بعد أن أكدت عصاميتها وأثبتت للآخرين قدرتها على التكيف، بدأت تبحث عن من يرعاها ويحن عليها فلم تكن محتاجة لأكثر من العناية. لقد ورثت مالا وافرا، ذهبا، أنعاما .... وأرضا شاسعة تستطيع استغلالها في الزراعة والصناعة .
تزوجت برجل بذل الكثير في سبيل إسعادها، وربما اقترب من ذلك فرزقوا أبناء، البعض كان بارا والبعض كان على العكس من ذلك ، إلا أن حكمة الزوج وحنكته استطاعت أن تجعل من الأسرة جسما واحدا يستفيد من خيراتها المتنوعة ويستغلها استغلالا أمثل، فيرفل جميع الأفراد في خضم عش الزوجية هذا بالتآخي والسكينة، نظرا لهيبة الرجل واستقامته . مع أن أفراد الأسرة أنذاك لم يكونوا كثيرين، وكانت حاجياتهم بسيطة، ولعل ذلك من حسن حظه .
ونظرا لغيرته الشديدة على زوجه اصطدم بجارتها وذلك إثر تبنيه خيارا استراتيجيا رأى ضرورة اتخاذه، ليؤدي ذلك إلى فراق الرجل لأم أبنائه لا إراديا. ويحل محله آخر من أفراد العائلة أكثر ميولا للهدوء وإخماد نار الفتنة. لكن بعض الأبناء لم يشعروا بالحنان والدفء في ظل الأب الجديد، فعمدوا إلى تفكيك الأسرة، ليفاجئوا بخطيب جديد، فباركوا الخطوبة ! وأقيم حفل الزفاف على الطريقة التقليدية... مدافع، وإطلاق نار كثيف ...وقد كان من ضمن الحاضرين رجل طويل القامة أصفر اللون ،كان على مقربة من الحفل ،معروف لدى الحاضرين بقوته وصرامته، كان مهتما أكثر من غيره وقد جسد ذلك الاهتمام لاحقا، حيث أن الفتاة استمالته بحسنها وجمالها الساحر، فقام بفسخ العقد بإرادته المنفردة، وبدعم من أعوانه المقربين... فكان له ما أراد، وقد تم ذلك بعد إقناع الفتاة بجديته في تحقيق مأربها الشخصية!!والمتمثلة في تسيير أملاكها، تسييرا معقلنا، وضبط أبنائها على نحو يسمح لهم بالتعايش معا، تحت نفس السقف... فعاشت حياة مستقرة في كنفه ، فشعرت بالهدوء والسكينة في ظل الزوج القوي الأمين!
إن الهدوء الأسري الذي ساد، جعل رب البيت يتجاهل أو يقلل من شأن أبناء عمومته، وعدم إمكانيتهم منافسته، كما أنه نسي مفاتن أم البنات والبنين، وأطماع الآخرين فيها ليباغت من الداخل، من طرف أحد أفراد أسرته المقربين بفسخ قرانه غيابيا، سالكا مسلك فسخ العقود الذي كرسه أزواجها السابقون!!!!
الفتاة ما زالت في نضارتها رغم تعدد أبنائها وتنوعهم، مع كل ذلك تحافظ على جمالها وحسنها! وأقيمت نفس الطقوس، فسمع إطلاق النار، وأشرف الأبناء على الحدث، وباركوا لأبيهم الجديد، وتمنوا له فترة أطول، مليئة بالهدوء .
ولعل دعوتهم استجابت، فقد استمرت حياته في هناء ورخاء، استغل مال الفتاة وكنوزها، وكل ما تملك من أشياء ثمينة، ولكنه أشرك معه الأبناء ،الذين أصبحوا شيوخا، خلافا للأم التي ما زالت في مقتبل الشباب! فتقاسم الجميع خيرات هذه الفتاة المسكينة، فهي بطبيعتها كريمة ،إلا أنها مكرهة على أن تنفق ما تملك مقابل جو الأمن والسكينة ولو إلى حين.
استطاع الزوج الذكي بهذه الطريقة إحكام سيطرته عليها، ولم يزل كذلك حتى شعر بالخطر من طرف الأبناء، فقد تعودوا أن تزف والدتهم كل فترة. الأمر الذي اكتشفه الأب، فقرر أن ينظم زفافا كل ست سنوات، ليجعل الأبناء في جو من الحماس والحيوية والترفيه ينعمون ويتبجحون به على نظرائهم في الجوار. ولكن هذه المرة بهدوء بعيدا عن أصوات المدافع وإطلاق النار، مع العلم أن الزفاف مع نفس الزوج السابق لكن بملابس مختلفة.
استمر الأمر هكذا وتطاول بعض الأبناء البررة المقربين في البنيان تحت رعاية الأب الملهم، ويبدو أن فترة النقاهة هذه قد طالت، إذ شعرت الفتاة بالرتابة والملل فتجملت، وبدأت تتنكر شيئا فشيئا محاولة هي بنفسها إنهاء العقد، مستحضرة زمن الصبا، وإطلاق النار، وصوت المدافع، فقد تمت محاولة تخليصها بأعجوبة من طرف أحد أبنائها، لكن بدون جدوى. ولعل لعمر الزوج بقية...
ولكن إنهاك زوج الفتاة وتنكر الأبناء له أدى بهم لإبرام عقد مع رجل جديد ناضج في المطبخ الأسري، ليتخلى لاحقا ووفق إرادته عنها، لتزف بزواج متعة لناسك متعبد أرغم على التعفف عنها. ليحل محله رجل يريد إنصاف المحرومين والمهمشين من أبناء هذه الفتاة الطامحة للتغيير نحو الأفضل. ولا يزال ثامن الأزواج يخطوا خطا حثيثة نحو تحقيق أهدافه ،ولا تزال الفتاة تطالب بالمزيد...