كنت أظن ، بل أتمني أن يكون صمت الدكتور المحترم الشيخ ولد حرمة ولد ببانه ـ الذي لوحظ ـ كان نتيجة لعزمه الإقدام علي المصالحة مع ذاته .. وتخليه عن الغيرة لنفسه دون الغيرة علي الوطن ، وتغليب مصلحة هذا الأخير علي مصلحته الشخصية ،
أو علي الأقل الإقلاع عن كل ما يجر إلي النيل من النظام العام ، لكنه للأسف لم يفعل إيا من ذلك ، حيث خرج ـ الآن ـ مخترقا هدوء صمته في نفس مساره الحانوتي بكل ما اؤتي من قوة :المعلومة ،والمنطق ، والبيان ، والأدب ... وكأنه كان يستجمع قواه ـ والغريب أن الغائب الوحيد بعد هذا التجميع هو موضوع تخصص الدكتور (الصحة ..؟) .
لم يسطع الكاتب رغم كل ذلك الجهد المبذول أن يٌخَلص مساره الحانوتي من وجع ألم به منذ فترة ، حتي مات في حلقة الحكم القبلي ، والأغرب من ذلك أن الكاتب لم يستطع امتلاك الجرأة الكافية ليلٌف مساره الحانوتي هذا في خرقة بالية تليق به ويرميه بعيدا لعله ينساه ولا يجد ريحه النتنة ، إذ لا يعرف الرجل بحكم نشأته في عائلته المحترمة إلا ما هو عطرا وجميلا .
لم تكن الحلقة الرابعة من المسار الحانوتي ، علي نفس الخط الذي سارت فيه الحلقات الثلاث السابقة ، ذلك أن المسار كان في الثلاثة تصاعديا ، وبنًفس قوي لدرجة أن البعض كان يتوقع أن تكون الحلقة الرابعة ، هي قاصمة الظهر بالنسبة لنظام ولد عبد العزيز ، وأنها ستكون قنبلة الأدلة التي ستترك النظام أشلاءا متناثرة ، عندما تؤكد بالدليل القاطع صدق ماورد في الحلقات السابقة من خلال رد الاعتبار لتلك الاتهامات المفندة .
إن منطق المسار النقدي ، خصوصا ـ والمحترم يعرف ذلك ـ كان يتطلب بعد تخصيص حلقات لكل ما يمكن أن تصل إليه قريحة معارض من الاتهامات ، أن تخصص حلقة واحدة علي الأقل لتدعيم تلك الآراء وتأكيد تلك الاتهامات ، لأن المطلوب عند الدكتور ليس مجرد كيل الاتهامات ، وإلا لما كان للأمر قيمة ، بل إن الهدف الأساسي هو إدانة المتهم . لكن هذه الحلقة بالفعل جاءت مخيبة لآمال من كان يريد للنظام شرا ،ويتطلع إلي ما يكتب الدكتور لعله يجد فيه ما يشفي غليله من فضح النظام وتعريته.
إنها بالفعل حلقة مخيبة للآمال حتي بالنسبة لاولائك الذين يتطلعون إلي قراءة كل مايكتب الكاتب المحترم لعلهم يجدون فيه ما يستوجب النقد ، لكن للأسف جاءت الحلقة باردة ، وخالية تماما من كل ما يتطلب الرد : السياسي أو العلمي أوالثقافي ، وذلك بالنظر إلي سابقاتها ، وبما أنه تم نقد وتفنيد ماسبق وكان أشد وأقسي ، ولم يتقدم الكاتب بعد ذلك بأي تعقيب ينفي النفي ،كان ذلك بالنسبة للقارء دليلا كافيا علي عجز الكاتب عن تبرير مواقفه وآراءه ... وهوالأمر الذي يجعل استمراره في كيل الاتهامات وتشخيص الواقع بعد ذلك، هو فقط من باب اللجوء إلي المندوحة العفنة ... للنجاة من المطاردة ،تشبثا بحياة معارضة مثخنة ، ولو كانت أقل مما يرام ،إلا أنها تظل أحسن بكثير من وهم المعارضة القوية .
هكذا حاول الكاتب المحترم بعد مدة من الصمت ، أن يستأنف في المسار الحانوتي مرافعته ضد النظام ، لكن الكاتب: الدكتور المحترم لم يلتزم بالدقة الكافية بمسطرة الإجراءات ، أو المرافعات ، أو...لم يكتف بالحكم الابتدائي الذي أصدره القارئ الكريم ، علي مساره الحانوتي ذاك ، والذي خسر فيه القضية ،وهذا حقه وحق أي أحد أمام القضاء ، لكن الحق المتعلق بموضوع المرافعة لم يسعفه في استيفاء شروط الاستئناف فبطل .
إن الاستئناف حق ...لكن بشرط أن يتضمن جديدا : دليلا مدعما لسابق ، أو آخر لم يتم الاطلاع عليه إلا بعد الحكم المستأنف . فماذا قدمت أيها الدكتور المحترم في الحلقة الرابعة (السفينة المخروقة) من ذلك القبيل ؟ غير ماتقدم به الكاتب المحترم محمد يحظيه ولد ابريد الليل وتم تجاوزه ....
أم أن الصمت المخترق هذا ليس له من غاية سوي التنبيه إلي أن الرمية مهما صعدت لابد أن تنزل إلي الأرض؟ ، بمعني أن هذه الحلقة الرابعة كان لابد منها لبدإ العد التنازلي لذلك المسار الحانوتي المثير.
صحيح ، فلولا طبيعة الأشياء أو قل: العادة لكنا في غني عن هذه الحلقة ، فكل ما بلغ الحد انتهي خيرا كان أو شرا، لاريب في ذلك ، لكن محل الريب والشك والاستهجان هو في أن يبلغ الأمر الحد وينتهي دون حصول المطلوب .
يذكرنا ذلك بخطاب الرحيل .. الذي أٌعقِب بطلب المشاركة في الحكومة التي كان يراد لها أن ترحل هي ورأسها .
إن هذا الرد المقتضب ، لا يخفي عدم الرغبة في حصوله أصلا ، وذلك لسببين :أولهما أنه لم يرد إلا ماسبق أن قيل وتم الرد عليه بالتفصيل ، ولم يعد يحاج إلي رد جديد ، لكني آثرت الرد بالإجمال ، حرصا علي أن تبقي كتابات الرجل مثارا للقراءة ،والنقد ،والتحليل ، ولو من خلال رد واحد متواضع .. إذ أتوقع أن يكون ردي هو الوحيد الذي ستعرفه هذه الحلقة الرابعة.. وأتوقع لذلك غياب إي رد مطلقا إلا ردا واحدا.. قد يكون أشنع من هذا لو لم أتقدم به ، فآثرت منح القيمة الاعتبار للمكتوب بالرد عليه مجملا دون التقصي والتمحيص حتي لا يجر ذلك إلي ما يفسد تلك الحسنة التي أردتها ، وحتي يسد ذريعة رد أقسي قد يحصل إذا لم يجد قبله ردا فيه كفاية .
وثانيهما أني كنت أتوقع من الكاتب المحترم إنهاء ذلك المسار الحانوتي الذي لم يسلم حتي هو من إساءاته ، ورغم أن الحلقة الرابعة منه ليست شنيعة إلا أنني آثرت الرد عليها لا رغبة في إهانة المكتوب ولا كاتبه ، ولكن سرقةً لتَعَلم النقد ومقارعة الأفذاذ والجهابذة وهو أمر مباح لنا خصوصا إذا خلي ذلك النقد من التجريح ، وتلك بالفعل مسألة تحتاج إلي خبرة ، ولا تحصل الخبرة إلا بالمراس ، لذلك فإن ما يقع من التجريح ليس مقصودا لذاته ، بقدرما هو دليل علي أن خبرة النقد لم تستقم بعد ولم يصلب عودها .
نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه