منذ فترة غير قصيرة وأنا أبحث عن فرصة لأثبت لبعض القراء الأعزاء من أنصار النظام القائم بأني لستُ معارضا على طول، وبأني أمتلك من الشجاعة ما يمكنني من أن أشيد بانجازات الرئيس إذا ما اقتنعتُ بأن هناك انجازا ما يستحق أن يُشاد به.
منذ فترة غير قصيرة وأنا أبحث عن مثل تلك الفرصة، ولكن المشكلة أن الفرص نادرا ما تطرق الأبواب. واليوم وبينما كنتُ أستعد لكتابة مقال انتقد فيه هذه الموجة العارمة من المبادرات البائسة التي ظهرت في الآونة الأخيرة فإذا بالمواقع الوطنية وبوكالات الأنباء الدولية تتحدث عن زيارة مفاجئة للرئيس محمد عبد العزيز لكيدال أعقبها إعلان سريع لوقف لإطلاق النار بين الجيش المالي وثلاث حركات أزوادية.
هذه الأخبار السارة الواردة من شمال مالي جعلتني أقرر أن أترك مقال المبادرات إلى حين، وأن أكتب بدلا منه مقالا للإشادة بهذه الوساطة التي قام بها الرئيس بين الأطراف المتصارعة في دولة مالي الشقيقة.
فأن يقطع الرئيس الموريتاني زيارته لكيغالي، وأن يتوجه فورا إلى مالي بعد تجدد الاشتباكات بين الأزواديين والجيش المالي، وأن يخاطر بزيارة كيدال رغم المخاطر الأمنية، وأن يتمكن ـ وبسرعة فائقة ـ من التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الأطراف المتصارعة، وأن يتم ذلك وسط ترحيب كبير بالوساطة الموريتانية من الطرفين المتصارعين، فلاشك أن كل ذلك يستحق أن يُشاد به من طرف كل الموريتانيين، وبغض النظر عن انتماءاتهم وتخندقاتهم السياسية.
ويمكن القول بأن نجاح هذه الوساطة قد جاء كمحصلة لبعض المواقف والقرارات السابقة التي اتخذها الرئيس محمد ولد عبد العزيز في تعامله مع الأزمة المالية، وقد تكون هذه مناسبة للعودة بشكل سريع إلى تلك القرارات والمواقف، كما أنها قد تكون أيضا مناسبة للتذكير ببعض المقالات التي كتبتها في ذلك الوقت، وذلك لأثبت للقراء الأعزاء بأني لم أكن في أي يوم من الأيام معارضا على طول للنظام الحالي، وبأني لن أكون كذلك، وبأني سأظل دائما أمتلك من الشجاعة ما يكفي لنقد النظام القائم، وما يكفي أيضا للإشادة بأي انجاز يقوم به.
في 17 سبتمبر من العام 2010 دارت معركة حاس سيدي بين عناصر من الجيش الموريتاني وعناصر من القاعدة، ولقد عارض الكثير من الموريتانيين عبور الجيش الموريتاني للحدود الموريتانية لخوض معركة داخل الأراضي المالية. ولقد اعتبر البعض بأن تلك المعركة ما هي إلا معركة تدخل في إطار الحرب بالوكالة التي يخوضها الجيش الموريتاني ضد القاعدة نيابة عن فرنسا.
في تلك الفترة اتخذتُ مواقف داعمة لتلك العملية ولما أعقبها من عمليات، ولقد اعتبرتُ بأن تلك العملية ستشكل بداية لتغيير الخارطة الجغرافية لساحة الحرب بيننا مع القاعدة، خاصة وأن الحكومة المالية كانت قد تركت أراضيها مستباحة للقاعدة، وكذلك لمن أراد أن يحارب القاعدة. ولقد بلغ بي الحماس لتلك المعركة إلى أن وصفتُ من يعتبرها معركة بالوكالة عن فرنسا بأنه هو أيضا يمارس الإرهاب بالوكالة نيابة عن القاعدة، ويمكن مطالعة مقال "الإرهاب بالوكالة" أو مقال "شكرا للجيش" أو مقال "الكلام المباح" وهي مقالات نشرتها في تلك الفترة، وقد خصصتُ آخرها (الكلام المباح) لنقد التغطية السلبية التي قامت بها وسائل الإعلام الرسمية والمستقلة لمعركة حاس سيدي، حيث تجاهلها تماما الإعلام الرسمي، أما الصحافة المستقلة فقد روجت كثيرا للرواية الجزائرية للمعركة، والتي كانت منحازة للقاعدة.
وفي مطلع العام 2013 وعندما قررت فرنسا أن تبدأ حربها في شمال مالي اتخذ الرئيس الموريتاني موقفا سليما من تلك الحرب، وأعلن الحياد، وأن الجيش الموريتاني سيكتفي بحماية حدوده. كان ذلك الموقف موقفا سليما رغم أن الحكومة المالية قد اعتبرته منحازا لخصومها. لقد خاضت موريتانيا وبمفردها معارك داخل الأراضي المالية ضد القاعدة، والتي كانت قد نفذت في أوقات سابقة عمليات إرهابية داخل الأراضي الموريتانية راح ضحيتها عشرات الجنود الموريتانيين، ولكن موريتانيا رفضت أن تحارب مع فرنسا كما فعلت بعض البلدان الإفريقية، وكان ذلك موقفا سليما، وقد أشدتُ به في عدة مقالات نشرتها في ذلك الحين : "تفكيك موقف" ، "لا تنديد.. لا تأييد... هذا هو موقفي من الحرب!!"
لقد كانت مواقف النظام الحالي في تعامله مع الإرهاب، وفي تعامله مع الأزمة المالية، مواقف شجاعة وسليمة حسب اعتقادي، ولذلك فقد أيدتها وأشدت بها وبحماس، ومن خلال مقالات كثيرة.
إن تلك المواقف الشجاعة التي اتخذها الرئيس محمد ولد عبد العزيز من الإرهاب ومن الأزمة المالية هي التي مكنت موريتانيا من أن تلعب دور الوسيط الناجح بين الحكومة المالية والأزواديين.
لقد نجح الرئيس عزيز في تعامله مع الأزمة المالية، وكذلك في مواجهة الإرهاب، وقد تمكن من أن يخفف من حدة المخاطر الأمنية الخارجية التي تهدد موريتانيا، ولكنه في المقابل فشل فشلا ذريعا في مواجهة التهديدات الأمنية التي تأتي من الداخل، ولذلك فقد انتشرت جرائم القتل والاغتصاب والسرقة في عهده، وقد وصلت إلى مستويات مفزعة ومقلقة لدرجة جعلت بعض السكان في بعض مناطق العاصمة ينظمون فرقا شعبية لتوفير الأمن في أحيائهم، وذلك بعد أن فشلت قوات الأمن في توفيره.
حفظ الله موريتانيا..