حتى لا يفوت الأوان! / أحمد صمب ولد عبد الله

 ليس من الحكمة أن تبنى السياسة على المراوغات واللهو في ما لا يقدم ولا يؤخر؛ ولا يعقل أن تكون الانتخابات استعراضا صوريا لا جدية فيه   ولا معنى ديمقراطي له. منذ ما يزيد على عقدين ونصف ونحن ننظم الإنتخابات، مواسم تلو الأخرى،

 وفي كل موسم نكرر التجربة ذاتها، بأخطائها وعلاتها، فنخرج منها بنفس المرارة ونفس الانتقادات، ونفس الاتهامات؛ وتبقى الأزمة السياسية تراوح مكانها، لا حل ولا انفراج طرأ عليها؛ ويستمر تبادل التهم بين المعارضة والنظام، كل يحمل الآخر مسؤولية الإنسداد السياسي الذي آلت إليه الأوضاع. قيل أن العاقل منزه عن العبث، فهل كنا إذا، إلا عابثين؟ أوَ لم نكن أصلا، عقلاء؟

        
           من المفترض، أن تَجرِي الانتخابات، في جو شفاف ومطمئن لجميع الفرقاء والمتنافسين، ليتسنى الحديث عن ديمقراطية حقيقية تستحق أن يحافظ عليها، بوصفها الوسيلة الأفضل لإدارة الشأن العام، وتمكين التناوب السلمي على السلطة، وإحلال العدالة والمساوات والتنمية المستدامة. لكننا، لو تمعنا بموضوعية وتجرد في ما تؤول إليه الإنتخابات عندنا، للاحظنا أنها، لم تصادف يوما، ذلك الهدف النبيل الذي أوجدت من أجله الديمقراطية في العالم المتحضر. فإنتخاباتنا، لا تنهي الأزمات السياسية، ولا تمنع من حدوث الإنقلابات، ولا تُحِل عدالة ولا مساواة، وكأن ما نسميه الديمقراطية ليس هو الذي عند غيرنا، ولا الإنتخابات تؤدي إلى ما تنتجة الإنتخابات عند الآخرين. فهل كنا إلا، عابثين عند ما اعتمدنا الديمقراطية، وكذلك، حين ننظم الإنتخابات؟ نعم، بالقطع لم نصدق مع ذواتنا ولم نكن جادين في اعتماد الديمقراطية بحق، ولا لتدبير الحكم والحيلولة من الإنقلابات و ما ينجم عنها من أزمات  وارتباك وفساد، وتعطيل للمشاريع الإستثماراتية، وإلغاء تمويلات واتفاقيات تنموية؛ إلى جانب الضرر الذي تلحق بمن كانوا في السلطة وحاشيتهم.

      كانت الإنقلابات هي العادة التي شب وترعرع عليها بلد المليون إنقلاب؛ وبعد كل إنقلاب يسجن أو ينفى الرئيس الذي أطيح به، ثم يأتي حاكم جديد، فيكرر نفس أخطاء سلفه وينخدع بنفس الخدع، ومن لدن نفس المتملقين. لم يكن  الرئيس الكونغولي، "لوران دزيري كابيلا" يتصور أن يغتال على يد حارسه الشخصي، كما لم يكن الرئيس معاوية ولد سيد أحمد لطايع يتوقع أن يُطِيح به كبير حرسه، ولا أن يدعم الإنقلاب عليه، أقرب المقربين منه. كان الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، أيام الإطاحة به، في وضعٍ أمنِي وإستقرار، أفضل مما عليه الأمن والإستقرار الذي ينعم به الرئيس محمد ولد عبد العزيز اليوم؛ وكانت الزبانية، التي تمجد اليوم محمد ولد عبد العزيز، أكثر تفان في تمجيد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطائع، وأكثر هيبة،  وأكثر إظهارا للولاء له، ومع ذلك كانت أول من ساند الإطاحة به، ونظم المسيرات والمبادرات دعما للحاكم الجديد!

    كان يقال في القديم، أن السلطان ليست له أمانة، ولكن تجربة الإنقلابات عندنا، أثبتت أن حاشية السلطان هي التي ليست لها أمانة؛ حيث لم يسلم أي سلطان من خيانة من كان يظنهم حلفاؤه، ولم ينجح أي إنقلاب، إلا الإنقلابات التي دبرها من كان يظنهم الرئيس، حماته وأمناء سره! تلك هي اللعبة، وهذه هي عقليات الحكام، فيا لها من عقليات لا تعتبر؛ ويال سحرهم من مخادعين، ينجحون في كل مرة بالتغرير بضحيتهم؛ ويال عقول حكامنا العابثة بذاتها والمتآمرة مع أعدائها ضد سلامتها، إِذْ يسجنون أو يطردون للمنفى بعد كل انقلاب، إن كتب لهم النجاة من المكيدات الدموية، كأن تسقط بأحدهم "طائرته في البحر" أو يأتي فرسان، فيقصفون قصره بالدبابات والطائرات".

    إننا اليوم نمر بمرحلة تأزم، تشبه التي كان يمر بها نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطائع : وضعية يكاد الأفق فيها ينسد في وجه كل الحلول السلمية والمتحضرة؛ والبلد محشور في عنق زجاجة، ولم يبقى من سبيل إلا الإنقلابات أو المواجهة العنيفة. كيف لا، والذين يتوخى منهم تهدئة الأوضاع، ويعول عليهم في اتخاذ المبادرات وتقديم الحلول، واحتواء المعارضين، هم الذين يدفعون في اتجاه التأزيم والانحسار؟ كان الأفق قد إنسد ذات الإنسداد الذي يشهده اليوم، في الأيام الأخيرة من نظام ولد الطايع، ولم يبقى مجال للتغيير السلمي، ولا للتعاطي السياسي، وعم اليأس واستسلم الكثيرون في وجه المبادرات الممجدة للحاكم المبجل، حتى خضع له كل شيء، وفجأة إهتزت الأرض تحت أقدامه هو وزبانيته، فأصبحوا حلم نائم، كأن لم يكونوا من قبل!

     تكاد الحالة السياسية اليوم، تعود إلى ذلك الخندق الإنتحاري الذي ذبح، على صخرة هَديهِ الوطن مرارا وتكرار باسم التغيير؛ بل يمكننا الجزم بأننا دخلنا فعلا، ذلك النفق، إذا لم يتدارك الجميع من أغلبية ومعارضة، ويفهم الكل مسؤوليته ويدفع باتجاه الحلول بدل التأزيم.
     وكيف لا تتأزم الأوضاع، ومن يفترض منهم العقل والحكمة هم من يدق طبول الحرب ويذكي الفتنة؟ لم يغب عن من تابع تصريحات الرئيس الجديد لحزب الإتحاد من اجل الجمهورية خلال الندوة التي خصته بها الإذاعة الوطنية، النزعة العدوانية التي تكلم بها عن المعارضة، وكأنه يتكلم عن أعداء للوطن لا شركاء فيه؛ كلام كان طابعه التخوين والاحتقار، كلام لا مساومة فيه ولا مجال لمصالحة ولا تفاوض، واصفا إياها بالهزلية والتافهة وغير العاقلة؛ وأوصاف أخرى لا تليق بمن يفترض منه احتواء الجميع.

    لا يغرنك هؤلاء! إنهم يدفعونك لارتكاب الأخطاء، ويسعون لإبعادك عن التصرف المعقلن والبناء؛ ذلك لأنهم يخافون أن تؤدي التهدئة مع باقي الطيف السياسي إلى تقليص امتيازاتهم. لن ينصحوك بما يخدمك لأنهم لا يخدمون إلا أنفسهم ولا تهمهم مصلحة الوطن ولا مصلحتك، وعندما يُنقلب عليك أو تُقتال، فإنهم أول من يصفق للمُنقلب عليك، وأول من يدعمه.

        إنهم لا أمان لهم ولا صاحب ولا حليف، حليفهم الأوحد هي مصالحهم الضيقة والإمتيازات التي يمكنهم تحقيقها معك، وإن أتيحت لهم مع غيرك، لولوك الأدبار وتنكروا لك، كأن لم يعرفوك من قبل؛ وما تمجيدهم للرئيس الذي أطحت به، معاوية ولد سيد احمد لطايع، وقصائدهم الشعرية، وأغانيهم وتمجيد هم له، ببعيد. سيخدعونك إن لم تحذر ويجعلونك في مواجهة مع كل ما سواهم، وحين تندلع الأزمات يذكونها، وعند ما تنتصر فهم المنتصرون، وإن هزمت، فأنت وحدك المهزوم.

"أسمع كلام امبكينك..."!

    سَيُزَينون لك خوض الإنتخابات دون مشاركة أحزاب المعارضة، ويقللون من أهمية مشاركتها! إنهم يخدعونك، فلا تنخدع! إن إعداد الانتخابات من دون مشاركة باقي الطيف السياسي، لا يخدم الوطن ولا يخدمك أنت خاصة. أنت هو رئيس الجمهورية، ويفترض منك احتواء الجميع؛ وأنت رئيس الإتحاد الإفريقي، وعليك أن تكون نموذجا وقدوة لكل الأفارقة، في ممارسة الديمقراطية والإنفتاح على الشركاء السياسيين.

       إن الأزمة السياسية التي نشهدها اليوم، تعود جذورها إلى الإنقلاب الذي قُدته وأسميته حينها، أو سماه بعضهم، بالحركة التصحيحية؛ ولكن كل ما قيمت به، منذ ذلك الحين وحتى الآن، بغية الإصلاح، لم يطمئن الشركاء ولم ينجح في رأب الصدع. وبالرغم من يعقد الموقف، فإن الوقت لم يفت بعد، ومازال بإمكانك الإصلاح، إن كنت حقاً جاد في ذلك، فالمفاتيح بيدك وموازين القوى يبدو أنها في صالحك، ولا شيء يعيق الوصول إلى اتفاق يخرج البلاد من الأزمة، إلا أن تتخذ أنت، المبادرة.

         أنت بادرت في السابق، وكنت  شجاعا، فأنقلبت على الرئيس السبق معاوية ولد سيد أحمد الطيع، بعندما انهزم أمامه الجميع وكاد يستسلم له عتاة المناضلين؛ ثم كنت شجاعا إلى حد التهور وانقلبت على رئيس منتخب، سيدي ولد الشيخ عبدالله، وأنت تعلم أنك ستواجه العالم بأسره جرَّاء فعلتك، ثم طردت الصهاينة في ذات الخضم، ولم يكن ذلك بالشأن البسيط؛ وهزمت الرصاص لما اخترقك، ولو استسلمت لروعه لأهلكك. ليست الشجاعة ما ينقصك، فما الذي يمنعك إذا من أخذ المبادرة بذكاء وحكمة وإقدام، والسعي بجدية إلى حل الأزمة.

      لا تذهب للإنتخابات وحدك، فلن يكون لنجاحك معنا، إذ أنت لم تهزم إلا مترشحي الطابور الثاني أو الثالث الذين هم من يتواجدون اليوم معك في الحلبة، وبإمكانك هزيمة مرشحي الطابور الأول بجدارة. أنت لن يهزمك إلا أنا، وأنا لا زال لم يفسح لي المجال، فما الذي تخشى إذا؟

          لا تستمع لوزير الإعلام، والذي كان السبب، ويتحمل وحده المسؤولية في إفشال الحوار الأخير، إذ كانت تنقصه المرونة والخبرة في دواليب الحوارات؛ ولا تستمع لرئيس حزبك، الدكتور إزيد بيه، الذي تنقصه هو الآخر، الحنكة والفطنة السياسية المطلوبة ممن يدير حزبا حاكما - يمكن القول أنك لم توفق في إختيار قادة حزبك، أو أن القادة الأوائل كانوا أفضل ممن استبدلتهم بهم - فلا تستمع لهؤلاء، وبادر بحل الأزمة. كلف الوزير الأول بالإتصال بأحزاب المعاهدة وأحزاب المنسقية وبالمنتدى، واستأنف الحوار من جديد، وليكن في أجندته :
- تأجيل الإنتخابات؛
- حل اللجنة المستقلة للإنتخابات واستبدالها بلجنة توافقية أخرى؛
- إعادت صياغة المجلس الدستوري؛
- تحديد مواعيد للإنتخابات الرئاسية والإنتخابات البلدية والنيابية.
فإن وفقت في اتخاذ هذه القرارات وتوصلت لحل الأزمة السياسية وجعلت موريتانيا على المسار الصحيح، فستكون نموذجا في إفريقيا، ويخلدك التاريخ كأحد أبرز وأقوى من حكم الوطن.

26. مايو 2014 - 14:07

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا