مسيرة الحقوق .. الكنه والصدى والمنطوق / عثمان جدو

شهدت العاصمة انواكشوط يوم 29ابريل 2014حدثا  استثنائيا يجسد ترجمة جديدة لأحداث سابقة في أزمنة متعددة وبصورة موحدة وبتوافق يكاد يكون جامعا , وتمثل هذا الحدث في مسيرة أطلق عليها "مسيرة الحقوق" ..

 ومن المعروف أن الحقوق هي مجموعة الحريات المستحقة لكل شخص لمجرد كونه إنسان , بغض النظر عن اعتبارات اللون والعرق والمنبع والأصول ..إلخ
وتستند هذه الحقوق في مفهومها على الإقرار بأن جميع البشر لهم من القيمة والكرامة الأصلية فيهم ما يجعلهم يستحقون التمتع بالحريات الأساسية , والتي لابد من توفيرها لهم إذا ما أردنا الحديث عن حقوق الإنسان , أو اعترفنا باشتراكية هذا الإنسان لنا في إنسانيتنا , فبدون هذه الحقوق لا يستطيع المرء التمتع بالأمن والأمان , ولا يمكنه أن يصبح قادرا على اتخاذ قراراته الشخصية التي تنظم حياته .
انطلقت مسيرة الحقوق وهدفها الواضح والمعلن هو المصالحة انطلاقا من المصارحة والاعتراف والتجاوز والتسامح  ... اختلفت القرارات وتعددت الرؤى وتباينت الردود ولكل مسوغاته التي يبرر بها نظرته إلى هذه المسيرة , مشرعا كان أو مانعا مزكيا أو رافضا ناقما أو منصفا , لم يخلو المشهد من ملاحظات كبرى كانت السمة العامة والطابع الأبرز لهذه المسيرة , التي اعتبرها البعض نتاجا وعصارة لما قبلها ويراهن جازما على أن لها ما بعدها , ولعل من الملاحظات والنقاط المسجلة على هامش هذه المسيرة ,تخلي جيلين كبيرين من دعاة الحقوق في هذه البلاد عنها . – الجيل الأول ممثلا في مسعود ولد بلخير ومن يدور في فلكه , ومن المعروف أن هذا الجيل يعد الجيل النضالي الأول في هذه الشريحة إضافة إلى بعض المشاركين طبعا ..!!
-الجيل الثاني هو جيل الحقوق الأخير من حيث الظهور والأكثر نشاطا ومشاكسة وتطرفا وهو جيل التمرد بامتياز (برام ورفاقه) وإن عارضه في ذلك أقرب القوم وأظهرهم ..!  مما يطرح عدة تساؤلات منها أولا –هل لأن الأول (مسعود ورفاقه) جيل دخل تحت النظام زيادة عن اللزوم حتى صارلا يشارك في ما يعكر صفوه وإن كان مطلبا عادلا؟ - وهل تأتي مقاطعة الجيل الثاني (إيرا و ما يتبعها) ورفضها لهذه المصالحة نظرا لقلة الخسائر واعتراضا على مستوى النضج الذي طبعها ؟ أم أن هذا الجيل يشترط للمصالحة وقودا بشريا بدافع الانتقام أو القصاص ؟ أم أنه يريد التفرد بالمصالحة وحمل لواء المشهد الحقوقي دون الغير بمقاسه وطرحه دون مقاس وطرح الآخرين؟
لقد نجح المنضوون تحت لواء الحراك المغذي لهذه المسيرة في جلب واستقطاب مؤيدين من خارج الشريحة الحاملة للواء القضية , والتي تعتبر نفسها المتضرر الأكبر والمهمش الأبرز, فسار إلى جانبهم وسايرهم أفراد ثم جماعات من مكونات و إثنيات مختلفة , بغض النظر عن الانتماء العرقي والذي يعتبر معيارا ضيقا يرفضه كل ذي بال ... وما مشاركة هؤلاء رغم اختلافهم , إلا إيمانا منهم بحقوق مستحقة غير متوفرة أو كانت إلى عهد قريب منتزعة كليا أو مضيق فيها حاليا , رغم أنصاف الحلول والعلاجات الآنية التي تقوم بها الحكومات المتعاقبة على هذه البلاد , والتي لا تعمر طويلا ولا تستأصل الورم الخبيث ولا تقضي على مصدر الفيروسات ولا تطهر منبع الجراثيم ,فتعيين أشخاص بفعل انتمائهم لهذه الشريحة وغيرها لا يعد الحل الناجع , واستقطاب رموز من هذه الشريحة ومن غيرها ليس هو العلاج الأمثل , وإن كان يعمل عمل المسكن لكنه مسكن مزيف ومفعوله قصير المدة وقليل التأثير , فحري بالدولة وأجهزتها المختصة وهياكلها الناشطة أن تبحث عن طرائق جديدة أكثر جدية و نجاعة  وأظهر انعكاسات على إنعاش السلم الاجتماعي والانسجام المعنوي بين مكونات الدولة الشرائحية , من قبيل إطلاق مشاريع تنموية كبرى تستهدف المهمشين عموما , وتعم المحرومين خصوصا وتسكت أفواه الصارخين وتملأ بطون الجوعى وتكسي العراة وتسقي العطاش , بأسلوب عصري نهضوي شامل لا ينظر إلى هذه المتطلبات بصورة نمطية وإنما بمستوى من الحذاقة يضمن الحاجة ويوفر الرفاهية تماشيا مع نضج الحقوق وقفزتها النوعية التي تجاوزت تلك الأجيال الحقوقية القديمة بالإضافة إلى وعي الساعين خلفها , مما جعل الحلول الترقيعية سياسة عمياء لا تعدو كونها آنية النتائج بالمعنى السلبي ولن تكون لهذه المشاريع قيمة جدوائية ما لم يتم القضاء على الانعزال الشرائحي والتخندق الإثني والحصر الجغرافي ,فبقاء ظاهرة آدوابة ولكصور, وما يشجع عليها من سياسة دعائية تقوم بها الدولة أحيانا باسم وكالة التضامن , وأحيانا بأسماء أخرى غير بريئة لا تعدو كونها حملة سياسية متجاوزة الأسلوب , شأنها تغذية وتعميق الأزمة النائمة تحت الرماد السياسي والحقوقي لفترة أطول , وطبعا تعد بالانفجار أيما لحظة .
إن استمرار السياسات الحكومية قصيرة النفس والتي تركز دوما على الأعراض دون الأسباب , تجعلنا نتأكد أن هذه المسيرة هي البداية وستليها أخرى بعنوان "الوولف" وأخرى بعنوان "الفلان"وثالثة باسم الصوننكي" و"لمعلمين " و"إيكاون" وستظهر مجموعة باسم" آزناكة " وطبعا لن نعدم مجموعة تنادي باسم حقوق" النساء العوانس" وأخرى قبلها تريد حقوق" المخنثين".
هذا لا يعني أن هذه الحقوق غير مشروعة أو أن المطالبة بها أصلا ممنوعة , لكن الأولى والذي يعد واجبا على الدولة هو سد الذرائع أمام الكل , وليس ذلك بالحلول الأمنية التي أثبت التاريخ عدم جدوائيتها , وإنما بالنهضة التنموية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية وما يصاحبها من استقلال حقيقي في القضاء وتقريب للإدارة من المواطن وتكافؤ الفرص في المسابقات والابتعاد عن الانتقائية والمحسوبية السائدة والمكشوفة والتي تثير النعرات والانتماءات الضيقة بصفة يومية .

11. مايو 2014 - 10:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا