التخفي وراء التحذير من "الأيديولوجيا" لتحقيق هدف مشبوه / محمد المصطفى ولد أحمد محمود

يصر بعض "المثقفين" على تسمية الدعوة في المجتمع الإسلامي للانطلاق من الإسلام في شؤون الحياة كلها وما يترتب على ذلك من اهتمام بقضايا المسلمين؛ بـ"الأيديولوجيا"، ويركز هؤلاء بشكل كبير في تحذيرهم من "المؤدلجين" على تشويه أي عمل جماعي منظم يسعى العاملون في إطاره لخدمة الإسلام

 وما يتطلبه ذلك من وقوف حازم في وجه ما يقوم به المسيحيون والصهاينة من أعمال جماعية منظمة يهدفون من خلالها للقضاء على الإسلام، ويصلون ليلهم بنهارهم للعمل على إخضاع المسلمين لضمان استمرار تبعيتهم وإطالة أمد نهب خيراتهم، وانتهاك أعراضهم، واحتلال أراضيهم.

يسعى أصحاب هذا المنطق للوصول إلى أهدافهم من خلال العمل التدريجي الذي يمكنهم من التأثير في عقول من تعودوا على ابتلاع "السم المدسوس في العسل" وذلك عبر مراحل:

أولا: يقوم هذا النوع من "المثقفين" بتهيئة المتلقي لكتاباتهم والمتابع لبرامجهم للاعتقاد بأنهم "مستقلون" وأن دافعهم الوحيد يتمثل في الحرص على إنقاذ الأوطان من الأفكار التي يصفونها بأنها موجهة وخطيرة وتهدف لخدمة "أجندة" معينة غريبة على الوطن وأهله!

ثانيا: في إطار مساهمة هؤلاء في تزيين سوء العمل وتشويه صالحه يحاولون إقناع المتلقي بالمساواة بين كل المهتمين بالعمل الجماعي المنظم؛ بغض النظر عن توجهاتهم السياسية ومرجعياتهم الفكرية، ودون مراعاة لضرورة التمييز بين الأصيل النافع من الأفكار والمستورد الضار منها.
وليس من الغريب - ما دام هذا المنطق هو السائد في وسائل الإعلام الرسمية في عالمنا العربي والإسلامي - أن نجد بعض المتأثرين بهذا النوع من "المثقفين" يميل لوضع المرجعيات الفكرية كلها تحت اسم واحد هو "الأيديولوجيا" دون أن يتعب نفسه في محاولة التمييز بين الأصيل والمستورد.

ثالثا: بعد نجاح هذا النمط من "المثقفين" في خديعة المتأثرين بمنطق "الاسقلالية" والخوف على الوطن والمساواة بين المرجعيات الفكرية تحت مسمى "الأيديوجيا"؛ يقومون صحبة زملائهم من أصحاب "الأفكار المستوردة" بإطلاق العنان لألسنتهم المسمومة، وأقلامهم المأجورة؛ في تشويه الأعمال الجماعية التي يهتم أصحابها بخدمة الإسلام والدفاع عنه ظنا منهم أن ذلك يمثل عامل مساعدة في إعاقة الطريق أمام المهتمين بقضايا المسلمين، فتسمعهم يمعنون في اتهام البرءاء دون بينة، ويوغلون في الوقوع في أعراض العلماء العاملين، ويتسابقون لترويج إشاعة أكاذيب من قبيل؛ احتكار الإسلام، الوصاية على الدين، الخروج على السلطان، الرياء، امتطاء الدين لأغراض سياسية، السعي إلى السلطة.... إلخ.

من الوارد أن يُستهجَن هذا الكلام من "مثقفين" تعودوا على حماية ممارستهم "للتأثير المفزع" على عقول أبناء المسلمين لتسهيل استخدامهم - من حيث لا يشعرون - في محاربة العمل الإسلامي الجاد (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).

ومع ذلك فإنني لست من الذين يستغربون القيام بمثل هذه الأعمال من "مثقفين" مَثلُهم الأعلى في الثقافة والفكر هم: مثقفو الغرب، وكُتَّابه، ومفكروه.
كما لا يفاجئني الدفاع عن أعمال كهذه من أناس شيوخهم ومن يقتدون بهم؛ علموهم أن يكونوا فاعلين في خديعة المجتمع المسلم لصد أبنائه عن سبيل الله، وهم بذلك العمل (يحسبون أنهم مهتدون).

لذلك لما كان العمل الجماعي المنظم هو مكمن قوة المسلمين في الذب عن دينهم والدفاع عن قضايا أمتهم؛ كان من الضروري بالنسبة لأعداء الإسلام أن يبحثوا عن صيغة لمحاربة هذا العمل المنظم لتحذير الناس منه وإقناعهم بأنه يشكل خطرا على الأوطان؛ وبما أن محاربة العمل الهادف لخدمة الإسلام ليست مضمونة الأهداف إذا تمت بشكل مباشر؛ اعتمد "المثقفون" مصطلح "الأيديلوجيا" لربطه في ذهن المتلقي بهذا النمط من الأعمال، ليقوموا بعد ذلك بمحاربة "الأيديولوجيا" لتنفير الناس عن أي عمل جماعي منظم يهدف لخدمة الإسلام، ولكي ينجح "المثقفون" في مسعاهم المشبوه يتمترسون وراء كلمة حق أريد بها باطل مفادها أن الإسلام دين الجميع، وأنه ليس لطائفة دون أخرى، وهم يريدون من المسلمين أن يتخلوا عن خدمة دينهم بشكل جماعي يؤمنهم من خطط أعدائهم ويحصن أبناءهم من الفساد العقدي والانحراف الخلقي، وبهذا يبقى المسلمون – من حيث لا يشعر الكثيرون من أبنائهم – ضحية لمنطق يخدم العدو، ويكرس تبعيتهم له، ويحول دون امتلاكهم لاتخاذ أي قرار يخصهم.

وكأن قدر المسلمين - في فكر هذا النوع من "المثقفين" - أن يظلوا مشتتي الأعمال، مفككي الجهود، معطلي الطاقات.

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) صدق الله العظيم.

21. مايو 2014 - 20:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا