من مؤسس حزب الإتحاد من أجل الجمهورية كافيا للتأكيد علي أن الأمر لايتعلق بحزب سياسي. وإنما هي مجموعات (لكي لا أقول كتائب ) من المناصرين والطامعين والتابعين والمنتفعين الذين يواصلون المسير خلف قائد عسكري يقود معركة من أجل الإستحواذ علي السلطة والثروة في الدولة ..؟
إن هذه الرسالة موجهة إلي الذين يراهنون علي ممارسة ديمقراطية في ظل الإنقلاب ، وهو يكشف بوضوح عن مسلسل من الأحداث لا يختلف أول يوم فيه عن آخر أيامه ....
إن الرئيس يقول بكل وضوح إنه وحده من يمتلك قلوب الناس ويمسك بأرزاقها ويتحكم في تصرفاتها ......وإن علي الأتباع أن يبقوا كذلك ...فلا هم أقرب إليه من غيرهم ..بل إنه أكثر احتراما لمعارضيه من أنصاره لأنه –علي الأقل – قبل أن يحاورهم حتي ولو كان قد حسم أمره واتخذ قراره ،لكنه يعرف أن المعارضين وحدهم من يقول الحقيقة ويتعامل مع الإنقلاب كما هو لا كما يدعي بعض المتملقين ...وقد قال الرجل يوما - في النعمة - (إن حركة التصحيح ليست سوي انقلاب ) وهو يقول اليوم (إن الإنقلاب مازال يحكمكم وسيظل .....).