في كل مرة أمر من أمام أو من خلف القصر الرمادي، أتذكر قصة المأمون مع أحد العامة، لما رآه يكتب على جدران أحد قصوره، فأمر الحراس بأن يعرفوا ما كتب ويحضروه إليه. وكانت بينهما القصة المشهورة المدونة في كتب التاريخ.
تري هل من وقت لرئيس الآن أو قائد لا أن ينظر من حواشي جدران القصر، بل فقط ليقرأ كلمات ناصحة، قليلة، لا يريد صاحبها منفعة مادية خاصة، بل كل ما يشغله هو هذا التهافت الذي يدوس علي مصير هذا الشعب ويجعل مستقبله على كف عفريت.
السيد الرئيس
السلام عليكم ورحمة الله
لقد انتخبت الآن لرئاسة الجمهورية وبأغلبية الأصوات المعبر عنها من الموريتانيين. من المفترض أن تطلع على الوضع في البلد. وأن تضع الأولويات الجديدة، مع خطة واضحة المعالم، معروفة الأهداف، وضمن آجال زمنية محددة.
السيد الرئيس
إنني من الميالين للأخذ بالمثل الانكليزي الذي يعتبر أن الملك لا يخطئ وأن فعله كله خير.وإن كان ثمة خطأ فتتحمله الحكومة أو الوزير الأول أو من يتولي المسئولية المباشرة، هذا بالنسبة للشعب الانكليزي ذي التقاليد العتيدة. أما نحن فنخلط الكثير من الأمور.ونعتبر أن الرئيس في كل شاردة وواردة. وبالطبع فالرئيس إنسان كمثلنا يأكل ويشرب وينسي، وربما يجعل ثقته في أناس لا يستحقونها. وهذه هي مربط الفرس.
السيد الرئيس
بحكم عملي عن كثب في العمل السياسي والإعلامي، فإنني أكاد أجزم أن المشكلة ليست البتة من الرئيس، إنما من الذين يحيطون بالرئيس، ومن آخرين دونهم. والمشكلة كذلك من الأحزاب السياسية والتي هي فاسدة وأهلها فاسدون، ولا يهمهم غير مصالح نفعية ضيقة آنية. والمشكلة من الصحافة فهي غير مهنية وبعيدة عن الموضوعية والتجرد. والمشكلة من القضاء فهو غير مستقل، ويحتاج اهله للخبرة والمراس حتي يتعلموا ممن سبقهم. والمشكلة من كثيرين غير مبالين يتفرجون وغير معنيين طبعا بمستقبل الامة والبلد.
السيد الرئيس
السياسة أو الإيالة في التعريف المعجمي هي التصدي لشؤون الجماعة بما يصلحها (وهذه تعلمها لاشك). فما لذي يحتاج للإصلاح ويغيب عن ذهن الرئيس! ربما هي في ذهنك، سيدي، لكن احرص على أن تولي الأشخاص ذوي الكفاءة والجديرين بالثقة. وأسمح هنا أن أذكرك بحدثين مهمين ادخلهما الرئيس محمد ولد عبد العزيز، أولاهما لقاء الشعب والثاني لقاء الشباب.
ففي الاولي تحول اللقاء من لقاء للشعب إلى لقاء مع الصحافة.ويتزاحم الصحفيون بغثهم وسمينهم على التحكم في اللقاء كما أن الامر يخصهم وحدهم. وقد استغربت كيف يمر على سيادة الرئيس أن الامر لا يعني الصحافة أكثر من تغطيتها له لا غير؛ فهو موجه للشعب وكان من الاجدي لو تمكن ممثلون من القري والارياف وآدوابة ولكصور من الحضور لهذا للقاء الهام، وطرح مشاكلهم وتظلماتهم في حديث عفوي مع الرئيس.
والثاني كان لقاء الشباب.ففي هذا الحدث غير المسبوق فكرة وتنظيما. سيطر أشخاص غير معروفين للجمهور على الامر وساقوه كما يشاؤون، وأفرغوه من محتواه. إنني متأكد أن المشاريع والفكر التي ذكرت مهمة لبناء مستقبل موريتانيا ومتأكد كذلك أنها لو وصلت إلى السيد الرئيس لكنت من الحاضرين. لكن كما قلت سابقا، هناك أشخاص لا يهم ما يهم الرئيس، ولا تهمهم الأفكار ولا المشاريع. ما يهمهم فقط هو مصالحهم الشخصية، وإعطاء الانطباع أنهم مع الرئيس ومع برنامجه، في حين أنهم يتغامزون خلسة، فهم ملتهون وغير جادين.
السيد الرئيس
لا ابغي الاطالة، ما تحتاجه موريتانيا هما أمران هامان: الاستقرار والتنمية. وللاستقرار يلزم بنية سياسية صلبة لا تـتأتي إلا من خلال المأسسة الحزبية. ففي هذه انصح، سيدي، بأن يفرض دستوريا على أن لا تتجاوز الاحزاب السياسية ثلاث إلى أربعة أحزاب، ربما كثيرون يغيظهم هذا، لكن مصلحة البلاد أهم. والركن الثاني التنمية، وأقصد بأن توضع خطة تنمية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التجمعات المعروفة آدوابة، فتوصل كلها بالماء والكهرباء وتأخذ نصيبها من التعليم والصحة. إن هذا الامر يسحب البساط من كثيرين يذرفون دموع التماسيح على ما يعرف بمشكل "لحراطين". إنني اعرف الكثير من هذه الاماكن. ولقد تربيت في أحضان هذه التجمعات، فبفضل سخاء هؤلاء كنت ارتوي غدوا ورواحا، ولا يسألون الناس، إنما الناس هم السائلون. وحين الانتخاب ودوران عجلة السياسة، يتطاير محترفو السياسة، فيتذكرون هذه الأماكن. إنهم هناك في الحر والقيظ، يجاهدون بسواعدهم لينالوا كريم المأكل، وقلوبهم طيبة وصبورة لا تحمل حقدا ولا ضغينة.وهنا في نواكشوط، كثيرون يتشدقون لحاجة في أنفسهم، غير حاجة آدوابة وساكنيها.
السيد الرئيس
هذه باختصار هي كلمتي، أحببت أن ألقي إليك بها. وتمنياتي لك بالتوفيق والنجاح. والسلام