درج الساسة و المراقبون في موريتانيا على تكرار أغنية فشل التعليم وتراجيديا اليأس من إصلاحه ولو بعد حين،واعتبروا أن لعنة التاريخ والجغرافيا إضافة الى تداعيات السياسات الإرتجالية للأنظمة العسكرية المتعاقبة على البلد كلها
عوامل جذرت نظرية الفشل تلك،ففي الوقت الذي الذي تجود فيه المؤسسات التعليمية الموريتانية بمعطلين ضحايا من حملة الشهادات التي لاتتناسب مع متطلبات سوق لم يوجد أصل ولا مع مؤهلات معظم حامليها تتعالى الأصوات المطالبة بإنقاذ التعليم عبر العمل علي تنفيذ جملة من السياسات المدروسة والمبنية على رؤية تشاورية واضحة،ولكن المشكلة لا تكمن في مخرجات التعليم بقدرما تكمن في إنعدام الإرادة السياسية لدى القائمين على شأن البلد منذ انقلاب 1978 و حتى اليوم،فهل يعاني التعليم من خلل يمكن إصلاحه أم أن استهتار الأنظمة السياسة المتعاقبة كرس عملية إفشال متعمدة لهذا القطاع الحيوي صعبت إنتشاله من درن الضياع؟
فمنذ انقلاب 1979 دخلت الدولة الموريتانية اولى حلقات الإفشال المزمن نتيجة التغاضي عن خطورة الاصلاح البنوي الذي نتج عنه فساد وهشاشة البنى التي شكلت ركائز الدولة الناشئة ،وذالك نتيجة عوامل مختلفة منها طبيعة النظام القبلى الأرعن الذي ظل الى يومنا هذا بديل الدولة ومهندس هيكلها بمعنى أن القاسم المشترك بين مختلف الأنظمة المتعاقبة كان الشبح القبلى المتحكم في رسم السياسات ووضع الخطط المتعلقة بقطاع التربية والتعليم،فالخريطة المدرسية ترسم تبعا لأهواء الوجهاء وشيوخ القبائل من مختلف الخلفيات والشرائح والأعراق المكونة لنسيج موريتانيا شأنه فى ذالك شأن التقري العشوائي الذي يترتب عليه تمدرس عشوائي يعتمد على الكم بدل الكيف....
وتقف المنظومة القبلية الزبونية حجر عثرة أمام النهوض بالتعليم وبالتالى النهوض ببلد يتوقف مصيره على تحسين مخرجات السبورة والطبشور،والتوقف عن بيع التجاوز الى القسم الأعلى بثمن بخس دراهم معدودة يقبضها مدرس لا يستخق من مشترى لايملك،ورغم ذالك يمكن اصلاح التعليم بسهولة إذا توقفنا عن الشهور بذنب الفشل وأصلحنا الخلل الواضح والفاضح وأعترفنا بخطأ التقصير حكومة وشعبا في حق أجيال ضائعة بين قرارات الفرنسة والتعريب النابعة من فلسفة صبيانية آنية يقرها هذا النظام أو ذاك دون التفكير بتداعياتها على أجيال المستقبل.
و من الخطر والخطأ تحميل مسؤولية خلل تعليمنا لنظام معين دون غيره، فإرهاصات الإختلال بدأت في عهد الأب المؤسس للدولة وأستمرت الى لحظة كتابة هذه السطور،ولكن القضية لا تكمن في تحديد من يتحمل الخطأ بل في تصحيح الخطأ وعدم تعمد الوقوع في مجددا....والكارثة تكمن في زواج المتعة بين الدولة والقبيلة ومخرجاته غير الشرعية من جهل وتخلف وإفشال متعمد لدولة يمكن أن تفوق أمريكا إن تم إصلاح تعليمها بطريقة تراعى الخصوصية الثقافية والعرقية والشرائحية لشعب أرض الملثمين.....
سبب مانعانيه من مشاكل عرقية وشرائحية يحركها المخلصون والتجارهو الخلل الفاضح لتعليم مختلف على مضمونه ومخرجه ويتربص به البعض الدوائر فإن ديل له على خصمه رسم لنفسه خطة لإنقاذ التعليم تكون نتائجها عكسية وكارثية،ما ذنب جيوش من حملة الشهادات العاطلين والمعطلين وجدوا أنفسهم ضحايا تعليم لا يسمن ولا يغني من جوع وطن منهك القوى،مستنزف الثروات،مختطف من قبل زمرة لصوص المال العام وبائعي صكوك الغفران...
بإختصار لايوجد تعليم فاشل في موريتانيا بدليل أن القطاع لازال يجود بالنزر من جهابذة العلماء والمفكرين والطلاب المتميزين من مختلف خلفيات الطيف الديمغرافي الوطني.....القضية تكمن في إختلال يمكن إصلاحه إذا توفرالدافع والإرادة وتحلى صناع القرار بالصدق ولإخلاص لوطن لن يتقدم إلا بجهد الجميع دون استثناء وإزاحة التدخل القبلى ووضع حد لتغول شيوخ القبائل وجعل القبيلة وسيلة تعارف لا بديلا عن الدولة...لا يوجد تعليم فاشل بل ساسة فاشلون مختلون متخاذلون همهم ملأ البطون والإشتغال بالنظر بين العطفين بدل الإستثمار في التعليم والإيمان بحق المواطن في الدرجة العلمية المتناسبة مع مستقبل مهني محترم....
يتدهور التعليم يوما بعد يوم لأن هوة الخلل تتسع والأولوية للسياسة بدل العلم والحكم هدف في ذاته وليذهب التعليم الي الجحيم،تعجز مؤسساتنا عن تغطية النقص في التخصصات العلمية البحتة لأن المدرس معقد منهار يعتاش على ما يجود به خشاش البنك من دين يسبق بالمن ويعقب بالأذي ف90 في المائة من الأساتذة والمدرسين رهائن لدى البنوك بسبب ضيق ذات اليد وانعدام النصير،فهل نتوقع من مدرس جائع تقديم الأحسن؟ ومعظم المدرسين لا يحسن اللغة التي تكون بها ولا التي يستخدمها في الفصل لإصال رسالته المعرفية....