عام المبادرات.. من يضحك على من ؟ / سيد المختار ولد احمد الكاري

مع إشراقة كل يوم في بلادنا لايخلو فندق، ولا ساحة عمومية، ولا منزل أو مكتب من حفل انضمام مبادرة، أو تجمع، أو تنظيم لهذا المرشح أو ذلك، وبطبيعة الحال استحوذ الرئيس الحالي على نصيب الأسد والقط وابن آوى وباقي أفراد مجموعة الغابة.

والغريب في الأمر إن أصحاب هذه المبادرات كلهم داعمون أصلا للرئيس فالأوجه التي شاهدناها على الشاشات وسمعناها في الإذاعات هي في اغلبها أوجه من الحزب الحاكم  فهل يعني هذا أنهم كانوا يبخلون بجهودهم أم ماذا؟
حمى المبادرات هذه تطرح سؤالا محيرا أينا يضحك على الأخر في هذا البلد الذي بات يستحق بجدراة لقب بلد المليون مبادرة بدل المليون شاعر..
في صيف 98 كنت مع احمد ولد داداه خلال زيارة له لأبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكان من بين الحضور من طالبه بالتخلي عن ممارسة السياسة مبررا ذلك بان الشعب الموريتاني لا يستحق كل تلك التضحيات، بسبب تجذر ثقافة النفاق والتزلف لنظام ولد الطائع يومها، لكن ولد داداه رد عليه بان الشعب الموريتاني شعب ذكي يتحين الفرص وعند إيجاد أول فرصة للتغيير سيعرف رأيه الحقيقي.
قد لايجانب رأي ولد داداه الصواب، لكن الحقيقة أن الشعب في غالبه الأعم محكوم بعقليات بائدة، ومازالت تتحكم فيه قوى تقليدية (اجتماعية، ودينية) أدمنت التعاطي مع الحاكم والتمسح بعتباته أيا كان، وتلك واحدة من أكبر العقبات التي تعترض طريق التغيير.
ما نشاهده اليوم عبارة تمظهرات كرنفالية تقودها مجموعات "سياسية" لتحقيق أهداف آنية، يعتقد الكثيرون أن لن تتحقق دون إظهار المزيد من "الدعم" ولو كان كاذبا لساكن القصر الرمادي، الذي يخوض اليوم انتخابات أشبه ما تكون بإحماء رياضي استعدادا لما هو أهم.
في 2008 أيام الانقلاب على الرئيس ولد الشيخ عبد الله حدثني من كان حاضرا لاجتماع  في القصر الرئاسي الذي طالب فيه الحضور الرئيس بالترشح وأشادوا به قبل أيام من  توليه السلطة، أن الرئيس قال له أنا خدمت سنوات في هذا القصر وقد سمعت الكثير يقال لولد الطائع، وهذا الكلام يدخل من هنا ويخرج من هنا مشيرا إلى أذنه .

لكن الغريب أن الرئيس نفسه بدأ يصدق هذا الكلام مع مرور الوقت، وربما يكون من سكن القصر الرئاسي مسكونا بحب الاستماع إلى مثل هذه السيمفونية التي يعرف قبل غيره أنها تصدر عن أنفس كاذبة خاطئة.
لسنا ندري على أية حال لكن المؤكد أن كل هذه الضوضاء التي تصم الآذان لايمكن أن تكون صادرة عن نفوس مؤمنة بما تقول وإلا لما احتاجت لهذا السيل من الكلام المنظوم والمنثور لإقناع الرأي العام والرئيس بقدسية الأهداف والمنطلقات ونبل المقاصد.
ما من شك في أن المجتمع الموريتاني أصيب بضربات موجعة خلال العقود الماضية أصابته في قيمه وموروثه الديني والثقافي والاجتماعي، ومن المؤكد أن لسلطات البلاد العليا دورا أكبر في تجذير هذه الثقافة وتكريس هذا التوجه، وإلا لما وصل إلى ما وصل إليه اليوم.
ويمكن القول إن هناك أكثر من طرف يضحك على الآخر، أوله الحكومة التي تتغاضى عن هذه المهازل، وثانيها الرأي العام الذي يتعاطى مع مهندسي ثقافة المبادرات، وثالثها الاعلام الذي يروج ويسوق..

1. يونيو 2014 - 9:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا