الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
أما بعد فبمناسبة الندوة المزمع تنظيمها في قصر المؤتمرات يوم الاثنين السادس والعشرين من شهر الله الحرام شهر رجب تحت عنوان (موريتانيا دولة إسلامية لا علمانية )
أتقدم بهذه السطور التي أكتبها بلغة مباشرة قريبة ليس فيها شيء من سحر الغموض ولا تعمق الفلسفة أكتبها تثمينا للعنوان ومساهمة في تجلية المفهوم فأقول وبالله التوفيق
قال الله عز وجل
(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )
تعظيم حرمات الله ،وتعظيم شعائر الله ،ونصرة الله ،ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وإقامة الصلاة ،وإيتاء الزكاة ،والأمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،والحكم بما أنزل الله ،والنصيحة لله ،ولكتابه ، ولرسوله ،ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ، والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا ، وحراسة الدين ،وسياسة الدنيا بالدين ،هي المعالم الثابتة في التمييز بين إسلامية الدولة وعلمانيتها ولتوضيح ذلك بشكل مختصر أقول:
1. لكي تكون الدولة إسلامية لا علمانية يجب أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع ، ويجب أن تكون جميع القوانين مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية ،وكل قانون يخالفها يجب أن يعتبر باطلا غير دستوري .
2. يجب أن يلتزم القضاء بالحكم بما أنزل الله ، فيحُل الحكم بالقوانين الشرعية محل الحكم بالقوانين الوضعية ، ويجب أن يكون البرلمان محكوما بالشريعة الإسلامية ،فلا يناقش قضية محسومة في الشرع ، ولا يحل ما حرم الله ، ولا يحرم ما أحل الله .
3. في الدولة الإسلامية لا بد من الرجوع إلى الإسلام عندما تكون هناك حاجة لصياغة أي قوانين تنظم جانبا من جوانب الحياة وعندما لا يستشار الدين في صياغة القوانين فإن الدولة تكون علمانية لا إسلامية ، ففي الدولة العلمانية لا اعتبار للدين ، فيمكن استيراد أيِّ نظام من أيِّ جهة من غير رجوع إلى أحكام الدين .
4. لكي تكون الدولة إسلامية عليها أن تسعى لأن تحقق في المجتمع الهدى والتقى والعفاف والغنى (يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى وعالة فأغناكم الله بى ومتفرقين فجمعكم الله بى )
5. في الدولة الإسلامية يعتبر الرئيس وكل المسؤولين وكلاء عن الأمة لا يجوز لهم أن يتصرفوا إلا طبقا لمصلحة الأمة ، وكل تصرف يقومون به خارج المصلحة يعتبر باطلا تطبيقا للقاعدة الشرعية (تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة ).
6. في الدولة الإسلامية المناصب أمانات يجب أداؤها إلى أهلها وأهلها هم أهل القوة والأمانة (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )وعندما يتم التعيين على غير المعايير الشرعية وتسند المناصب إلى غير أهلها فهناك يكون الهلاك (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الصلاة .)
7. العدل أساس الملك وإسلامية الدولة تقتضي أن يشعر الناس أنهم سيحصلون على حقوقهم إذا لجؤوا إلى القضاء ، وأن يكون العدل الذي لا يفرق بين العدو والصديق ، والقريب والبعيد هو الأساس ، وأن يكون القضاء مستقلا لا يخضع إلا لحكم الشرع وإحقاق الحق (ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )
8. " الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام؛ من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه." فمن معالم الدولة الإسلامية أن تكون فيها شورى حقيقية لا شكلية تُمَكِّن أهل الرأي من المساهمة في جلب المصالح للأمة ودرء المفاسد عنها واختيار من يقومون على أمرها ، وإذا كانت الشورى في الشرع مطلوبةً لفطام طفل (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ) فما الظن بها في الشؤون الكبرى للأمة ؟ أما مبدأ (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فهو مبدأ فرعوني يتناقض مع إسلامية الدولـــــــــــــــــــة .
9. لكي تكون الدولة إسلامية يجب أن تكون التربية الإسلامية مادة أساسية ثابتة في جميع مراحل التعليم ، وتحظى بالوقت الذي يتناسب مع أهميتها ،والضارب الذي يليق بها ، و يحفز الطلاب على الاهتمام بها .
10. يجب أن تحتل لغة القرآن المكانة اللائقة بها في المؤسسات التعليمية ،وأن تحظى بالوقت الكافي والضارب المناسب وأن يكون تدريس العلوم بها كما تفعل الدول التي تحترم لغتها وثقافتها .
وأن تكون هي لغة العمل .
11. لكي تكون الدولة إسلامية لا علمانية يجب أن تكون بيئة التعليم بيئة تسود فيها الأخلاق الإسلامية ،ويتم فيها الفصل التام بين البنين والبنات ،وتسهر فيها الإدارة على رعاية حرمات الله .
12. في الدولة الإسلامية يجب أن تكون هناك مراعاة لحدود الله في التعامل بين الجنسين في المستشفيات والمراكز الصحية فلا يلجأ النساء إلى الأطباء الرجال إلا عند الضرورة ، ويراعى في التكوين توفير العدد الكافي من النساء لتطبيب النساء ، أما في الدولة العلمانية فالفصل بين الجنسين ومراعاة حدود الله في ذلك ، والتعامل في هذا المجال بــــــــأحكام الشرع فقد يعتبر نوعا من التطرف
13. في الدولة الإسلامية لا يمكن أن يقوم التعامل على أساس موبقة الربا التي توعد الله المصرِّين عليها بالحرب ،بل يجب القضاء عليها وإحلال البنوك الإسلامية بشروطها الشرعية محل البنوك الربوية .
14. أن تطبق الحدود الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة في المجرمين ومن ذلك إقامة حد الردة ، وحد الرجم ،وحد الجلد ،وحد السرقة وحد الحرابة وتطبيق ذلك بصرامة كاملة .
15. أن يتم تحريم الخمر وتجريم التعامل بها استهلاكا وبيعا وترويجا ومعاقبة المخالفين بالعقوبة الشرعية .وأن يتم تطبيق حد الحرابة فى تجار المخدرات الذين يسعون إلى تدمير المجتمع المسلم .وعصابات السطو والخطف والاغتصاب .
16. أن تخضع حرية التعبير للشرع فيفتح الباب أمام حرية الأمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،والدعوة إلى الخير، وقول الحق ولو كان مرا ،ويغلق الباب أمام الإلحاد والزندقة ، والإساءة إلى المقدسات، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ،وتقام الحدود الشرعية الرادعة على المسيئين والمستهزئين .
17. أن يكون التعامل مع المواثيق الدولية على أساس الشرع فما رفضه الشرع منها رفضناه ،وما قبله الشرع منها قبلناه ،وأن تكون الأحكام الشرعية فوق هذه الاتفاقيات الدولية .
18. أن يخضع كل اتفاق تبرمه الدولة مع طرف أجنبي لأحكام الشرع فلا تدخل في حلف يستهدف الحرب على الدين ، والقضاءَ على الإيمان والمؤمنين ، وغرسَ العلمانية في بلاد المسلمين ، مهما كانت الذرائع التي يتذرع بها هذا الحلف .
19. في الدولة الإسلامية الأصل براءة الذمة ، والناس برآء حتى تثبت إدانتهم ، والتعامل يجب أن يكون على حسب الظاهر فلا يجوز التجسس على الناس ولا التنصت عليهم ، ولا دخول بيوتهم بغير استئناس واستئذان ، وعند ما تنتهك الدولة خصوصيات الناس فإنها تكون فد خرقت إسلاميتها .
20. من معالم الدولة الإسلامية أنها دولة هداية لا دولة جباية كما قال الخليفة الراشد : " إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا " وعند ما تتحول إلى دولة جباية لا دولة هداية فإنها بذلك تنقض إسلاميتها .
21. في الدولة الإسلامية أولو الأمر هم العلماء ، والعلماء هم أولو الأمر ، إليهم يــــُـــرجَع في حل المشكلات ، وبنورهم يستضاء في الظلمات ، وبحكمتهم يتم تجاوز الأزمات ،ولكي تكون الدولة إسلامية لا بد أن يكون لأهل العلم فيها مكان ُالقيادة والريادة والسيادة والتوجيه ، وعندما يتم تهميش العلماء ، ويتقرر أن يقودَ العوام ُّ أهلَ العلم فعلى إسلامية الدولة العفاء.
( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يــُـــــبــــْــق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسُــــــئلوا فأفتَوا بغير علم فضلوا وأضلوا )
تلك معالم في الطريق تساهم في تجلية مفهوم إسلامية الدولة ،وتمييز الدولة الإسلامية عن الدولة العلمانية . سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك