كلمة قبل التخرج / سيد احمد ولد أعمر ولد محم

إذا كان الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب. حكمة بالغة، سائرة من الأولين إلى اللاحقين وإلى لاحقيهم بإذن الله، ولكن حين لا كلام، أيكون السكوت من ذهب أيضا؟ وكيف تكتب أو تقول. وأنت تري أن السكوت يرادف  التواضع،

والبساطة، والبعد عن الأنانية والشعور بالزهو والخيلاء، التي ربما يشعر بها القائلون أو الكتبة أو من على شاكلتهم.وقد راودتني نفسي مرارا في أي الأمرين أزكي.لكن حين لا ينطق احد ببنت شفه، في الوقت الذي يتحتم عليه ذلك، فقد زجرت داعي السكوت.وعزمت على الكلام.
أؤكد لكل من يقرأ هذه الأسطر، أنني ما كتبت نزولا عند رغبة أحد، ولا سعيا للحظوة عند أحد، ولا شغفا بالكتابة، ولا استظهارا لمهارات أو عضلات. إنما فقط، ونحن على أبواب التخرج من المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، فطنت إلى انه من المهم أن يطلع الجمهور على تجربتنا خلال مقامنا بالمدرسة. وسأكون حرفيا وصادقا مع نفسي ومع الصادقين.
  المدير واقف بالباب، عليكم بالمغادرة، وعلى الفور، إلى قاعات الدرس.بهذه الكلمات،همس في أذني القائم على المقهي.وقد كنا نتخلف هناك مرة بسبب الملل، ومرة لداع التكاسل. والمدير يباغت الطلاب  في مثل هذه الأوقات، ليتأكد بنفسه إن كانوا حقا في قاعات الدرس.ويأتي الطالب، وقد مر وقت يسير على الحصة، فيسأل عن ناظر الغياب، لئلا يكون اسمه قد خط في الغائبين. ومرة خرجت من المراحيض فإذا هو قائم ينتظرني، وقال: أتدخل يديك في جيبك وتمشي مشية الممثلين.ليست هذه مشية الطلاب. وواصل:ثم إن عليك أن تلبس أحذية مناسبة غير هذه.وكانت أصابع قدمي توجعني. فكنت ألبس أحذية مفتوحة.هذه بضع من حسنات كثيرة لهذا التدريب بالمدرسة الوطنية للإدارة.
وسيق الطلاب إلى روصو مرتين. ففي الأولي، ولما يعرفوا الحياة العسكرية كانوا منطلقين متحمسين.وحين تبدت لهم على حقيقتها من جهد وتحمل ومشقة، طفقوا يلوذون بالأعذار في الثانية. فما أغنت عنهم شيئا. وانزلوا عصرا خلف تلك الجدران العالية. وتقف صامتا كالخاشع حين تتوسط الشمس كبد السماء.ولا تتحرك يمينا أو شمالا حتى يعطيك قوادك الأوامر بذلك. وتنطلق في الهرولة أو في "الصهصهة"، رغم الجهد والإعياء، فأنت لا تريد أن تكون جالب عذاب أو طالع سوء على مجموعتك. وتقفز من النوم سحيرا، كأن لم يك بك نعاس. فتأخذ مكانك في الصف. وتصدح حنجرتك في كل صباح بكلمات النشيد الوطني البسيطة والقوية في آن.وحين تحتج أو تمتعض يكرر عليك قائدك: أنت في ثكنة عسكرية، ملزم بطاعة الرئيس، والالتزام بالأوامر.فوالله، لوكان التكوين كله ذينك الشهرين لكفيانا عن كل شيء آخر. فلا نحن بحاجة إلى  تقديمات أو تنظيرات أخري، ولشعر كل واحد منا بالفخر، لحضوره يوما واحدا من أيام روصو.
والجانب النظري من دروس ومحاضرات كان لا بأس به على العموم. وقد سعي المدير مشكورا لأن يبعث الكتاب الصحفيين إلي المغرب ليتلقوا تكوينهم هناك.فقد كان صاحب المبادرة في ذلك، إلا أن الاخوة المغاربة، على ما يبدو، تملصوا من الامر. بعد أن أوهمونا لبعض الوقت انهم بصدد قبولنا في معهدهم.وفيما يخص أداء الاساتذة والطاقم التدريسي فكان جيدا على العموم مع بعض الملاحظات على الاساتذة خاصة. فالاساتذة المدرسون بالمدرسة، بعضهم، يدرس في الجامعة، وربما يخلطون بين الطلاب في المدرسة المهنية والطلاب في الجامعة. فعلى سبيل المثال: بعضهم يحط سقفا قبل التصحيح، ولا يتجاوزه مهما كانت إجابات الطالب. وبعضهم يعطي لهذا شيئا لا يستحقه. وإن راجعت الاستاذ، وقد فطن لخطئه، لا يغير ذلك شيئا، فالنتيجة باقية، خوفا من تظلمات أخري. 
وأرسلنا في التدريب الإداري إلى عدة قطاعات. لا اعرف مالذي حصل مع القضاة والإداريين والمستشارين. أما الكتاب الصحفيون، فقد مروا على الوكالة والإذاعة والتلفزيون. وكان مقررا أن نمر بالوزارة الوصية، فأعتذر أهلها لضيق المكان. وهل سنجد مكانا هناك إن تخرجنا؟ وقد فطنت إلى شيء في التدريب أخافني. وهو أن بعضا من هذه القطاعات غير متعاونين، ويزعجهم كثيرا دخول غرباء حتى لغرض التدريب. فتشعر أنك غير مرحب بك في هذه الأماكن. فإن كان نفس الشيء حصل مع الزملاء الآخرين، فكيف السبيل إلى حياة مهنية وادعة، بعيدة عن الرفض والمقت والحسد. إن كان هذا ما ينتظرنا حين التخرج، فنحن نازلون إلى ساحة وغي بدون أدني شك.
دفعة من ثلاثمائة اطار، كانوا، في البدء، مائتان وخمسون، فألحقت بهم خمسون امرأة في إطار التمييز الايجابي، يقفون الآن وبكامل العدة والاستعداد ليوم التخرج السعيد.وقد أكملوا ثلاث سنين من التدريب النظري والتطبيقي ومن التدريب العسكري. وهنا أكرر أنه يكفي الطلاب فخرا، والمدرسة شرفا، أن نذكر يوما أو يومين من أيام روصو، أو سويعات من المشي إلى حقل "تكشكمبه"، أو لحظات بصعيدها. سوف نتذكر حتي بعد سنين عديدة، هذه اللحظات الصعبة التي تقاسمنا معا سواء في روصو، أو في الطريق إليه أو خلال مراحل التكوين المختلفة. إنني فخور أن اسمي من بين هذه الدفعة النموذجية حقا في الكفاءة وفي التكوين.
أود بهذه المناسبة أن احيي السيد المدير على ما لمست فيه من جدية ومثابرة واستعداد في كل ما يخص مراحل التدريب المختلفة. إنني أحييه حقا، وإنه لمن قلائل يحسنون القيادة والادارة والتدبير. كما احيي الطاقم التدريسي كله والعاملين كلهم بالإدارة، فرغم بعض التوترات العابرة إلا انني لا احمل في قلبي إلا المودة والحب. وأحيي زملائي وزميلاتي، دفعة الثلاثمائة اطار، كل باسمه الخاص. وإنني على قناعة تامة بأنكم دفعة نموذجية. ولكن هل المستقبل والعمل وضغوطاته وبيئته المختلفة يحملان لنا نماذج وأخبار سارة؟

13. مايو 2014 - 14:44

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا