أبسط مفهوم ومعنى للتنشئة السياسية هي التربية السياسية، ويقصد بها كافة الأنشطة التي يمكن أن يتعرض لها الفرد طوال حياته لتكوين وعيه وثقافته السياسية، وجميع تصوراته تجاه القضايا السياسية،
وبالتالي تكمن أهمية التنشئة في أنها التي تشكل وتحدد السلوك السياسي للفرد نفسه. التنشئة لا تبدأ من خلال برامج تدريبية يمكن أن يتعرّض لها المواطن في الجمعيات السياسية أو حتى بعض الجهات والمؤسسات، وإنما تبدأ في البداية من الأسرة مروراً بالمؤسسات التعليمية التي يمكن أن يمر فيها، فضلاً عن أدوار بعض المؤسسات مثل وسائل الإعلام والمنابر السياسية وغيرها. نتيجة التنشئة السياسية أنها تؤدي إلى تكوين الثقافة السياسية في المجتمع وتحدد السلوك السياسي للأفراد. وبالتالي فإن التنشئة لا تستهدف الشباب فقط، وإنما بقية الفئات الأخرى في المجتمع. وإذا كانت التنشئة عملية مستمرة، فإنها جزء أساسي من عملية التنمية السياسية التي يجب أن يمر بها المجتمع الذي يسعى لمزيد من التحول الديمقراطي. والسؤال المطروح هنا؛ ما دور شبابنا في التنمية السياسية؟ هل المطلوب منهم الدخول في النشاط السياسي من أوسع أبوابه بتأسيس الجمعيات السياسية الخاصة بهم؟ أم هل المطلوب الانخراط في العمل النقابي؟ أو حتى أنشطة مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات وهيئات وغيرها؟ ظني أن دور الشباب في التنمية السياسية واسع جداً، فهو يبدأ من انخراط الشاب في الأنشطة الطلابية بالجامعات، ، وقبل ذلك دوره في التثقيف الذاتي، إذ ليس منطقياً أن يصل الفرد إلى مرحلة الشباب دون أن يكون له وعي سياسي وثقافة وطنية ناضجة. في هذه المرحلة المبكرة التي تسبقها عادة المرحلة التعليمية المدرسية يكون الشاب قد كوّن تصوراته وقناعاته الأولية بشأن مختلف القضايا السياسية، وإن لم تكن تصورات وقناعات دائمة ومستمرة بسبب طبيعة المرحلة التي يمر فيها. لاحقاً بعد انتهاء المرحلة الجامعية تزداد مسؤولية الشباب في التنمية السياسية، إذ يفترض أن يتجاوز مرحلة تكوين الوعي السياسي والآراء والتصورات السياسية بشأن القضايا المتعددة. بل هنا تبدأ مرحلة تبلور الأدوار، فبإمكانه الاستفادة من المناخ الديمقراطي الذي توفره الدولة بالعمل في الشأن العام، وهي فرص كبيرة يمكن عرضها على سبيل المثال وليس الحصر؛ التعبير بالرأي عن قضية ما في إحدى الوسائط الإعلامية ، والانضمام لإحدى مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل اهتماماته المتنوعة، أو الانضمام لإحدى الجمعيات السياسية، كما يمكنه أيضاً الاهتمام بالشأن العام من خلال مساعدة الآخرين وتوعيتهم سياسياً وإن لم يكن منضوياً تحت إحدى المؤسسات. والمشاركة بإيجابية في الانتخابات البرلمانية أو الرآسية تعد أيضاً من الفرص المتاحة لشريحة الشباب لتعزيز دورها في التنمية السياسية. الأهم في فرص المشاركة السياسية المذكورة أعلاه هي الإيجابية، وهي السمة المطلوبة من الشباب المطالبين بدور أكثر إيجابية تجاه قضايا المجتمع المختلفة. وهذه السمة لا تعنى عدم الإحباط في حالة الفشل، بل هو أمر وارد، ولكنها تقتضي التعاطي بإيجابية مع القضايا نفسها. فلو حمل الشباب مطلباً شبابياً عاماً وطالبوا به عبر منظماتهم ولم يتحقق فإن ذلك لا يعني عدم الاستمرار في المطالبة ضمن الإطار العام الذي أتاحه المناخ الديمقراطي. عند الحديث عن دور الشباب في التنمية السياسية فإن ذلك لا يعني أن هناك قيدا وإطاراً عاماً يجب الالتزام به في تحقيق هذه التنمية الهامة، ففي جميع المجتمعات توجد مثل هذه الأطر، ويقصد بها الثوابت الوطنية المستمدة من الثقافة المحلية وما يرتبط بها من قضايا، بالإضافة إلى ضرورة العمل وفق القوانين والأنظمة الوطنية التي كفلها الدستور. ومن يحاول الخروج عن مثل هذه الأطر لا علاقة له بالتنمية السياسية، لأنه لا يسعى لتحقيق التنمية نهائياً، بل يساهم في الإضرار بها. الخلاصة أن دور الشباب في التنمية السياسية مهم للغاية، وهي مسؤولية جماعية مشتركة ليست ملقاة على الشباب أنفسهم، بل تتضافر وتتحمل مسؤوليتها مجموعة من الأطراف ، بالإضافة إلى وسائل الإعلام وقادة الرأي. وهناك العديد من الفرص والمجالات المتاحة للشباب ليقوموا بدور إيجابي في تحقيق التنمية السياسية في المجتمع، بدءاً من التوعية والتثقيف الذاتي، ومروراً بالمشاركة بشكل إيجابي في أنشطة مؤسسات المجتمع المدني والتفاعل معها، وأخيراً الحرص على المشاركة باستمرار في جميع الاستحقاقات الانتخابية سواءً كانت برلمانية أو رآسية باختصار دور الشباب في التنمية السياسية دور مزدوج، فهو يتطلب وعياً ذاتياً، ويتطلب نشاطاً إيجابياً.