قالوا عن الأمويين إنهم قوم بلغوا قمة الحضارة و لما تنضج عقليتهم بعد ، أتذكر هذا القول كلما فكرت في الطريقة التي دخلت بها التكنولوجيا إلى بيوت و قلوب الموريتانيين و لما يبلغوا درجة النضج العقلي و الثقافي التي يتطلبها التأقلم مع سلبيات وإيجابيات
زائر يدخل البيوت بدون استئذان و يقدم نفسه لكل مستهلك حسب ما يريد و يتذوق.
إن مسألة تعامل المستهلك الموريتاني مع المنتجات التكنولوجية مسألة حساسة تتحكم فيها ظروف المكان و الزمان و حيثيات الثقافة ذات الأبعاد التقليدية و المعاصرة من خلال ازدواجية الأبوة و البنوة. و هي قضية تطرح مشكلا اجتماعيا أخلاقيا يسري تأثيره عبر أجيال قد تمتد امتداد الزمن نفسه وهو ما يجعل التعامل معها تعامل من نوع خاص، يفترض الكثير من الحذر تماما كما يحتاجه حامل سكين يريد أن يستعملها و يقوم بكل ما في وسعه من أجل ان يتفادى ما قد تسببه له من أضرار. فالتكنولوجيا و كما عبر عن ذلك دائما الأستاذ الجليل: حمدا ولد التاه شر لا مناص منه. و سواء كانت الآلة التكنلوجية جماعية الاستعمال، كالتلفاز و الحاسوب أو فردية، كالهاتف و الحسابات الخاصة على الشبكة العنكبوتية كالفيسبوك و اسكايب، وغيرها فإنها تبقى معضلة تحتاج لتعامل حكيم من حيث أنها تحمل إيجابيات تضاهي في الحجم ما لها من سلبيا ت.
من أهم ما تطرحه التكنولوجيا من مشاكل ذلك الانتشار المفاجئ كانتشار الظلام، بوتيرة سريعة كسرعة الضوء في مجتمع منفتح انفتاح الخيمة الموريتانية التي عودت المستظلين تحتها على الترحيب بكل قادم دون أن يمعنوا النظر فيما يحمل من خير أو شر. هكذا دخل الوافد التكنولوجي على مجتمعنا في غفلة من أمره فلم يمهد له بالرغم من كل التعقيدات التي يتضمنها، و تمخض عن ذلك حالة من عدم التوازن في فهمه من طرف آباء يجهلونه لحد اللامبالاة، و أبناء يتنافسون في معرفة جديده بكل ما أوتوا من قدرات عقلية و مادية، و هنا مكمن الخطر، حيث قد لا يدرك الأب أن ابنته التي تنام في حضن أمها تخفي في مكان معين من جسمها هاتفا ضبط على نمط الهزاز كي تحس به عندما يهاتفها من يستحيل أن يسمح الأب لها بلقائه لو كان الأمر بيده. كما أن جهل الآباء بما تفتحه التكنولوجيا من أبواب كان من الأحسن أن تبقى موصدة، ربما جعلهم يتسببون في فساد أخلاق زهرة حياتهم و هم يجتهدون في تزويد أبنائهم وبناتهم بأحدث الهواتف، أو الأجهزة التلفزيونية و غيرها. كما قد يكون لجهل الآباء ردة فعل عكسية تتمثل في اعتبار التكنولوجيا سيئة جملة و تفصيلا و من ثم يحرمون منها الأبناء مطلقا حتى يصبح الحديث عنها جنحة، و استعمالها مخالفة أما الحلم باقتنائها فذلك جريمة يعاقب عليها القانون، و كبيرة يحد صاحبها شرعا.
بين فكي الكلابة هذه تبقى مسألة التكنولوجيا و التعامل معها قضية تملأ الدنيا و تشغل الناس و لا يبدو لها حل ممكن في الأفق القريب إلا ما يمكن آن يوجد من بقية أخلاق وشيء من التقوى في بعض البيوت بالإضافة إلي ما يمكن أن تقوم به طرق التربية على مستوى الأسرة و المدرسة من توعية حول الاستعمال الأمثل و الايجابي لهذا الدخيل الذي لا تتحكم سلطات المراقبة الترابية في تأشير جواز سفره عند الدخول و لا تحديد إقامة له. غير أن جهود التربية لا يمكن إن توتي أكلها ما دام لدينا حاجز الحياء السلبي الذي يمنع الكبير من التوجيه الصريح للصغير لأنه يخشى" المداصرة" رغم إن الضرر في" المداصرة" لا يرقى للضرر في ضياع البنات و البنين.