الصحافة في بلادنا حين تتراجع الديمقراطية؟ هل تتقدم/ الحاج ولد المصطفي

منظمة "فريدوم هاوس" الدولية غير الحكومية  صنفت دول العالم إلي ثلاث مجموعات:-دول حرة و دول حرة جزئيا ودول غير حرة. وتصدرت موريتانيا قائمة الدول العربية باحتلالها المرتبة 95 ضمن الدول الحرة جزئيا،

 وتلتها تونس ولبنان والجزائر والكويت،بينما تم إدراج بقية الدول العربية في خانة الدول غير الحرة ..هذا الأجراء يأتي متزامنا العيد الدولي للصحافة ، وفي وقت تشهد فيه البلاد أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية  وانتخابات رآسية  حاسمة في مسار الإنقلاب الحاكم للبلاد..فهل مناخ الحرية: طبيعي أم استثنائي ؟ وماعلاقة حرية الصحافة بأدائها ؟ وهل يمكن لصحافتنا "الحرة: أن تمارس أدوارا جدية في التعاطي مع القضايا الوطنية ؟أم أن حريتها محكومة بتصرفات القائمين عليها ؟ وهل يعكس تصنيف بلادنا مفارقة إعلامية ؟
من الوارد هنا الاعتراف للسلطة القائمة بأنها حققت للإعلام السمعي والبصري إنجازات هامة،مكنت البلاد من امتلاك وسائل إعلام "حرة" مرئية مسموعة (إذاعات وتلفزيونات) وسمحت بالتعبير عن الآراء في بعض تلك الوسائل ..ودعمت ماديا ولوجستيا قطاع الصحافة الحرة وأنشأت لها هيئة مشرفة أكثر جدية وموضوعية من ذي قبل  .لكن السؤال المطروح هو: لماذا يتراجع الأداء السياسي وتتفاقم الأزمات الاقتصادية الاجتماعية ويبقي مناخ الصحافة حرا؟ وبعبارة أخري: مالذي يجعل الصحافة في بلادنا تتقدم عندما تتراجع الديمقراطية؟
العلاقة بين الديمقراطية والصحافة كالعلاقة بين الأم وأبنتها، فالصحافة هي السلطة الرابعة من منظور ديمقراطي وهي ركن أساسي في تنمية الدولة وتعزيز الديمقراطية ،ومن الواضح أن الأنظمة العسكرية نجحت في توظيف الصحافة الوطنية توظيفات مختلفة ،جعلت منها وسيلة ناجعة لتمرير خطابها وتبرير ممارستها حتى  تبدوا "للآخر" رائدة ومقبولة دوليا .
وإذا عدنا إلي تصنيف المنظمة الدولية لوجدنا أن موريتانيا والجزائر تتقدمان علي بقية الدول العربية مع أن الدولتان يحكمها العسكر منذ عشرات السنين ..وليس هذا فحسب ..لكن الأمر يتعلق بالنسبة لموريتانيا بقطاع الصحافة نفسه .!
إن ما لاتعرفه منظمة"فريدوم هاوس" هو مايلي:
1-  أنه لا يوجد في موريتانيا – حتى وقت قريب- معهد أو مدرسة أ جامعة للصحافة.
2- أن أغلب العاملين في حفل الصحافة الوطنية هم عاطلون عن العمل أجبرتهم الظروف (قهرا لا طوعا )علي امتهان العمل الصحفي دون أن تكون لديهم دراية به أ معرفة أو حتى رغبة في مزاولته.
3- أن الأنظمة العسكرية المتعاقبة علي الحكم وجدت في تلك الظروف ضالتها المنشودة ،وأخذت توظفها في اتجاه خلق وعي معكوس، يسعي لتبرير ممارسة القادة العسكريين والضغط علي المعارضين (نتذكر هنا صحافة التلفزيون الوطني الإذاعة الرسمية)..
3- أن كبار الإعلاميين الوطنيين هجروا البلاد وفضلوا العمل في مؤسسات مهنية وإعلامية حرة كالجزيرة وغيرها
4- أن تشجيع النظام للصحافة وفتحه للقنوات مرتبط بطبيعة القائمين عليها والمؤثرين في توجهاتها (90% من الإذاعات والقنوات والمواقع مملوكة للنظام وأنصاره)
5- أن المؤسسات الإعلامية وأفراد الصحافة الذين يعوفهم الجميع بالمهنية يتعرضون للمضايقة باستمرار ولا تفتح لهم الأبواب مع بقية الصحفيين (حوارات الرئيس ومقابلات الوزراء).
6- أن طبيعة الإنسان الموريتاني مختلفة عن غيره من إخوته العرب والأفارقة فهو إنسان حر بطبعه ،متمرد علي بيئته، كثير النقد لغيره..وقد لاحظ العلامة محمد الحسن ولد الددو (في محاضرة له عن تاريخ البلاد) أن الأنظمة السياسية التي حكمت البلاد كثيرا ما تصطدم بتلك الطبيعة البدوية للإنسان الموريتاني وتعجز عن تطويعها ...
إن الصحافة الموريتانية المصنفة أولي عربيا - فيما تتمتع به من مناخ للحرية – مطالبة والحالة هذه  أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه . وأن تمارس السلطة الممنوحة لها في الأعراف الديمقراطية، وأن تنحاز لهموم المواطن وتطلعاته نحو عدالة حقيقة ،وممارسة ديمقراطية واعية ..لكن صحافتنا لن تتمكن من ذلك إلا بعد أن تحل الوعي والمهنية والمعرفة محل الجهل و التسول والتحيز والتزييف وغيرها من مفردات التملق والنفاق للحكام مهما كان فسادهم وطغيانهم.

4. مايو 2014 - 13:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا