بعد فشل الحوار، وبعد إعلان المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة عن مقاطعته لانتخابات 21 يونيو، فقد أصبح من اللازم أن نبحث عن إجابة للسؤال الكبير الذي لابد أن يطرح وبشكل فوري بعد الإعلان عن قرار مقاطعة انتخابات 21 يونيو: وماذا بعد؟
حسب اعتقادي الشخصي فإن الإجابة على هذا السؤال الكبير يجب أن تأخذ في عين الاعتبار عدة أمور لعل من أبرزها:
1 ـ العلاقات الداخلية بين الأقطاب المشكلة للمنتدى: يمكن القول بأن نقطة قوة المنتدى تكمن في تمكنه من جمع عدة أقطاب ما كان لها أن تجتمع في حلف أو في كتلة سياسية واحدة ( أحزاب سياسية، نقابات، منظمات مجتمع مدني، شخصيات مستقلة وازنة..)، ولكن نقطة القوة هذه قد تتحول إلى نقطة ضعف تهدد مستقبل المنتدى إذا لم يجد كل قطب من تلك الأقطاب أن هذا الكيان الجديد سيساعده في تحقيق ما يسعى إليه من أهداف.
إن ترسيخ الديمقراطية، وبناء دولة المؤسسات، وتعزيز الوحدة الوطنية هي أهداف أساسية ورئيسية لكل الأقطاب المشكلة للمنتدى، لا شك في ذلك، ولكن لكل قطب من تلك الأقطاب أساليبه وطرقه في تحقيق تلك الأهداف. فالأحزاب السياسية تركز على العمل السياسي لتحقيق تلك الأهداف، والنقابات تركز على العمال وعلى حقوقهم، ومنظمات المجتمع المدني قد يكون تركيزها على القضايا الحقوقية أكبر، ومن المؤكد أن الاهتمام بكل تلك المجالات مجتمعة هو ضرورة لابد منها لبناء دولة قانون ومؤسسات، ولذلك فقد تخصص كل قطب من تلك الأقطاب في مجال خاص به، ولذلك أيضا فإنه من المهم جدا أن تجد منظمات المجتمع المدني دعما وسندا لها في القضايا التي تهتم بها من طرف الأحزاب السياسية والنقابات، وأن تجد في المقابل النقابات دعما من طرف الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في نضالها العمالي، وأن تجد كذلك الأحزاب السياسية دعما من النقابات ومنظمات المجتمع في مجال نضالها السياسي، والذي سيكون عنوانه الرئيسي في المرحلة القادمة هو المقاطعة وتفعيلها.
إنه من الضروري جدا أن توضع آليات تمكن كل قطب من أن يجد دعما من الأقطاب الأخرى في مجال نضاله، وذلك هو ما سيضمن تماسك أقطاب المنتدى، وهو ما سيمكن تلك الأقطاب من أن تواصل نضالها مجتمعة، وبنفس طويل، ويمكن لقطب الشخصيات المستقلة أن يلعب الدور الأبرز في وضع تلك الآليات وذلك بوصفه هو القطب الوحيد الذي لا يملك اهتمامات خاصة تميزه عن بقية الأقطاب.
إن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة أصبح اليوم يملك ثقلا سياسيا كبيرا، ولا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال، ولن يكون لهذه الانتخابات التي ستنظم بغيابه أي أهمية سياسية تذكر إذا ما ظل المنتدى متماسكا ورافضا لها، ولذلك فإن العمل الأهم يجب أن يتركز الآن على وضع آليات تزيد من تماسك الأقطاب المكونة للمنتدى، وتمكنها من الاستمرار في النضال، وبنفس طويل.
2 ـ المنتدى والرأي العام الدولي: لم يعد الوقتُ مناسبا للتعامل مع السفارات الأجنبية في موريتانيا بحياء، وعلى المنتدى أن يخاطب هذه السفارات بلغة صريحة وواضحة وقوية، وبأنه لن يقبل منها تزكية انتخابات 21 يونيو إن تم تنظيمها، ولن يقف مكتوف الأيادي إن زكتها كما زكت انتخابات 23 من نوفمبر والتي كاد الطيف السياسي أن يُجمع على أنها كانت من أسوأ الانتخابات التي عرفتها موريتانيا في العقدين الأخيرين.
على المنتدى أن يُشعر السفارات الأجنبية في موريتانيا بخطورة ما تقوم به من تشويه للديمقراطية في موريتانيا، وبأن ما تقوم به سيسيء مستقبلا على علاقة دولها مع الشعب الموريتاني، وبأن مثل تلك المواقف قد تسبب في ارتفاع مستوى الكراهية لدى النخب الموريتانية للحكومات الغربية التي تعمل على تشويه الديمقراطية في موريتانيا من خلال وقوفها مع السلطة وتزكيتها لانتخابات غير شفافة وغير توافقية مقابل مصالح آنية.
على المنتدى أن يكتب ويسلم رسائل تحذير لتلك السفارات، وأن يكتبها بلغة صريحة وقوية وأن يوقعها باسم كل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة المشكلة للمنتدى، بل إنه يمكن أن يضيف لها توقيعات من خارج المجلس الوطني للمنتدى.
وفي هذا الإطار أيضا، فإنه على المنتدى أن يفتح قنوات اتصال بالموريتانيين في الخارج، خاصة منهم أولئك الذين يقيمون في الدول الغربية، فهؤلاء يمكن أن يلعبوا دورا مهما في هذا المجال، ويمكن أن تتم الاستفادة هنا من تجربة تنظيم أو حركة "من أجل موريتانيا" وهي الحركة التي قدمت دعما كبيرا للجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية بعد انقلاب 6 أغسطس 2008.
3 ـ المنتدى والشباب: لقد قصر المنتدى خلال انطلاقه في استقطاب الشباب الموريتاني، وعليه أن يتلافى ذلك في المرحلة القادمة. وأقترح هنا أن يتم تشكيل منتدى شبابي مستقل، ولكن يعمل بالموازاة مع المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة. ويمكن أن يتشكل هذا المنتدى الشبابي بنفس الطريقة التي تشكل بها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، أي أن يتشكل من المنظمات الشبابية للأحزاب السياسية المنخرطة في المنتدى، وكذلك من الحركات الشبابية المستقلة بالإضافة إلى بعض الشباب المستقل الوازن.
4 ـ المنتدى والرأي العام الوطني : لابد من الاهتمام بالجانب الإعلامي في المرحلة القادمة، ولابد أيضا من تغيير الخطاب، فالصراع اليوم لم يعد صراعا سياسيا بين معارضة وموالاة، فلو كان الأمر كذلك لما انخرطت منظمات ونقابات وشخصيات غير سياسية في هذا الصراع.
الصراع اليوم هو بين سلطة حاكمة وكل موريتاني يخاف على مصير بلده، ويطمح إلى ديمقراطية حقيقية، ويشعر بأن موريتانيا مهددة في كيانها إذا ما ظلت ـ ولخمس سنوات قادمة ـ تحكم بنفس الطريقة والأساليب التي تحكم بها الآن.
ـــــــــــــــــ
* يوم 21 يونيو هو أطول أيام السنة، وفيه تحدث ظاهرة الانقلاب الصيفي، والتي تشكل واحدة من أربع ظواهر فلكية ذات علاقة وثيقة بفصول السنة الأربعة. لقد تم اختيار يوم انقلابي (فلكيا) لانتخابات 21 يونيو...يبدو أن حظوظنا قوية في الانقلابات العسكرية والفلكية والانتخابية.
حفظ الله موريتانيا.