من الأرجح أن لا يكون ما بعد 29 ابريل مثل ما قبله، حيث سيمر الحراك الاجتماعي في البلد بمنعطف جديد يستدعى وقفة تأمل في نضال هذا الحراك، المجسد في شريحة لحراطين والتي أعتقد حد اليقين المطلق بعدالة قضيتها رغم اختلافي مع البعض
في تقيم مسارات هذا النضال ووسائله ، لكن الجديد هو خوفي على هذه القضية العادلة من المناضلين الجدد الذين تصدروا المشهد دون سابق إنذار ودون مسوغات معقولة تعلل أين كان هؤلاء قبل 8 سنوات بالضبط عندما دخلت موريتانيا منعرجا جديدا أتاح للجميع الدفاع عن القضايا العادلة بشكل أقل تكلفة..
اعتقد أن نضال الجميع خلال السنوات القليلة الماضية كل من موقعه وحسب قدرته حقق بعض الطموحات لكن الطريق طويلا خصوصا أن المعركة القادمة حسب رأيي معركة تغيير عقليات بعد أن يتم القضاء على الجيوب المتبقية من الممارسات التقليدية.
إن تحقيق المزيد من العدالة لصالح هذه الشريحة أمرا ملحا للدفع بها للوصول إلى المستوى الذي تستحق والذي هو حق لها دون منة، لكن الخطر القادم والذي ينبغي الانتباه له اليوم سيكون مصدره المناضلون الجدد الذين قرروا ركوب الموجة لتحقيق طموحات شخصية بهدف خلق طبقة جديدة تختطف امتيازات باسم هذه الشريحة..
إن الدولة الموريتانية باتت مطالبة بحمل لواء الملف لتوصله إلى بر الأمان بطريقة مأمونة.. نريد لـ #مأموريةـالحصاد أن تضع الموضوع على رأس الأولويات.. تجذيرا وتوسيعا للتميز الايجابي لأبناء هذه الشريحة، لكن لصالح الفقراء منهم أولا .. أبناء الأرياف في "أدوابة" وفي الأحياء الهشة بالمدن وليس لأولاد ميسوري هذه الشريحة أو أبناء رجال الإدارة أو الطبقة السياسية الذين تمكنوا من الوقوف على أرجلهم والمنافسة بكل كفاءة.. يجب العمل على خلق طبقة متوسطة بين أبناء "أدوابة" من خلال تيسير القروض الصغيرة والمتوسطة.. لا مضاعفة أموال رجال الأعمال ـ على قلتهم ـ من بين أبناء هذه الشريحة سيتحالفون مع نظرائهم ويذبوا داخل طبقته الثرية ـ حيث يسهل التسلل الاجتماعي ـ التي تحتكر لنفسها كل شيء.. لكن يجب أن لا يمنع هذا من حماية رجال أعمال هذه الشريحة من الغبن الذي يمارس من طرف تحالف الأثرياء لأسباب ربحية وتجارية خالصة لا علاقة لها بتراتبية الشرائح الاجتماعية كما يحاول البعض أن يوهمنا.
إن تجديد الطبقة السياسية ينبغي أن يراعي الظروف الخاصة لأبناء هذه الشريحة في الأرياف وفي أحياء الصفيح والعشوائيات.. يجب أن تتم حمايتهم من الأفاقين العشائين بالتحايل، الذين يصعدون بأصواتها خلال المواسم الانتخابية، وتجب مساعدتهم بأمانة على اختيار من سيخدمهم حقا، والتشاور معهم فيمن يجب أن يقودهم حتى لا يتم استغلال انتشار الفقر والجهل بينهم وهذا ما اعتبر أنه مهمة الأحزاب بالدرجة الأولى.. لكن على الدولة أن تراقب الأمر عن كثب منعا للانحراف..
لا أعتقد أن غالبية من يتصدر المشهد اليوم، أحس يوما بمعاناة هذه الشريحة، في جلهم أبناء ذوات بصفة أو بأخرى، قلة من بينهم عاشت الفقر أو ودعته منذ عقود.. يمكنك أن تكشفهم من خلال الطريقة التي يتحدثون بها، من خلال أصدقائهم، من خلال الطريقة التي يعيشون بها.. لم يعد يربطهم بهذه الشريحة أكثر من كلمات تمكن من ابتزاز النظام.. الأحزاب.. المثقفون .. جلهم شرب من ذات الكأس التي شكلت الطبقة السياسية التي نريد تغيرها.. ماذا نتوقع من هؤلاء أكثر مما يقوم به رفاقهم داخل الطيف السياسي الوطني.؟
على الدولة التسريع بتحقيق العدالة للجميع واعتقد هنا أن هذا هو الضمان الوحيد الذي سيضع هذه الشريحة في مكانتها الطبيعية.. يجب أن تعمل الدولة جاهدة دون ظلم على قطع الطريق أمام تشكيل طبقة جديدة همها تحقيق مصالحها الشخصية باسم أبناء هذه الشريحة مما يشكل خطرا على الاستقرار الاجتماعي.
إن تطوير وظيفة " كبير الخدم" الذي نصب نفسه هذه الـمرة بطريقة تتماشى والمتغيرات الجديدة، لو مكن ظاهريا من تشكيل طبقة قائمة داخل الشريحة تدعى تمثيلها والدفاع عن مصالحها لا يمكن أن يمثل حلا، لن يكون أكثر من مهدئ، سكون "السيد" كبير الخدم أول الضحايا والأسوأ مصيرا عندما تنفلت الأمور من عقالها.. على الطبقة الميسورة أن تفهم أنها الخاسر الأول وعليها أن تعمل جاهدة للتخفيف من جشعها حتى لا ينهار السوق فتخسر كل شيء.. على العدد الوافر من فقراء مختلف الشرائح الاجتماعية أن يفكوا الارتباط مع من لا يحس معاناتهم.. موقعهم الطبيعي مع الفئات التي تشاركهم شظف العيش.
علي الجميع أن يدرك أن مستقبل أبنائه وأحفاده أمانة في عنقه وعليه أن يعمل على تقوية اللحمة الاجتماعية بدل تحقيق مصالح مالية تافهة قد يجرفها التيار في أي لحظة.
لقد آن الآوان أن يكون الموقع الاجتماعي الذي يحتله الفرد داخل المجتمع مبني على أساس فائدته على المجتمع ..تكريسا للدولة المدنية التي تسع الجميع بلا عقد ولا غبن.