لطالما قلنا إن الأنظمة العسكرية المتعاقبة على حكم موريتانيا جبانة إلى أقصى الحدود ، خاصة عندما يتعلق الأمر بتحرك للمواطنين ، ويمكن أن نعطي مثالا أو أمثلة بسيطة على ذلك، فإبان المسيرة التي انطلقت على إثر حادثة تمزيق المصحف الشريف (الغامضة)
- والتي شم النظام فيها رائحة ثورة شعبية من نوع ما – تعامل معها بشتى أنواع القسوة مما نتج عنه سقوط ضحية تمت التغطية على ملابساتها كعادة الأنظمة العسكرية دائما وليست حادثة قمع مسيرة العائدين إلا أحدث مثالا على تلك الهمجية والضعف.
تاريخ موريتانيا يلف في طياته أكبر قضيتين إجتماعيتين تثيران في هذا الوقت بالذات إشكالا لا يبدو أن النظام الإنقلابي الحاكم على استعداد للتعامل معه، وتعتبر إحداهما من صنع الأنظمة العسكرية نفسها في حين لم يسعوا لحل المعضلة الأخرى والتي لا تقل أهمية عن الأولى. هتين المشكلتين تتمثلان في (قضية العبودية وقضية لحراطين من ورائها، والثانية مأساة المبعدين الناجمة عن أحداث 1989 المؤلمة).
في ال 29 إبريل الماضي خرجت مسيرة تطالب بالحقوق السياسية والإجتماعية لشريحة "لحراطين" وهي المسيرة التي سعى النظام كثيرا لإفشالها عبر إرسال رجالات من " لحراطين" للتفاهم مع منظمي المسيرة وهو ما فشلوا فيه بطبيعة الحال، إلا أن تعاطي النظام الخبيث مع المسيرة – خاصة بجانب الأسواق- يظهر نية مبيتة ، إذ كان النظام يسعى لإحداث أضرار في الأسواق من خلال عدم تأمينها حتى يقال انظروا ، إنهم مجرد مجموعة من المخربين اعتدوا على ممتلكات المواطنين ليس إلا، وعلى كل حال لقد خيبت المسيرة ظنهم.
ذكرت آنفا أن هناك قضيتين رئيسيتين إحداهما العبودية والتي لست بصدد الحديث عنها الآن، أما الثانية فهي قضية المبعدين والتي سأتحدث فقط عن قمع النظام للمسيرة التي نظموها يوم أمس في "كرفور مدريد".
لما خضع النظام العسكري لإرادة المجتمع الدولي وأعاد الموريتانيين المهجرين قسرا إلى السنغال أرفق ذلك بإحتفالات كرنفالية ليغطي على امتعاضه وعنصريه لهذ الحدث من ناحية ومن ناحية ثانية فإنه أراد استدرار الكثير من الأموال لتذهب كما هو معروف إلى جيوب المفسدين كالعادة، عاد المبعدون إذا و أعطيت لكل واحد منهم بقرات وشياه من الأغنام و أسكنوا في مخيمات لا تغطي أبسط مقومات الحياة ووعدوا بتلبية كل حاجياتهم لكنها للأسف لم تكن سوى مواعيد عرقوب بعينها.
إبان التهجير العنصري القسري الذي عقب أحداث 1989 تم تهجير مواطنون يعملون في الوظيفة العمومية ، ناهيك عن أولائك الذين نهبت أموالهم وكل شيء يملكونه. ولما كان النظام قد وعدهم بكافة حقوقهم فإنهم يسعون الآن من خلال المسيرة يوم أمس (الأحد) إلى استرداد كل الحقوق التي نزعت منهم و إعادتهم إلى وظائفهم التي فصلوا منها قهرا.
خرجت مسيرة العائدين إذا وقطعت هذه المسافة الطويلة (حوالى 400 كلم) سيرا على الأقدام تطالب بحقوق مشروعة لهم كموريتانيين ظلموا في فترة من الفترات، ظانين أن النظام العسكري سيلبي تلك الحقوق، إنها فقط تصحيح الأوراق المدنية وحق التشغيل وتصحيح وضعيات الموظفين المفصولين، لكن الشرطة والقنابل المسيلة للدموع كانت بإستقبالهم بعد أن عجزت عن ثنيهم للعودة من حيث أتو، هذا التعامل الفج ينم عن ضعف وعنصرية من النظام العسكري تجاه قضية ستظل تنخر جسد الدولة الموريتانية إذا لم يوجد لها حل وافي وسريع، ولكن يبدو أن هذ التعامل لا ينم عن سعي لحل إحدى أكبر المشاكل التي تعانيها موريتانيا وستظل قضيتا العبودية ولحراطين من ورائها و أحداث 1989 والمبعدين من ورائها تشكلان ثنائيين خطيرين على مستقبل يبدو قاتما ما لم تسويان بالشكل المطلوب بعيدا عن التعامل الإرتجالي الذي يؤجل المشكلة ولا يحلها.