الإتحاد الإفريقي والتحديات الدولية / الشيخ أحمد ولد داداه

إفريقيا القارة العظيمة بموارده الطبيعية والبشرية وموقعها الإستراتيجي  الهام بقيت عدة قرون تحت وطأة الاستعمار الأوروبي الذي سيطر على الثروات وعطل المؤسسات السياسية مروجا لثقافة الرجل الأبيض  القادم من وراء البحار،

 مدعيا الأسبقية في الابتكار والإبداع العلمي معتبرا القارة الإفريقية عاجزة وغير مؤهلة حضاريا لمسايرة التحولات الكبرى في العالم .
لقد وصفو الأفارقة ظلما وتجاوزا على التاريخ بأوصاف لا تليق لا تثبتها الأركيولوجيا مثل التخلف العقلي وتراجع الذاكرة وعدم الفهم والعجز عن الإنتاج الحضاري ، كل هذا من أجل مد السكك الحديدية في القارة لنهب الثروات وبناء الموانئ لتصدير إنتاجها .
يعتبر القرن العشرين ، القرن الذي دفعت فيه إفريقيا ضرائب باهظة نتيجة المقاومة العسكرية والسياسية والثقافية  للاستعمار ، ذلك الاستعمار الذي حاول استيعاب القارة بزرع نظرية( فرق تسد) والعصبية القبلية كالصراع بين العرب والبربر من جهة والصراع الأهلي بين الأفارقة من جهة أخرى وذلك في بئة كانت مسالمة لا تقبل هذا النهج الدخيل نتيجة لتداخل التاريخ مع الجغرافيا من نهر السنغال إلى النيل ، ومن النيجر للكونكو في صحراء إفريقية ألفت المقاومة ورد المعتدي .
مرت إفريقيا بحركات تحررية كانت تنظر من وراء الأطلسي إلى مستعمر بغيض ، وتنتظر بفارق الصبر انبلاج شمس حرية تشع على الجميع ، كانت في مصر مع عبد الناصر ( ارفعوا رؤوسكم لقد ولى عهد الاستعمار ) ، وفي غانا كوامي  نكروما ( لا أرض الذل والهوان نحن نستحق أن نعيش  ) ، وباتريس لوموبا الذي أعطى درسا في الكفاح الثوري يستحق التدريس في الجامعات ، وبطولات الجزائر وثورتها الرائعة في الخمسينات ، وجهاد الشعب الليبي مع عمر المختار ، وانتفاضة المقاومة الموريتانية من كدية أهل عبدوك شرقا إلى بير أم اغرين  شمالا ، تلك الانتفاضة التي لم يستوعبها كبولاني حتى حدثته بندقية المجاهد سيدي ولد مولاي الزين عن قرب من قلعة تجكج عن لغة المقاومة وإكرام الضيف .
تقدم الأيام بوتيرة سريعة وتستقل القارة في ستينيات القرن الماضي وسط مناخ دولي صعب ( الحرب الباردة ) .
كانت النخبة الإفريقية لها تطلعات عظيمة من مؤتمر باندونغ 1955 م مرورا بمؤتمر اكرا 1958 م حول الاستقلال والحرية والتضامن والعلاقات الدولية .
وهكذا احتضنت أدس أبابا في 25 /03/ 1963 م الاجتماع التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية بعد صراع مرير بين التيارات الإفريقية القومية والتقدمية من جهة والفراكنفونية والمستقلة من جهة أخرى لتجسيد الحلم وإنشاء المنظمة كإطار جامع للأفارقة يتجاوز الحدود الضيقة للدولة ويفتح باب الأمل واسعا أمام قارة كانت مسلوبة الإرادة ومعطلة الموارد ومتهمة من قبل المحتل الغاشم .
حاول الأفارقة توظيف المنظمة وإدماجها مع منظمات تتقاطع معها في الأهداف ( عدم الانحياز ، الجامعة العربية ) لكن اكراهات المرحلة وتدخل الاستعمار والحروب الأهلية والبنية القبلية ظلت جدارا عازلا بين التنمية والديمقراطية والاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي ، فمن الصراع في السودان ، إلى أزمة الصحراء الغربية ،إلى الحرب في القرن الإفريقي ( الصومال ) ،إلى الكونكو ، وبروندي ورواندا   وساحل العاج ، والأزمة اتشادية الليبية ،وزيمبابوي .
تنتهي الحرب الباردة جروح القارة غائرة نزيفها في كل إتجاه  يشد أنظار ساكنتها ومعدلات التنمية متراجعة ، والمدرسة السياسية الإفريقية غائبة عن المشهد أو مغيبة نتيجة الصراع بين القوى العظمى على الكعكة الإفريقية الدسمة ، صورة إفريقيا  وقتها : الحرب ، الدمار ، الهجرة ، المجاعة .
مع مطلع 1999 م إتخذت كل من ليبيا ( معمر القذافي ) وجنوب إفريقيا ( تابومبكي ) قرارا وتوجها بضرورة تغيير ميكانيزمات منظمة الوحدة الإفريقية إلى الإتحاد الإفريقي  مع خلق إستراتيجية جديدة تمكن الإتحاد الإفريقي من مسايرة التحولات الجديدة في العالم ( النظام الدولي الجديد ) ، لتعقد أول قمة في سرت بتاريخ 9/9/1999 م يدعمها الثقل السياسي للدولتين ( ماضي المقاومة للتمييز العنصري ، وجاذبية مقاومة عمر المختار ) ضف إلى ذلك الوزن الصناعي لجنوب إفريقيا والمكانة الاقتصادية للدولة الليبية والمواقف السياسية والتحررية التي تبنتها مع ثورة 1969 م .
لقد أنشأت هياكل جديدة ( البرلمان الإفريقي ، المصرف الإفريقي للاستثمارات ، مجلس السلم  والأمن الإفريقي ) .
قام الإتحاد الإفريقي بعدة تدخلات ناجحة مدعوما بالمال الليبي فجففت منابع صراعات كثيرة وبدأ إسم القارة وتاريخها السياسي يكتب من جديد من طرف أبناء القارة  وكما يقال الرائد لا يكذب أهله ، والرائد هنا هو العقيد المهندس للإتحاد الإفريقي ، لكن رياح ما يسمى قلطا عند بعض النخب في العالم العربي بالربيع العربي اقتلعت أسس البناء الإفريقي من طرابلس وسط فوضى عارمة حولت المسار عن جنوب إفريقيا وخففت حرارة المشهد ليتراجع دور الإتحاد الوليد .
نحتفل اليوم بالذكرى 51 لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية وكأن الصورة الماضية التي شوهت القارة لا تزال العدسة التي تصور المشهد كله ، الصراع في جنوب السودان ، الأزمة في وسط إفريقيا، الصراع في مالي .
إن القرارات والاتفاقيات والمصالحات في أفريقيا إذا لم تجد بيئة حاضنة من الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية تبقى كفرحة الأعياد ينتشي بها الأطفال لمدة قصيرة ثم يتغير لون اللباس ويختفي طعم الحلوى في انتظار عيد جديد وفرحة جديدة  .

26. مايو 2014 - 14:04

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا