تأمّلات حول لهجات القبائل العربية / إسلم ولد سيد احمد

لوتأمّلنا ما يُروَى من اختلاف بيّن، في الصوت والبنية والتراكيب... بين لهجات العرب-قديمًا-والفروق الكبيرة بين اللهجات العربية الحديثة، لا ستنتجنا- وهذا أمر معروف- أنّ لغة قُرَيْشٍ كانت- قبل نزول القرآن الكريم- أفصحَ لغات القبائل العربية،

 ثم ازدادت فصاحةً بعد أن شرّفها الله تباركَ وتعالَى بنزول الوحي بها، وانتشرت بانتشار الإسلام في أرجاء المعمورة. يقول الفرّاء: " كانت العرب تحضر الموسِم في كل عام وتحجّ البيتَ في الجاهلية وقريش يسمعون لغات العرب فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به فصاروا أفصحَ العرب وخلت لغتهم من مُسْتَبْشَع اللغات ومُسْتَقْبح الألفاظ" (انظر: محاضرات-منشورة إلكترونيا- للأستاذ/ علاء كاظم حاسم الموسويّ/ جامعة حلب، بعُنوان: اللهجات العربية المذمومة). الاستنتاج الآخَر- المُؤكَّد والمعروف كذلك- هو أنّ اللهجات(العامّيّات) العربية المعاصرة لا تصلح-بَتَاتًا-لأن تحلّ محلّ اللغة العربية الفصحَى، وذلك لأسباب كثيرة لا يتسع المقام لذكرها، وقد سجلتُ العديد منها في بحوث منشورة إلكترونيّا، وتحدثتُ عن الموضوع-بصفة خاصة- في سِلْسِلَتَي"الرقيب اللغويّ"، و"تفصيح العامية"، المنشورتيْنِ إلكترونيا وفي مدونة "اللغة العربية أمّ اللغات". ومِن ثَمَّ، فإنّ الفصحَى هي وحدها- دون منافِسٍ-القادرة على أن تكون لغة التعليم(في جميع أنواعه ومستوياته)، ولغة الإدارة، وجميع المرافق الحيوية، ولغة التواصل بين العرب فيما بينهم، وبين العرب والعالم الخارجيّ، وبين المتعاملين باللغة العربية، سواء أكانوا عربا أم غير عرب.
وقد ارتأيت أن أشير إلى نماذج/ أنمُوذَجات مختارة من اللهجات العربية القديمة، لتبيان ما تعج به من اختلافات-فيما بينها-ومن اختلالات وانحرافات غريبة/ مُستنكرَة، في بعض الأحيان، بالنسبة إلى اللغة العربية الفصحى. الأمر الذي يجعلنا نعتمد على الفصحى في المجالات التي لاغنى عنها فيها، ونتعامل مع اللهجات العربية القُطرية(والجهوية داخل القطر العربيّ الواحد)، في المجالات التي تناسبها، ولا تعارض بين هذين المستويين اللغويين اللذين يكمل أحدهما الآخر، قديما وحديثا. وذلك على النحو الآتي:
1-الْكَسْكَسَة: في لغة ربيعة ومضر، يبدلون الكافَ سِينًا، مثل: أُمُّسَ، في:(أُمُّكَ)، أَبُوسَ، في:(أَبُوكَ). وجاء، في المعجم الوسيط، أنها، في لغة هوازن: هي إلحاق كاف المؤنث سِينًا عند الوقف دون الوصل، فيقولون: أَعْطَيْتُكِسْ، ومِنْكِسْ، في: أَعْطَيْتُكِ، ومِنْكِ.
2-الشَّنْشَنَة: في لغة اليمن، هي، إبدال الكاف شِينًا مُطْلَقًا، مثل: لَبَّيْشَ(لَبَّيْكَ). مع ملاحظة أنّ: الشِّنْشِنَة(بكسر الشينيْن): العادة الغالبة. وفي المثَل: "شِنْشِنَة أَعْرِفُهَا في أَخْزَمَ": يُضرَب في قرب الشبَهِ في الخُلُقِ.
3-الكَشْكَشَة: في لغة أسد وربيعة: يجعلون الشينَ مكانَ الكافِ في خطاب المؤنّث، فيقولون: عَلَيْشِ، في: (عَلَيْكِ). ومِنْشِ، في: (مِنْكِ). وربما زادوا، بعد الكاف المكسورة، شِينًا، فقالوا: عَلَيْكِش، في: عَلَيْكِ(الوسيط).
4-الاسْتِنْطاء: في لغة سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والأنصار: جعل العين الساكنة نُونًا، إذا جاورت الطاءَ، مثل: أنْطِي، في: أعْطِي، وأَنْطَيْتُ، في: أَعْطَيْتُ.
5-الْفَحْفَحَة: في لغة هذيل وثقيف: إبدال الحاءِ عَيْنًا، وهي نادرة/ وشاذة، مثل: عَتَّى، في: (حَتَّى).
6-الْعَجْعَجَة: في لغة قضاعة، يقلبون الياءَ جِيمًا بعد العيْن وبعد الياءِ المشدَّدةِ، مثل: الرَّاعِج، في: (الرَّاعِي)، والكُرْسِج، في: (الكُرْسِيّ).
7-الطُّمْطُمَانِيَّة: العُجْمَة. وطُمْطُمَانِيّة حِمْيَر: ما في كلامهم من لهجة مُنكَرَة، كقلبهم اللام في أداة التعريف مِيمًا، فيقولون: طَابَ امْهَوَاءُ، في: طَابَ الْهَوَاءُ(المعجم الوسيط). وبعضهم ينسبها كذلك إلى طيّئ والأزد.
8- العَنْعَنَة: عَنْعَنَ فلان عَنْعَنَةً: لفظ في كلامه الهمزةَ كالعَيْن. وهي لغة لتميم(الوسيط).وبعضهم ينسبها كذلك إلى لغة قيس، إذا وقعت العين في أول الكلمة. وعَنْعَنَ الرّاوِي، قال في روايته: رَوَى فلان عن فلان عن فلان.
9-الوهم: مَا يَقَعُ في الذهن من الخاطرِ. وفي لغة كلْب: يقولون: مِنهِم، وعَنهِم، وبَينهِم، وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة.
10-الوَكْم: وَكَمَ فلان الكلامَ، قال: السلام عليكِم(بكسر الكاف)، في: "عليكُم"(الوسيط). وبعضهم يقول إن"الوكم"، في لغة ربيعة، هو: قولهم: بكِم، وعليكِم، حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة( انظر: محاضرات أ. علاء كاظم، المشار إليها من قبلُ).

1. يونيو 2014 - 9:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا