هناك قيم ناظمة للمجتمعات البشرية توارثها جيلا بعد جيل ، يتلقاها السلف من الخلف بالتأسي والاقتداء ، والاكتساب إن عجزت كوامن الفطرة السليمة أمام نوازع النفس الخبيثة التي إن طغت بفعل الحاضن البشري السيء انقلب الإنسان وحشا شرسا لا همة له سوى افتراس غيره ولو كان ولده .
ولا شيء أكثر تأثيرا على الإنسان من محيطه الاجتماعي ، وما أصدق التعبير النبوي عن أثر محيط النشأة في تغيير التوجه الفطري للفرد " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه "
والفطرة هي المنهج السوي الذي خلقنا عليه قبل أن تجتالنا الشياطين وأتباعهم من الإنس ، ومن حكمة الله أن بعث الرسل لتهذيب من انحرف عن الفطرة البشرية وتقويمها ، ثم قام بالمهمة بعدهم العلماء والمصلحون والعقلاء في كل عصر يتعاهدون ما اندرس من شرائعهم يبن أممهم حتى لا ينفرط عقدها وتفقد توازنها ، إن عدمت القيم الأخلاقية والقيود الدينية .
ولا فرق بين الأخلاق والدين ،إذ الدين هو الأخلاق بوصفه وضع إلهي يسوق البشرية إلى الخير والفلاح ـ والأخلاق هي التمثل البشري بهذا الوضع ، أو الحالة التي أراد الله بها صلاح البشرية وانتظام أمورها .
ولعل اللمح القرآني في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم خير دليل على هذه الثنائية ، "الدين والأخلاق " ..( وإنك لعلى خلق عظيم )
فهذا الخلق العظيم الذي اصطفاه الله به ، غير قساوة البدوي وتمرده على القوانين إلى إنسانية رائدة تقف عند الحدود وتحفظ العهود .
فما أجمل الإنسان بأخلاقه وأقبحه إن تجرد من لبوس الأخلاق .
وفعلا كما قال الشاعر :
هي الأخلاق تنبت كالنبات """ إذا سقيت بماء المكرومات
ولا بقاء لبشرية الإنسان بدونها
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت """ فإنهم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فما أحوجنا ونحن نتلمس طريقنا لدولة القانون لإحياء المنظومة الأخلاقية وتفعيلها في المناهج الدراسية المعتمدة في المدارس والمؤسسات التكوينية ، حتى لا يحدث انفصام بين محددات الشخصية الموريتانية .
فالذي يقابل أحد أفراد شرطة أمن الطرق الحديثة التكوين يلاحظ خللا في المنظومة الأخلاقية لبعض أفراد هذا الجهاز الذي اكتتب حدثانا في السن فقراء في التجربة ، لم يتلقوا تكوينا مدرسيا ولا اجتماعيا يهذب سلوكهم في التعامل مع الناس .
يبدؤك إن امتثلت لأوامره بتوقف السيارة بوابل من السب والشتم يفقدك إنسانيتك وبشريتك حتى ولو لم ترتكب خطأ مروريا يستدعي التوقيف ليقودك صاغرا إلى حائط في مهامه العاصمة المهجورة ويأمرك بأن تركن سيارتك دون أن تدري السبب فلا تمتلك أمامه إلا أن تسلم الأمر لله وتقول " رحم الله شرطتنا الوطنية القديمة ما أعدلها " فقد كانت قبل كل شيء تقبل الحوار وتحترم الإنسان وتتجاوز له عن بعض أخطائه إن قدم لها عذرا معقولا وعرفها بشخصيته الوظيفية .