المعارضة لاتعني الانتماء لأحزاب سياسية بعينها، ولا يعتبر الشخص معارضا بمجرد أن يتولي منصبا قياديا في حزب معارض ،لكن المعارضة وعي وقناعة وسلوك وللمعارضة مقومات لاتقوم بدونها ،
ولايمكن أن ننظر إلي الأشخاص الذين يطالبون بالأمس برحيل رأس النظام بكل حيوية واندفاع ،ويعلون اليوم عن تأيدهم الكامل لذلك الرئيس نفسه ، لايمكن أن نعتبر أنهم "معارضون" ولا يعقل أن تكون المعارضة مجرد وسيلة يستخدمها المثقف والجاهل علي السواء للوصول إلي مكاسب شخصية مهما كانت تافهة . فكيف يتغير فكر المرء من جذوره إلا بانقلاب؟ وماطبيعة انقلابات المعارضين علي أنفسهم إن كانوا حقا معارضين؟
تعودت الساحة السياسية الموريتانية علي أسلوب الانقلاب العسكري القائم علي الانتهازية والخيانة والتنكر والغدر وغيرها من مفردات الانقلاب . وقد أصبحنا نعرف أن من يقود الإنقلاب الناجح لابد أن يحوز ثقة الرئيس ويثبت له ذلك مرات كثيرة ،ثم ينقض عليه في لحظة فارغة ،وتنتقل العلاقة بينها إلي عداء شخصي أبدي،لكن مالم نعرفه – من قبل- هو أن ذلك بالضبط يمكن أن ينتقل إلي الديمقراطية والحياة الحزبية ،بمفاهيم جديدة تجعل الانتماء للمعارضة هو: تموقع تكتيكي هدفه قيادة انقلاب سريع يطيح بالمبادئ والقيم والفكر والقناعة وحتى المنطق والعقل ..
إن الانتقال من موقف يعتبر شخصا بعينه : فاسد وغير شرعي ودكتاتوري وناهب لمقدرات شعبه ومتعامل مع الأشرار وووووووو .... "يجب أن يرحل فورا"! إلي موقف آخر يعترف ب"إجازات مهمة" لذلك الشخص نفسه، ويعلن انتماءه لحزبه الذي يسبح بحمده ويقدسه ..أمر غريب ومدهش حقا !!
ليس من الصعب علي الفرد أن يراجع توجهاته وأفكاره وأن يستبدل قناعات كانت لديه بأخرى أكثر مناسبة له ،لكن ذلك كله يحدث في ظروف طبيعية وفي مناخ من الوعي والتدرج في المواقف حتى يعلم الناس مدي جدية التحول وعوامله الأساسية ،لكن مانراه ونسمعه في عصر تحكمه مفاهيم الانقلاب بكل تفاصيلها هو عكس ذلك تماما ...فالأشخاص الذين يعلنون في مناسبات بعينها (خلال حملات تشن علي المعارضة ... أو انتخابات غير توافقية يجري التحضير لها ..أو نظام يعاني الأزمات ....أو كل ذلك مجتمعا كما هو الحال هذه الأيام ..) عن انضمامهم لحزب الرئيس وتأيدهم لسياسته ويدعون: أنهم كانوا (أو لا يزلون في بعض بياناتهم ) زعماء للمعارضة وتنظيماتها وقادة في أحزابها هؤلاء الأشخاص (رغم احترامنا الكبير لهم وصدمتنا من تصرفاتهم) لايدركون أنهم لم يكونوا يوما معارضين بالمعني الحقيقي للمعارضة، وأنهم لم ليسوا قياديين في المعارضة ،ولا أدل علي ذلك من بياناتهم التي تعبر عن جهل تام ب"مفهوم المعارض" و"القيادي في المعارضة"..
فالمعارضة لاتعني أن شخصا ما مارس حقه الذي يكفله الدستور بالانتماء لحزب سياسي معارض أو أنه- وفق النظام الداخلي للحزب السياسي- صعد إلي مراتب قيادية في سلم الحزب ، كل ذلك لا يمنح الشخص صفة المعارضة مالم تتوفر فيه مقومات محددة أهمها:
- الوعي السياسي والنضج الفكري :
إن الوعي السياسي يتطلب فهما عميقا لمتطلبات العيش الجماعي والمشاركة السياسية وفق إيديولوجية خاصة يقتنع بها الفرد ويتشكل علي أساسها نهجه السياسي ،ولا يتاح ذلك إلا لمن حقق مستوي من المعرفة والإطلاع والفهم .
- القناعة والمبادئ
لا تبني القناعة علي المنفعة- وإلا لكانت مجرد وسيلة يصل بها الإنسان إلي أمور شخصية ونفعية خاصة به - ولكنها تؤسس علي الدين والعقل والعلم.
فالمعارضة انطلاقا من ذلك نهج يختاره الإنسان الواعي انطلاقا من مبادئه الأساسية في الحياة ومستواه العلمي والتزامه الخلقي ومسؤوليته الاجتماعية وهي بهذا المعني لا يمكن تبديلها أو تغيرها بجرة قلم أو صفقة منفقة في لحظة عابرة ..
إن المعارضة أسلوب حياة المؤمن الصادق الذي ينصر الحق ويؤازره ويدفع من راحته وماله وجهده الكثير من أجله .. لذلك نجد كل العلماء العظام "معارضون حقيقيون" فهم لا يركنون إلي الظلم ولا يقبلون تحت أي ذريعة السكوت عن قول الحق.. ولنا في علمائنا الأجلاء المثل ..
والمعارضة كذلك موقف يناسب المفكر والمثقف والشخصية الاعتبارية مهما كانت خلفيتها المبدئية مختلفة (إسلامية ،قومية ، ليبرالية ، اشتراكية ) .
المعارضة إذا قناعة و سلوك، ومن يتصرف انطلاقا من تلك القناعة المبدئية وذلك السلوك الرصين يسمي: معارضا ومن يفعل عكس ذلك، يقول عن نفسه: إنه لم يكن يوما معارضا .وعلي المعارضة أن تفرح بخروجه من صفوفها وعودته إلي موقعه الطبيعي .