لم أكن أنتظر خيرا من المجلس الدستوري بتشكيلته الحالية، ولكني لم أكن أتوقع بأن التزوير والتحايل على تزكيات العمد والمستشارين البلديين سيصل في ظل هذه التشكيلة الحالية للمجلس إلى ما وصل إليه.
لم أكن أتوقع أن يصل الأمر إلى هذا الحد رغم أننا قد تعودنا في موريتانيا أن يكون أكثر الناس جرأة على انتهاك الدستور
هم أولئك الذين يسهرون على حمايته، ففقهاء القانون الدستوري هم في العادة أول من يصدر بيانات التأييد والمساندة للانقلابات، والمجلس الدستوري هو نفسه الذي كان قد وصف انقلاب السادس من أغسطس بالحركة التصحيحية يوم تنصيب الرئيس الحالي، وسيعترف فيما بعد الرئيس نفسه، وفي لحظة "صفاء"، بأن ما حدث في السادس من أغسطس كان انقلابا عسكريا، وبأنه ـ أي الرئيس ـ لم يكن رئيسا شرعيا من قبل انتخابات يوليو 2009.
وتعودنا أيضا في موريتانيا بأن العلماء هم أول من ينخرط في السياسة، وبأن رابطة العلماء كانت هي أول من دعا الرئيس محمد ولد عبد العزيز لأن يترشح لمأمورية ثانية فسنت بذلك سنة لا أعتقد بأنها كانت حسنة، وذلك لأنها أدت إلى سيل المبادرات الداعمة والذي كاد أن يجرف كل شيء..فهاهي النخبة الأكاديمية للبلد تكاد أن تجتمع وعن بكرة أبيها في مبادرة داعمة للرئيس سموها "جامعيون من أجل الوطن"، وجاءت من بعدها مبادرة دكتورات داعمات للرئيس عزيز . ومن سلم من "أكاديميينا" من هذه المبادرة أو تلك المبادرة ظهر في مبادرات أخرى حيث يجتمع أبناء القبيلة لمنافسة أبناء قبيلة أخرى في التزلف والتصفيق والتطبيل.
حقيقة إن حال بلدنا ليثير الشفقة، وإن نخبته لتثير الشفقة أكثر من عامته، ورب امرأة أمية ريفية تعيش في قرية نائية هي خير للوطن من عشرة أساتذة جامعيين لم يقدموا لهذا الوطن سوى الظهور في الاجتماعات القبلية في موسم مبادرات التأييد والمساندة والمطالبة بالترشح لمأمورية ثانية أو ثالثة أو رابعة..
فيا دكاترة، ويا دكتورات، بالله عليكم ارحمونا ساعة من نهار، وإذا كان لابد لكم من أن تبادروا، فأطلقوا "أم المبادرات" واطلبوا من الرجل أن ينصب نفسه ملكا مدى الحياة أو إمبراطورا حتى، فتستريحوا أنتم، وتريحونا نحن، وتختفي بذلك نهائيا المبادرات الداعمة للترشح لمأمورية ثانية أو ثالثة أو رابعة.
ذلكم قوس فتح نفسه بنفسه، ودون استئذان، والآن دعونا نعد إلى المجلس الدستوري، وإلى تزويره الدستوري، وذلك من خلال التوقف مع الحالات التالية:
1 ـ في يوم الخميس 15 مايو 2014 عقد حزب التحالف الشعبي مؤتمرا صحفيا اتهم فيه المستشار البلدي بلال ولد امبارك من مقاطعة الرياض المترشح بيرام ولد الداه ولد اعبيدي بتزوير توقيعه، وقد أكد المستشار في المؤتمر الصحفي بأنه تقدم برسالة رسمية إلى المجلس الدستوري يطالب فيها بإلغاء تزكيته، وبإطلاعه على الملف محل التزوير.
2 ـ في نفس اليوم كشف موقع وكالة الأخبار أن أحد المستشارين البلديين في مدينة لعيون، وهو أحمد ولد محمد الطالب أعل قد قام بتزكية مرشحين اثنين لرئاسيات 21 يونيو، وهما بيرام ولد الداه ولد أعبيد ولال مريم بنت مولاي ادريس.
ولقد اتصل المستشار فيما بعد بالموقع ونفى تزكيته للمرشحة لال مريم بنت مولاي ادريس، ولقد قال : "أنا لا أعرفها ولا علاقة لي بها، ولم أرها من قبل، ولم تطلب مني التوقيع".
3 ـ في يوم السبت الموافق 17 مايو 2014 قال المستشار البلدي بمدينة لعيون سيدي ولد سالم لوكالة الأخبار بأن عمدة مدنية لعيون وأغلب مستشاري الحزب الحاكم بها وقعوا للمرشح محمد ولد عبد العزيز ضمن موقفهم العادي الداعم له، وإن ما أدعته مرشحة الرئاسيات لاله مريم بنت مولاي إدريس محض افتراء. كما نفى أيضا بعض المستشارين في بلدية بالنعمان وأدويرارة تزكيتهم للمترشحة المذكورة.
4 ـ أظهرت لوائح المجلس الدستوري بأن لبلدية أركيز عشرة عمد وأنهم جميعا قد زكوا المرشح محمد ولد عبد العزيز.
5 ـ في يوم الأحد الموافق 18 مايو 2014 نفى أربعة مستشارين بلديين ببلدية شكار تزكيتهم للمترشح بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، وأكدوا بأنهم تفاجؤوا من ظهور أسمائهم في اللائحة الصادرة عن المجلس الدستوري. والأربعة هم: محمد محمود ولد الطالب إبراهيم ـ حمادي سيدي حيب الله الشيخ المصطفى ـ لبات يحيى عبد الباقي ـ فاطمة بنت إسلم.
6 ـ وفي نفس اليوم صرح عمدة بلدية بوحديدة لوكالة الأخبار وقال بأنه صُدم من نشر المجلس الدستوري لاسمه ضمن القائمة التي زكت المترشح بيرام ولد الداه ولد أعبيدي واصفا الأمر بالفبركة غير المسؤولة.
7 ـ وفي يوم الاثنين الموافق 19 مايو 2014 نشر موقع الطواري إيجازا صحفيا موقعا باسم خمسة مستشارين من بلدية الطواز نفوا فيه تزكيتهم للمدعو بيرام ( هذا هو ما جاء في الإيجاز)، وأنه وفي كل الأحوال لا يعتبر بالنسبة لهم من ضمن البدائل المتاحة، والخمسة هم : أم بنت محمد ماء العينين ـ محمد ولد سيد أحمد ولد باي – فاطمة بنت محمد ولد مينات – ميمونه منت محمد فال ولد عبد الدائم ـ محمد ولد اعل سالم.
إن هذه النماذج لتؤكد بأننا أمام عملية تزوير واسعة لتزكيات العمد والمستشارين، وهي عملية تزوير تتعلق بمترشحين لأعلى منصب في البلد، وهنا تكمن خطورتها، والغريب أن المجلس الدستوري لم يعلق عليها حتى الآن، وهو ما يعني بأن المجلس لم يعلم حتى الآن بعمليات التزوير هذه وتلك مصيبة، أو أنه علم بها ولكنه لا يتجرأ على مواجهتها وتلك مصيبة أكبر، أو أنه، وهذا هو الاحتمال الثالث، هو من قام بعملية تزوير التزكيات وتلك هي أم المصائب.
إن ما حدث من تزوير لتزكيات العمد والمستشارين لأمر خطير جدا، ويجب أن لا يمر هكذا، وعلى الناطق الرسمي باسم الحكومة أن يتحدث عن هذه الفضيحة الخطيرة في مؤتمره الصحفي القادم، ولكن ليس بأسلوبه المعهود أي أن الملف لدى القضاء الآن ولا يجوز التحدث عنه، أو أن يقول بأن القصد الإجرامي غائب في هذه التزكيات، أو أن الأمر لا يستحق الاهتمام، فهو مجرد حدث عادي وعابر بدأ بالأطفال وربما ينتهي بالماعز.
إن الأمر في غاية الخطورة، فهو يتعلق بعمليات تزوير واسعة، والمتهم فيها ربما يكون هو أعلى هيئة دستورية في البلاد، وربما يكون أولئك الذين يتنافسون للفوز بأعلى منصب في البلاد.
حفظ الله موريتانيا..