في جلسة رومانسية على شاطئ المحيط، والشمس ترنو للغروب، جلست تداعب خصلات شعرها بأطراف أصابعها وهي ترقب الإبريق على النار، وتسترق النظر إلي على استحياء.
قلت: فيم تفكرين؟، قالت: أريد أن أكون قاضية، قلت: حينها أقول: (ياليتها كانت القاضية)، قالت: ولم؟ قلت: لأن العلماء أجمعوا على عدم جواز تولي المرأة القضاء، قالت: الم يجز أبو حنيفة توليها القضاء في الأموال؟، وأجاز محمد ابن الحسن، وابن جرير الطبري أن تقضي في كل شيء، قلت: لكن ابن العربي: في " أحكام القرآن" نفى صحة ذلك عن ابن جرير الطبري، وتأول قول أبي حنيفة بأن مراده أن تقضي المرأة فيما تشهد فيه على سبيل الاستبانة في القضية الواحدة، لا أن تكون قاضية، وقال: وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير، قالت: تأويل القول لا ينفيه، وقد قال بجواز توليتها القضاء ابن حزم والحسن البصري وغيرهم، وعلى كل حال لا يمكن القول بالاجماع مادامت الاقوال متعددة، قلت: لكن أدلتهم للجواز واهية ، قالت: بل قوية متماسكة مقنعة، قلت: هاتها، قالت: أنت من يدعي خلاف الأصل وهو الإباحة، فعليك يقع عبء الإثبات، ثم ناولتني كأس الشاي وأشارت بيدها أن تفضل
قلت: كونها لم تتول القضاء في العهد النبوي ولا الراشدي، ثم قوله تعالى : (الرجال قوامون على النساء)، والحديث الذي رواه البخاري:(لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة)، قالت: أما كونها لم تتول القضاء في العهد النبوي فلا دليل فيه، ﻷﻥّ ﺍﻷﺼل ﻓﻲ ﺍﻷﺸﻴﺎء ﺍﻹباحة، ﻭﻟﻡ يرد ﻓﻲ منعها من ﺍﻟﻘضا ﺀ نص صحيح صريح، وربما لم ﺘﻘﺘﺽ الحاجة في زمانهم توليتها، وأما قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء) فقد شرحت الآية نفسها بنفسها (بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من اموالهم)، فهي قوامة الأسرة والبيت بالتعليل المذكور، ولا علاقة للأمر بالولاية، أما حديث: (لن يفلح قوم ولو أمرهم إمرأة) فقد رواه أبو بكرة، وقد روى الطبري وابن كثير وغيرهما..إن أبا بكرة حد حد القذف في عهد عمر، ثم قال له: تب اقبل شهادتك، فأبى أن يتوب فاسقط عمر رضي الله عنه شهادته، فكان أبو بكرة إذا استشهد على شيء يأبى أن يشهد ويقول: إن المؤمنين قد ابطلوا شهادتي، ثم إننا حتى لو سلمنا بصحة الحديث، فإن العلماء ذكروا أن ذلك في الإمامة العظمى وليس في القضاء، أضف إلى ذلك أن قوم بلقيس المذكورين في القرآن ولو أمرهم امرأة، وقالوا: (قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) ، فقادتهم إلى الفلاح : و قالت: (قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين)، فلولا حكمتها ورجاحة عقلها لما قادتهم إلى الهدى.
قلت:(زَيْفِي أمَاعِينِكْ أوَهَايْ الْنَ رَاحْ الَليْلْ).