حين تفشل الحكومة في أداء مهمتها في خدمة المواطن فعليها أن تعترف بذلك ، وأن تعي أن من مسؤوليتها أن تصرح بالفشل وأن تدفع ثمنه، وحين تعجز فعليها أن تتنحى لأنها بذلك ترضي ضميرها أمام الذات وأمام الشعب و التاريخ.
أما أن تفشل وتعجز وترفض حتى الاعتراف بأي منهما فهي بذلك ترضي غرورها لا ضميرها، وترتكب خطيئة لن يغفرها الشعب ولن يهملها التاريخ. وعندئذ يكون الأوان قد فات، ولم يتبقى من الوقت الضائع إلا بقدر ما يمنح فرصة لشماتة الأعداء.
عجزت الحكومة الموريتانية "الجديدة" عن تلبية حاجيات المواطنين في الأمن والغذاء والتعليم والصحة وحتى تسهيل ولوجهم إلى الإدارة من خلال تقريب خدماتها منهم، بل فشلت حتى في منحهم بصيص أمل يبيتون عليه ليلهم ويقضون من أجله نهارهم.
وعند تحليل هذه الجوانب يجدر بنا أن نبرز أن فشل الحكومة في الجانب الأمني تجسد مع بروز عمليات السطو والقتل التي تجتاح البلاد على طولها وعرضها إلى الواجهة وبشكل لافت، تلك العمليات التي تشمل كل أحياء المدن الكبيرة في البلاد، وعمليات السرقة التي تجتاح المدن الصغيرة والكبيرة على حد سواء.
يحدث ذلك دون أن تجد السلطة القائمة على البلد لها من الحلول ما يقي المواطنين بأس المجرمين، وهذه مسألة لا يمكن إلا أن نقف عندها مطالبين قوات الأمن بتحمل كامل المسؤولية عن حماية ممتلكات المواطنين وأرواحهم.. غير أن هذه المناشدة لا تعني اتهاما للجهات الأمنية بالتقصير – وإن كان موجودا- وإنما تقصد إلى أن هناك ثغرة يجب سدها حتى يكتمل حزام الأمن ويستوي على سوقه.
أما في جانب الحديث عن فشل الحكومة الحالية في مجال الأمن الغذائي فلعل أقوى دليل يندرج في نطاقه ما جاء في التقرير الصادر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الذي قال إن أكثر من 635 ألف شخص في موريتانيا لديهم عجز غذائي قوي بسبب نقص وسوء المحاصيل وارتفاع أسعار المواد الغذائية، (عدد السكان لا يتجاوز 4 مليون شخص) . جاء ذلك في تقريره الذي نشر يوم الاثنين 03 مارس 2014 والذي استعرض خلاله ما لا يمكن وصفه إلا بالفشل الذريع للحكومة الموريتانية في جانب الأمن الغذائي.
المفارقة في هذا المضمار أن الحكومة لا تعاني عجزا يحرمها من تصحيح الوضعية الغذائية للمواطنين، بدليل وجود 1107 مليون دولار في خزينتها بحسب ما أعلن عنه رئيس الجمهورية خلال لقاءه بالشباب في قصر المؤتمرات فجر يوم الجمعة 21 مارس 2014م، وإنما تفتقد إلى بوصلة الرؤية اللازمة أو الإرادة السياسية أو إلى كليهما لتغيير هذا الوضع الذي يبدوا أنه سيستمر طويلا.
وفي الجانب التعليمي فإن ملامح الفشل فيه تختلف، ومظاهره تتنوع.. فمن نقص في البنية التحتية المتمثلة في المدارس والإعداديات والثانويات وفقر في الجامعات حيث تحتضن البلاد جامعة حكومية يتيمة. مع ما يرافق ذلك من عجز جلي في الكادر البشري النوعي القادر على الأداء بالطريقة المثلى، الأمر الذي أدى إلى حرمان عشرات الآلاف من الأطفال من حقهم في التمدرس وخاصة في الأرياف والبوادي النائية.
أما عن الجانب الصحي فحدث ولا حرج، الواقع مأساوي ومفجع بشكل يفوق الخيال، وذلك في جميع المراكز الصحية والمستوصفات والمستشفيات على جميع التراب الوطني، مشاهد يندى لها الجبين، وحقائق يعجز القلم عن حصرها وتعجز النفس البشرية عن تحمل أكثر تفاصيلها اختصارا. نقص في الكادر البشري، و إهمال وتسيب عند الموجود منه، ولامبالاة عند الإدارات المختصة التي تتجاهل المواطن كلما قدم إليها شاكيا من ممرض أهمله، أو طبيب تجاهله، أو حتى عامل نظافة احتقره وانتهره.
هي إذن أزمات متعددة ومتنوعة ومتداخلة تجعل الحكومة الموريتانية في حكم العاجز مهنيا وإراديا، وتكشف بشكل صارخ عن فشلها في تقديم ما يجب عليها لمواطن يدفعه الواقع إلى الصبر الجميل نرجو الله أن لا يحرمه أجره.
حالة الفشل والعجز هذه تصب في مجرى نهر الاستقالة الذي تسبح فيه الحكومة عمليا بفعل تخليها - الطوعي أو القهري -عن مسؤولياتها، ذلك أن من لم يستطع إنجاز بعض المهام الموكلة إليه فهو في حكم المستقيل، حتى ولو جلس على "كرسي ثابت".