منذ أشهر تقرع طبول الحرب في بامكو وتتصاعد من الجنوب باتجاه الشمال حدة التصريحات النارية التي كان آخرها على لسان أعلى هرم في النظام المالي الرئيس إبراهيما بوبكر كيتا الذي توعد بتلقين الأزواديين درسا لاينسى.
قام الجيش المالي برسم خططه وتعزيز تحصيناته داخل كيدال وحشد الدعم على مشارفها تأهبا لإطلاق عدوان سافر على الحركات الأزوادية لكسر مخالبها.
كان لابد من وجود مسوغات للعدوان لذا كانت زيارة الوزير الأول المالي موسى مارا سانحة لشن العدوان تزامنا معها بهدف إقناع الرأي العام المالي والدولي أن الطوارق والعرب هم من وضعوا أولا أيديهم على الزناد.
ففي الوقت الذي حل فيه مارا ضيفا بكيدال كان الجيش المالي يطوق المدينة من عدة محاور تمهيدا لإقتحامها وشن عدوان واسع النطاق على الأزواديين، لكن الحركات الأزوادية اكتشفت على مايبدو الخطة وساعدها التناغم الرائع بين مقاتلي فصائلها من طوارق وعرب فحرروا مدينة كيدال من قبضة الجيش المالي خلال أقل من ساعتين.
كغيري من المتابعين للشأن الإقليمي تابعت باندهاش تقهقر الجيش المالي والهزيمة المذلة التي ألحقها به الأزواديون.
تساقطت المدن والبلدات الواحدة تلو الأخرى تحت ضربات الشماليين كحبات مسبحة انقطع خيطها الناظم .. كيدال.. ميناكا.. أنسونغو..أجلهوك.. انيفيس.. تساليت.. اندامبوكان، وتموقعت طلائع الشماليين على بعد عشرات الكيلومترات من مدينتي تمبكتو وغاو، وبدا أن رياح الشماليين عصفت حقا بأحلام الجنوب.
سارعت بامكو إلى الدعوة لوقف إطلاق النار واستنجد كيتا برئيس الإتحاد الإفريقي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي انتزع اتفاقا بين الطرفين أصدق وصف يمكن أن يطلق عليه أطلقه كيتا نفسه حيث صرح قائلا "إن ما حصل عليه الرئيس الموريتاني أمر رائع وقف إطلاق النار.. نحن بحاجة إليه".
غير أن وزير الدفاع المالي سوميلو بوبي مايغا لم يمل بعد على مايبدو من استعراض عضلاته السميكة حيث صرح بعد توقيع الإتفاق قائلا " سوف نعيد تنظيم قواتنا ونتعلم بعض الدروس!"
إن هذا التصريح يجب أن تحمله الحركات الأزوادية على محمل الجد وإن كانت الحكومة المالية عاجزة في الأفق المنظور برأيي عن التفكير في مغامرة مماثلة، ومع ذلك على الأزواديين أن يتلاحموا أكثر لإستغلال هذا الإنتصار الرائع ويضغطوا من موقعهم التفاوضي القوي باتجاه رفع جزء من الظلم التاريخي الذي يرزح تحته إقليم أزواد وشعبه منذ زهاء خمسة عقود.
ذكرتني المعارك في الشمال المالي بمجزرة "بلدة جبنو" التي ارتكبتها وحدة من الجيش المالي في أوائل سبتمبر من العام ألفين واثني عشر وراح ضحيتها خمسة عشر شهيدا من جماعة الدعوة والتبليغ غالبيتهم من الموريتانيين.
لقد قام الجنود الماليون حينها بتصفية المجموعة بدم بارد بعد التحقيق مع أفرادها في عملية جبانة وغادرة، يزيد من وحشيتها وغرابتها بُعد الجماعة عن الصراعات الدائرة في العالم بأسره لإنشغالها بالتربية الروحية بعيدا عن السياسة والظهور الإعلامي.
صعدت أرواح الشهداء إلى بارئها ولم تقم الحكومتان المالية والموريتانية حينها بأي جهد لمحاسبة القتلة، لكن الأرواح الطاهرة مازالت على مايبدو تطارد لعنتها من عليائها الجيش المالي!!!