لاشك ان انسحاب نقيب المحامين السيد احمد سالم ولد بوحبيني من السباق الرئاسي المقبل يعتبر لغزا محيرا يستعصي على بعض المتابعين للساحة السياسية فك طلاسمه رغم أن الاسباب المعلنة حتى الآن التي قادته الى اتخاذ هكذا قرار هي
"الاجندا الاحادية للنظام المبنية على الاقصاء و التهميش" حسب ما أعلنه في المؤتمر الصحفي الذي عقده هذا المساء.
ولكن يحق لأي متابع أن يطرح جملة من التساؤلات منها على سبيل المثال : لماذا اختار النقيب المشاركة أصلا في السباق الانتخابي إن كان سينسحب منه و بهذه السرعة؟ وما الذي تغير حتى الآن في الاجواء العامة للخارطة السياسية حتى يسحب ترشحه؟ أم أن انسحابه كان تكتيكا و سيناريو محكم التنسيق مع فصائل المعارضة المقاطعة هدفه تعرية النظام و حشره في الزاوية؟ بل ان المتتبع قد يذهب ابعد من ذالك في حيرته ليسأل: هل كانت للضغوط الخارجية يد في القضية؟
أسئلة لاشك انها قد تولد أكثر من جواب نظرا لتعقيدات المرحلة الظرفية التي يعيشها البلد على مختلف الاصعدة وخصوصا على الصعيد السياسي حيث تزداد الامور قتامة و تشتد الهوة و تتعمق حالة التشرذم والخلاف بين الفرقاء السياسيين يوما بعد يوم.
إلا أن العديد من المهتمين بالشأن السياسي في البلد يتفقون على أن قرار نقيب المحامين ولد بوحبيني الانسحاب، وبغض النظر عن الاسباب والظروف التي اكتنفته، يعد القشة التي قصمت ظهر البعير. فهو يمثل ضربة قوية للنظام الموريتاني في جهوده الساعية الى تنظيم انتخابات 2014 الرئاسية و يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى شرعية و نزاهة الاستحقاقات الرئاسية القادمة خصوصا بعد اقصاء احد المرشحين المحسوبين على المعارضة في الخارج (علوه بوعماتو، شقيق رجل الاعمال المغاضب للنظام محمد ولد بوعماتو) وفىي ظل مقاطعة واسعة من قوى المعارضة المنضمة تحت لواء "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" و التحاق حزب التحالف، بزعامة مسعود ولد بلخير، الرئيس السابق للجمعية الوطنية بجملة المقاطعين والذي كان حتى وقت قريب من اكثر المعارضين تقربا وقربا من نظام ولد عبد العزيز.
كما أن انسحاب ولد بوحبيني يأتي في خضم دعوات من المنظومة الدولية تجسدت في التصريحات التي أطلقها ممثل الامم المتحدة في غرب افريقيا السيد سعيد جنت و دعى من خلالها كل الاطراف السياسية بموريتانيا معارضة و موالاة الى مواصلة الحوار السياسي.
تداعيات الانسحاب:
من أهم التداعيات التي يمثلها سحب ولد بوحبيني ملف ترشحه من الرئاسيات القادمة هو عزل النظام و ارباك اجندته الانتخابية وجره الى استئناف الحوار وتأجيل الانتخابات عن موعدها المحدد سلفا. فمشاركة ولد بحبيني في الانتخابات، باعتباره أحد الاوجه البارزة على الساحة الوطنية التي قارعت نظام ولد عبد العزيز وعارضته طيلة فترته في سدة الحكم، لا شك وأنها كانت ستضفي على النظام صبغة "تعددية" قد تتيح له امكانية تسويقها محليا ودوليا كما فعل في الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية حين جر حزب "تواصل" ذو الميول البراكماتية الى التخلي عن نهج المقاطعة والالتحاق بصفوف المشاركين في "شرعنة" تلك الانتخابات.
وقد يذهب البعض في تحليلاته الى أن الرجل بتخليه عن خيار المشاركة في الاستحقاقات القادمة قد يشكل احراجا لمن بقي من المشاركين المحسوبين على المعارضة مثل حزب الوئام الذي يتزعمه بيجل ولد هميد الى التفكير بالالتحاق بركب المقاطعين كما فعل زميله في كتلة "المعاهدة" سابقا مسعود ولد بلخير.
وبين المقاطعة والمشاركة والانسحاب يبقى السؤال المطروح: هل سيجدي كل ذلك نفعا مع الرئيس ولد عبد العزيز؟ وهل سيدفعه الى مراجعة حساباته و الرجوع الى طاولة الحوار مع معارضيه و الاستجابة لمطالبهم، أم أنه سيواصل خوض رهانات السباق حتى لو لم يبق سواه في معمعان المعركة الانتخابية المقبلة؟