التأمين التعاوني هو اشتراك مجموعة من الناس في إنشاء صندوق يتم تمويله بقسط محدد يدفعه كل واحد منهم ،ويأخذ كل مشترك في هذا الصندوق نصيبا إذا أصابه حادث معين ،وحديث الأشعريين الذي أخرجه البخاري ومسلم
عن أبي موسى رضي الله أنه صلى الله عليه وسلم قال :"إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم". يصلح للاستئناس في جواز هذا النوع من التعامل ، وقد قال ابن بطال المالكي إن للسلطان أن يأمر الناس بالمواساة ويجبرهم على ذلك ،ومما هو معروف أن عمر رضي الله عنه في خلافته عمم نظام العواقل حتى شمل أهل الديوان الواحد بعدما ضعفت العصبية وأصبح لمنسوبي الديوان نوع عصبية وتضامن ،وإلى فعله رضي الله عنه ذهب أبو حنيفة وهو المروي عن مالك في العتبية والموازية ونحوه لابن شاس وابن الحاجب ومشى عليه خليل في مختصره حيث قال: ( وبدئ بالديوان إن أعطوا ) .
فهذا التأمين إذا بديل إسلامي يلجم ألسنة الذين يبيحون التأمين جملة دون ضوابط شرعية ،والذين يقولون لا غنى عن شركات التأمين التي أصبحت ضرورة دون النظر لنشاطها ونظام تعاملها واستغلالها للأموال .
فالفرق بين هذا النوع من التأمين التعاوني (التكافلي) وبين التأمين التجاري (التقليدي ) أن الأموال المجتمعة من الأقساط تبقى ملكا للجميع بدل أن تؤول إلى أصحاب الشركة ,فهو بهذا نوع من أنواع التكافل المحصن ،ولكنه تكافل منظم بدل أن يكون متروكا للظروف .
وكل مشترك في التأمين التعاوني يدفع اشتراكه بطيب نفس لتخفيف آثار المخاطر وترميم الأضرار التي تصيب أحد المشتركين .
ولا يريد المشترك تحقيق ربح من إسهامه في هذا المجال وإنما يبتغي الأجر والثواب عند الله تعالى بسبب مواساة أخيه المؤمن ,أو المواطن المقيم معه في المجتمع الإسلامي .
وعلى هذا يرى د.الزحيلي أنه يجوزإنشاء شركة تأمين تعاوني لتحقيق مصالح الناس على أن يكون التعاون فيها ظاهرا بالنص صراحة في عقد التأمين على أن المبلغ الذي يدفعه المشترك يكون تبرعا منه للشركة ولا مانع من كون التبرعات بأقساط دورية ، وعقد التبرع يلزم بالقول على رأي الإمام مالك رحمه الله .
وليس في هذا التأمين عيوب أومفاسد التأمين التجاري من مخاطرة أو غرر أو جهالة أو قمار أو ربا ،حيث لا تستغل الأقساط في نشاط أو تعامل ربوي ،وإنما تستثمر في وجوه مشروعة نفعها أو ربحها للمشتركين في التأمين .
إنه بهذه الصورة يكون مظهرا من مظاهر التكافل والتعاون الذي حث عليه الإسلام دون تفريق بين غني قادر وفقير محتاج ،فكل واحد يعوض بقدر ما أصابه من ضرر ،وليس بقدر ما دفع من مال كما تفعل شركات التأمين .
ومن خصائص هذا التأمين التكافلي أنه يحقق التعاون بالمعنى الصحيح القائم على التبرع المحض والتضحية وإفادة جميع المشتركين ،إذ يكون كل واحد منهم مؤمنا ومستأمنا (مؤمنا له) ،إضافة إلى أنه ترجمة واقعية عملية لمبدإ التكافل والتضامن ،حيث تغطى المخاطر ،وترمم الأضرار إما مطلقا أو ضمن حدود معينة ،وبما أن كل واحد من أسرة التأمين التعاوني مومِّن ومؤمَّن له في نفس الوقت فيحتم ذلك أن تكون الاشتراكات المطلوبة من المنتسبين عرضة للزيادة وللنقص تبعا للمخاطر أوالحوادث السنوية نوعا وكما (اسماعيل عبد الفتاح- التأمين .. مفهومه- نشأته – حكمه ص 135 ) .
إن الهدف من التأمين التعاوني هو كفالة أعضائه ورفع الضرر عنهم لأنه لا يهدف إلى تحقيق ربح للمشتركين فيه ولا يهدف لتحقيق ثراء لهم ،بل مجرد رفع الضرر اللاحق بهم ،وإذا لم يمكن أن يكون شاملا لكل الحالات فلا بأس أن يشمل بعضها ،لأن الضرر يزال ما أمكن .
وإذا تعذر وجود جهة ترعى كل جوانب التكافل كبيت مال المسلمين في العصور الإسلامية المزدهرة فإن فكرة التأمين التعاوني يمكن أن تكون بيت مال مصغر لمجموعة من المسلمين ترعى بعض جوانب التكافل الأكثر ضرورة عندهم ، كأن يتفق بعض أصحاب السيارات على التأمين التعاوني فيما بينهم ،ويمكن أن يتعاقد بعض التجار على نوع من التأمين التعاوني أيضا ( نفس المصدر السابق ص 136) .وهو بديل لا يتعارض مع القوانين المدنية القائمة ،ولا يتعارض مع أحكام الإسلام في التكافل ،ويمكن الأخذ به باطمئنان عند عدم قيام الزكاة بترميم الأضرار والوفاء بالتكافل . وتوجد الآن صور واقعية مصغرة للتأمين التعاوني في بعض البلاد الإسلامية كتلك التي تقوم بها بعض النقابات المهنية في مصر مثل نقابة عمال التشييد والبناء ونقابة السائقين ونقابة الأطباء ... وغيرها ،وذلك بأخذ مبلغ رمزي دوري من كل عضو على سبيل التبرع ،ومن ثم يكون النفع عاما للمجموعة ،وهذه الصور من التأمين التعاوني – وإن كانت لا تزال محدودة الأثر ضيقة النطاق –تحتاج إلى تفعيل وتعميم لتكون مظلة تظلل كل من يعيش على أرض الإسلام ،لتكون بديلا تعاونيا تكافليا تضامنيا إسلاميا بدل الارتماء في أحضان التأمين التجاري المحرم .