ما كنت أتوقع لحوار النظام بزائدتيه الأغلبية والمعاهدة مع منتدى المعارضة بفيسفسائه الخلاسية، أي نجاح..ذلك أن الطرفين اللذين يتأسس عليهما المشهد، لم يبذلا في السنوات الخمس الماضية أي جهد لإرساء الثقة بينهما، بل بالعكس ظل النزال بينهما، حامي الوطيس.
ومما ميز ذلك النزال استخدام السلحة الممنوعة والانحطاط الشديد في الخطاب السياسي بين طرفي الساحة لحد وصل للتجريح مما أوغر الصدور وزاد من التنافر، لذا لم يجد الحوار الحالي خيوط ود بين الطرفين ليعتمد عليها وينتسج، فاتجه منذ لحظاته الأولى نحو التعثر الذي أدى به للإنهيار والانتحار.
لم ينتبه الطرفان إلى أن الوطن جامع، ولم يفهموا أن الحياة وبخاصة السياسية، غريبة الأطوار، ولم يستحضروا قول الشاعر الحكيم:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ** عدوا له ما من صداقته بد
سمعنا أوصافا لجماعة المعارضة منها أنها "مجموعة من معارضي حركة تصحيح الثامن أغشت المجيدة"، بل إنها "جماعة المفسدين التي أهلكت الحرث والنسل"، و"كهول العصور البائدة التي يجب أن تجدد".
وسمعنا لدى المعارضة خطابا اتسم بالبذاءة الشديدة وهذا ما عقد الأمور اليوم..فقد وجهت، للرئيس وهو أيا ما تكون الحال، رئيس الجمهورية، أشنع الأوصاف وأقذع العبارات، ووجهت له التهم الخطيرة التي تمس العرض؛ وللرئيس عرضان عرضه الخاص وعرضه الجمعي العام الذي هو عرض بلدنا وعرض كل واحد منا.
وقد كان الخطاب المعارض خطاب قدح ونبز، فبدلا من أن يكون في ظل ديموقراطيتنا، الخطاب السياسي الرفيع، تحول للخطاب المعادي ولخطاب الانتقام، وسمعنا في المهرجانات لغة الإحن والأثآر.
خلال السنوات التي انقضت، وصف الرئيس بكل وصف ونعت بكل نعت واتهم جهارا بما لا أدلة عليه.
هذه الحرب الشعواء التي اشتعلت على مدى السنوات الخمس الماضية جعلت الرئيس والمعارضة يسيران اليوم في خطين متوازين لا التقاء بينهما، وهو ما أثر على الحوار وجعله يصطدم بواقع العداءات الشخصية التي هيمنت حتى لقد غيبت موريتانيا بكامل همومها، عن طاولة الحوار.
كيف يتفق الرئيس مع معارضة هدفها انتزاع جميع ما لديه من صلاحيات ينص عليها الدستور، لتنظم انتخابات على مقاسها وينتهي الأمر؟؟.
إن رئيس الجمهورية في الظرف الحالي، يملك جميع الأوراق والمسوغات التي تمكنه من تنظيم الانتخابات الرئاسية بالمعارضة وبدون المعارضة، ولن تنتطح في ذلك شاتان..
فالرئيس يمر في هذه الانتخابات بأحسن ظروفه إذ يدعمه جمهور من أهل الحل والعقد كالفقهاء وشيوخ المعاهدة الوقورين وكمشائخ القبائل ومعه المهاجرون من الأحزاب ومعه الأنصار والحواريون الخلصان.
وبعكس رئيس الجمهورية، فالمعارضة لا تملك أية ورقة فقد ضيعت أوراقها ولم يبق لديها سوى ورقة واحدة هي التخويف من الأجندة الأحادية.
لكن يجب ألا يزايد أي طرف على الآخر: فإذا كانت معزوفة الانقلاب تضعف الرئيس، فهناك مواقف مشهودة أثرت على مصداقية الكثيرين ممن هم اليوم في صف المعارضة:فغالب من يعارضون الرئيس عزيز اليوم كانوا من منظري انتخابات ولد الطايع التي كانت أحادية أحدية بمعنى الكلمة، وبينهم من كان من فلاسفة هياكل تهذيب الجماهير.
لم يبق لنا بعد أن انتحر الحوار سوى أن نتدارك مصلحة البلد واستقراره، وأن ندرك مهما تكون طموحاتنا، أن بلدنا هذا ما زال ضعيفا لا يتحمل الدخول في المغامرات، ولا يمكن أن نتركه ليحول إلى حقل للتجارب.