"من عاش بالأمل مات صائما "
بنجامين فرانكلين (أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية)
لابد أن الجميع يستشعر اليوم الأركان الواهية التي تقف عليها "ديمقراطية" هذا البلد، لكن طبيعة هذا المجتمع الموارب،
المتجاهل للحقائق، الراكن أبدا للتفاؤل كوهم يدفع به قسوة الواقع الصحراوي الجاف، يتغافل في "نعامية" عن وهم الديمقراطية المزيفة هنا متفائلا بغد أكثر إشراقا.
التفاؤل مطلوب دائما، لكن ليس إلى الحد الذي يلهي عن العمل من أجل فرض ديمقراطية حقيقية، ليس إلى الحد الذي يصل لتصديق الوهم.
إن استفاقة القوى السياسية وانتباهها إلى القضية الديمقراطية كمطلب ضروري للجماهير العريضة من شعبنا يشكل أولوية في المرحلة الحالية.
وفي سبيل ترجمة هذا الوعي أو الانتباه على القوى الحزبية التي تدعى أنها ديمقراطية النضالَ من أجل الديمقراطية التي تطمح/ نطمح إليها، وأن تتخلص بداية من زيف الديمقراطية الموجود.
إن الأنظمة المتعاقبة في موريتانيا اختطت حدودا لديمقراطيتها التي تريد أن تحكم من خلالها شعبنا، وما وقع من انتكاسات للحالمين بالديمقراطية كان نتيجة التسليم بتلك الحدود والقيود التي كبلت بها الأنظمة ـ التي فُرِضت عليها الديمقراطية من الخارج ـ كل ممارسة ديمقراطية أصيلة.
إن الديمقراطية قيم وقواعد قبل أن تكون عمليات ومظاهر.
العمليات الديمقراطية التي لا تتأسس على قواعد أصيلة هي عمليات مشوهة.
من أجل ذلك، لا بد للقوى الديمقراطية من الابتعاد عن الانجراف في الممارسات المشوهة للديمقراطية.
إن انتظار مزاجَ بيروقراطي أو سلطوي لترخيص ممارسة ديمقراطية لا يعبر عن سعي جدي لممارسة الديمقراطية.
إنه التزام فقط بحدود رسمها النظام حتى يظل ممسكا بكل الخيوط.
في أغلب البلدان الديمقراطية لا تحتاج الممارسة الديمقراطية لترخيص، تحتاج فقط للإرادة وإعلان تلك الإرادة.
في الديمقراطيات الحقيقية يتحمل كل فرد سياسي أو جماعة المسئولية، فتعتذر أو تستقيل عندما تفشل في أداء مهمتها، وفي بلدنا ينتشر سياسيون دون أدنى مسئولية سياسية.
في الديمقراطيات الحقيقية تحترم الآجال القانونية للانتخابات في الظروف العادية، أما هنا فيلتمس أي عذر للمماطلة ولي عنق القوانين.
إن تحرر القوى السياسية من الحدود غير الشرعية أولوية، تلك التي يختطها النظام لها، ويجعلها شبه مشلولة، وغير قادرة على الفعل السياسي، ويجعلها كذلك جزءا من نظامه محرومة من قدرات أخرى كانت لتتمتع بها لو لم يكن يحارب وجودها فعليا في الإدارة والتوظيف والمشاريع بحيث لا تموت نهائيا ولا تحيا تماما.
فلماذا تلزم نفسها بما لا يلزمها؟!!
ولا تعني هذه الدعوة بأية حال التمرد على القوانين أو اللجوء للفوضى والتخريب، إنها طريقة للضغط وعدم الاعتراف بما هو باطل.
إن الدخول في حوارات الهدف منها المماطلة أو تعطيل الديمقراطية ممالأة للنظام الحالي، وحسنا فعل منتدى الديمقراطية بعدم انطلاء الحيلة عليه وعدم قبوله في المشاركة في العملية الانتخابية لأنها لا تجذر سوى الديمقراطية المشوهة، لكنه مطالب ـ في نظري ـ بأكثر من ذلك، وأهم: عدم قبول أي تأجيل للانتخابات!!
إن استسهال العبث بالمواعيد الدستورية لن يورث سوى تكريس هذه العادة، وإذا كان هذا النظام يعتقد أنه مأزوم فعلا فعليه تحمل مسئوليته لوحده.
تحمل المسئولية يقتضي القبول بالآخر وما يطرحه، وفي هذه الحالة عليه أن يعجل في إجراءات الشفافية وضمانات النزاهة، وإلا فهو لوحده يتحمل مسئولية ما يجري، وسيكون عليه بعد انتخاباته الشكلية أن يعجل بانتخابات رئاسية أخرى تتوفر على مصداقية أكبر ليثبت أنه ديمقراطي.
وما لم يهتم فإن ذلك يقنع من كان لديه خلط أو لبس بأن هذا النظام ليس إلا نسخة من سابقيه، لا يهتم بالديمقراطية إلا كوسيلة للبقاء في الحكم.
أخيرا: حاكم الإيطاليون المقاوم الشهيد عمر المختار كمواطن إيطالي متمرد على الحكومة الفاشية، بينما الحقيقة أنه لم يقبل أن يخضع يوما لسلطة الحكومة الإيطالية وحدودها التي رسمتها حتى لا ينتفض المغلوبون على أمرهم.