أسالت المسيرة المزمع إقامتها الثلاثاء التاسع والعشرين من إبريل والمعروفة اختصارا ب "مسيرة الحقوق" الكثير من الحبر، بين من يراها مشروعة ولها ما يبررها بل هي ضرورية لإقاء الضوء على الكثير من الإختلالات
التي تعرفها البنية المجتمعية والسياسية والإقتصادية الموريتانية وبين من يراها مجرد محاولة للّعب على العواطف والسعي لتفريق وحدة وطنية متماسكة "من وجهة نظره طبعا" وبين هذين الرأيين تبقى الصورة ضبابية – من وجهة نظر البعض - وتحتاج لإيضاح شديد.
يتضمن نص الوثيقة الذي صيغ في ال29 إبريل من السنة الماضية أهم النقاط لمن لم يطلع عليها وعليه حين يطلع عليها أن يحكم بالمنطق بعيدا عن العواطف بل بكل حيادية وتجرد، الشيء الذي نحتاجه بإلحاح شديد، ولنبتعد عن العبارات التي لطالما رددها البعض مثل نحن شعب واحد " انتباه ، هنا لا أعترض على أهمية أن يكون المجتمع الموريتاني مجتمع متحد ومتماسك لكنه ليس الواقع بكل بساطة " بل إن لنا مظهرا خادعا يقنع بعضنا للأسف الشديد ، وتستمر العبارات المبهمة كأن يقول لك أحدهم نحن شعب واع ومتحضر وديمقراطي ومتساوون وهو في قراراة نفسه يدرك خطأ ما ذهب إليه لإنك إن ناقشته تكتشف مباشرة أنه مجرد وعاء فارغ، إذا دعونا نضع النقاط على الحروف ونصرح بالوضعية اللامتزنة التي نعيشها ونحاول أن نجد لها حلولا ما دام الأمر ممكنا، بعيدا عن التخوين والعنصرية ومحاولة حجب الشمس بغربال ، يجب أن نفهم أنه من أجل موريتانيا – هذا إن كنتم تؤمنون بها - علينا أن نقتنع أن هناك شريحة إسمها " لحراطين" لم تعد راغبة في البقاء على الهامش ، فهذه الدولة للموريتانيين جميعا ومن حقهم (أؤكد على كلمة حقهم ) أن يشرَكوا في تسييرها وعلى كل المستويات ، لكن ليس بطريقة عشوائية تخل بالهدف المنشود (المشاركة) بل عبر سياسة مدروسة الجوانب لكن هدفها هو المشاركة وليس المماطلة.
أستغرب من البعض كلما خرجت مسيرة أو مظاهرة أو أي شيء يصب في خانة الرفض للغبن الإجتماعي والإقتصادي البادي للعيان – إلا من لا يريد أن يراه- أستغرب منه أن يصرخ قائلا " اتركوا الأمور في مجرياتها الطبيعية واستشعروا روح الوطنية " ويبدو أن روح الوطنية لا يتم استشعارها إلا عند الحديث عن الظلم والغبن ويجب أن تترك الأمور لطبيعتها، وهل أوصلنا لما نحن عليه الآن من وحدة وطنية مزيفة إلا تركنا للأمور على حالها الخادع.
نعود للمسيرة والحبر الكثير الذي سال، فتارة نرى البعض يعتبرها استغلالا سياسيا ومحاولة لتحقيق مكسب سياسي، وهنا أقول إن هذه حجة من يريد أن يغيب عقله أو من يريد أن يعطله حتى لا يرى الحقيقة فالمسيرة يشارك فيها كل الفاعلين السياسيين بمختلف توجهاتهم ومن لا توجه له، والشعار المرفوع لها هو " الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصادية للحراطين وليس للحزب كذا أو كذا " وليست مسيرة تحمل شعارا لحزب سياسي يروم من ورائها هدفا خفيا، لذلك أفيقوا من أوهامكم وابحثوا عن الحقيقة "المرة" لكي تتمكنوا من فهم ما يجري بشكل جيد وسليم ، فإن نظرتم بحياد إلى المسيرة فستعرفون أنها ليست على حساب أحد بل هي من أجل موريتانيا متصالحة مع ذاتها و محتضنة لكل أبناءها ، لأن هذا الزمن لم يعد زمن تكميم الأفواه ولا التستر على المآسي مهما كان نوعها، ودعكم من تسييس كل ما لا تستطيعون تقبُّله فذلك ليس في صالحكم البتة، فمسيرة "الحقوق" شيئٌ يجمع ولا يفرق ، شيئ يوحد ولا يدعو للتنافر، مسألة إن نظرتم لها وتفحصتموها بالعقل ستدركون أنها تصب أولا و أخيرا في مصلحة موريتانيا.
بغض النظر عن من يسعى لإفشال المسيرة أو من يريد التشويش عليها ببيانات من هنا وانسحابات من هناك فإن المسيرة ستكون رسالة لكل العقلاء أن موريتانيا تتطور وعليهم التكيف مع ذلك إذا كانوا لا يريدون للتيار أن يجرفهم وهم لا يشعرون ، لإن مثل مواقفهم لم تعد ممكنة لأبسط الأسباب ألا وهو أنها صارت متجاوزة ، وكونك ناضلت في فترات ماضية وسعيت للمساواة فذلك لا ينفي أنك استكنت وركنت إلى الظل خلف ماضي يوشك الحاضر أن يطمسه بكل قوة، فالحياة تسير وليس من حقك أن تصادر آراء الكثير من أبناء هذا الشعب من أجل موقف سياسي أو منصب أو جاه.