الدولة العزيزية وجوانب الخلل ؟ / يحي عياش محمد يسلم

يرى المفكر الإسلامي محمد الغزالي في كتابه (الإسلام والإستبداد السياسي) أن يزيد بن معاوية شاب تافه لايصلح لأن يلي أمر مدرسة ابتدائية حتى يلي أمور الدولة !!!

وإذا كان بعض المفكرين يعتبرون في هذا الكلام حيفا على يزيد الذي كانت له رغم فسقه واستبداده دراية بالشأن العام وقدرة على الإدارة والتسيير فإنني وجدت من بين حكامنا الحاضرين من قد يكون أولى بهذه المقولة من يزيد .
فقد كان يزيد حاكما فاسقا مستبدا لاكن درايته بالشأن العام وولاءه للأمة لم تغيره مصالحه الشخصية ولم يؤثر فيه الأجنبي ولذا كان حكمه رغم انحرافه حكما وطنيا لايفرط في شبر من حدود الأمة ولايقدم ثرواتها للأجنبي ولايجوع في أرضه ذمي ولامسلم .
وربما كان أحد الحكام العسكريين في القرن الواحد والعشرين أولى من يزيد بهذه المقولة فهو يشترك مع يزيد في كونه حاكما عسكريا مستبدا يسعى وراء مصالحه الشخصية لاكنه لم يمنح كفاءة يزيد وخبرته في إدارة الدول ولم يحظ بوطنية يزيد وولاءه للأمة واستقلاله عن إرادة الأجانب ولم يقدم لبلد صغير المساحة كثير الثروات ماقدمه يزيد لأمة تشغل أكبر مساحة من الكرة الأرضية.
بل قد يكون من باب المزاح أن نقارن بين حاكم قوي كيزيد قاد حضارة لم يعرف العالم لها مثيلا فوسع ملكها وجلب لها خيرات الارض وبين حاكم ضعيف يحكم بلدا ضعيفا ترتفع فيه الأسعار وينتشر فيه الفقر وهو عاجز عن استغلال موارده ولايستحي من نهب ثرواته وتقديم خيراته للأجنبي .
إنه ضابط ورث الحكم في موريتانيا بعد سقوط العقيد معاوية ولد سيد أحمد للطائع كما ورث يزيد الخلافة بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه .
إلا أن يزيد استبد بالناس في عصر الإستبداد وزمن المستبدين أما الضابط المعطوف عليه فقد استبد بالناس في عصر ينعم أهله بالحرية وتداول السلطة وتسود فيه العالم أنظمة ديموقراطية ولم يبال بانتشار الحريات وتحريم الإنقلابات وسيادة الشعوب.
ولست بحاجة إلى الحديث عن اغتصابه للسلطة ونهبه للثروة وإفشاله لأداء أول رئيس منتخب من خلال حملة إعلامية قذرة تلاها انقلاب عسكري مشؤوم لم يجن منه البلد غير الأزمات ولم تجن منه الشعوب غير ارتفاع الأسعار وتردي الخدمات الضرورية وتفشي الفساد والنهب.
لست في حاجة إلى الحديث عن ذالك فهو واقع ملموس لمن يلقي نظرة على الأزمة السياسة وعلى الأزمة المعاشية وعلى الأزمات الأمنية والعرقية والأخلاقية التي أوصلنا إليها الإنقلاب وضابطه المتيم بالسلطة !!!
لذالك سأتجاوز هذا إلى الإجابة على سؤال يتردد في ذهن المواطن العادي وهو أين يوجد الخلل في الدولة العزيزية وقائدها الغريب ؟؟؟؟؟
وقد اخترت هذا المصطلح (الدولة العزيزية) لأنه لاتوجد دولة حقيقية تستحق أن نتحدث عنها بمعزل عن شخص الرئيس ولأن الحديث عن شخص الرئيس بمعزل عن الدولة لايستقيم أيضا .
فالخلل في الدول الفاسدة لايقتصر على الرئيس بل يرتبط بالدولة والدولة في ظل الرؤساء الفاسدين دولة هشة ترتبط بشخص الرئيس.
مما جعل من الوارد أن نتحدث عن الدولة من دون أن ننسى أنها دولة فرد لادولة مؤسسات .
وأعيد طرح السؤال من جديد حتى يكون حاضرا في ذهن القارئ وهو :ماهي جوانب الخلل في الدولة العزيزية ؟؟؟؟
لانستطيع أن نحصي مظاهر الخلل والقصور في هذه الدولة والتي تكفي للحكم عليها من منظور سياسي وإنساني.
وسنحدث عن عدة مظاهر في هذه الدولة تدل على هشاشتها سياسيا وأخلاقيا وعدم قدرتها على تحقيق رغبات الافراد وحماية مصالح الشعوب :
1 ـ الخلفية العسكرية : حيث تدار هذه الدولة من طرف ضباط جاهلين استحوذوا على مفاصل الدولة ووصلوا للسلطة عبر انقلاب عسكري .
وهذه الخلفية العسكرية تسحب من هذه الدولة ركنين أحدهما ركن الكفاءة وثانيهما ركن الشرعية .
فهي تفتقر إلى الكفاءة لأنها تدار من طرف ضابط جاهل لادراية له باللشأن العام وهي تفتقر إلى الشرعية لأنها لاتحكم بإرادة الشعوب بل بإرادة الضباط .
2 ـ الأهداف الضيقة : من أهم نتائج الخلفية العسكرية (الأهداف الضيقة) فالأنظمة العسكرية عادة تعمل لتحقيق أهداف الضباط ونزواتهم الضيقة ولاتسعى إلى تحقيق المصلحة العامة للبلد وهو ماجعل أهدافها ضيقة لاتلبي حاجيات الشعوب وتطلعات الأمم بقدر ماتستوعب أهداف مجموعة قليلة من الناس .
ولذا نجد جميع الأنظمة العسكرية التي حكمت بلادنا فشلت في تحقيق شعاراتها ورغم أن تك الشعارات تضخمت مع النظام الحالي إلا أن الفشل في تحقيقها تضخم أيضا فقد تزايد الفقراء وتضخمت البطالة وتدهورت الصحة وكل ذالك يرجع إلى شيء واحد هو طبيعة الأهداف التي يسعى إليها العسكر والتي هي أهداف ضيقة لاتتسع لغير رغبات الضباط ونزوات الوزراء وأغراض الطبقة الحاكمة .
ولعل أبرز مؤشر على ضيق الأهداف التي بنيت عليها الدولة العزيزية هو تضخم ممتلكات الرئيس التي أصبح يتحدث عنها القاصي والداني في الوقت الذي تضاعف فيه عدد الفقراء والعاطلون عن العمل .
3 ـ الممارسات المنحرفة : لاتعد ولاتحصى الممارسات الفاسدة في ظل الدولة العزيزية ورئيسها الفاسد الذي بدأ حكمه بانقلاب عسكري ولانستطيع أن نحصي قصص الظلم واستغلال النفوذ ولسنا بحاجة إلى الحديث عن ممارسات النهب والفساد وانتهاك القوانين وقمع المظاهرات ناهيك عن الفضائح التي شاعت في وسط المسؤولين الكبار وتلطخ بعارها الرئيس والوزراء وعمال السفارات الخارجية.
وكان آخر ممارسات النظام العزيزي حله لجمعية ثقافية يرأسها الشيخ محمد الحسن ولد الددو في الوقت الذي توجد جمعيات تنصيرية تعمل بمرأى ومسمع من الدولة ومن وزارة الشؤون الإسلامية!!!
4 ـ استغلاله لشعارات الدين واستخدامه لوسائل الدولة: حيث يلاحظ المتابع لحملات هذا النظام انه يعتمد على شيئين: أحدهما شعارات الدين وثانيهما وسائل الدولة.
ولذالك نجد في حملته الوزراء والعلماء ونجد فيها أئمة المساجد ورؤساء الإدارات ونجد فيها مال الدولة وإغراءاتها مصحوبا بفتاوي الدين وشعاراته .
وهو مظهر من مظاهر الفساد والإنحراف كان مألوفا في عهد الإمبراطوريات القديمة التي تعتمد على رجال المال كما تعتمد على رجال الدين .
وقد كشفت الإنتخابات النيابية الماضية عن الوجه الحقيقي للنظام وأكدت للجميع زيف ديموقراطيته وأذاقتهم مرارة دكتاتوريته وتعجب سكان الداخل وهم يشاهدون أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين يهددون الناس جهرا بالإضرار بمصالحهم إذا لم يصوتوا لمرشحي النظام !!!
5 ـ عمالته للخارج : حيث يسخر موارد البلد لصالح الأجانب خصوصا فرنسا صاحبة النفوذ التقليدي في بلادنا ويمكن أن نورد الإتفاقية التي أبرمها النظام مع الصين كدليل على استفادة الأجانب من هذا النظام وتأثيرهم على قراراته .
وفي عدة بلديات في العاصمة تتولى الشركات الأجنبية مسؤولية النظافة وتتقاضى مقابلها مالا وفيرا مع أن كميات القمامة الموجودة في شوارع هذه البلديات تدل على عدم قيام هذه الشركات بمهمتها واستغلالها المجاني لثروات البلد.
وليت الأمر يقتصر على الجانب المادي لاكنه تجاوزه إلى قيم المجتمع وأخلاقه فقد تزايدت الكنائس والجمعيات التنصيرية في ظل سكوت وتجاهل من النظام ليثبت بذالك أنه يحرص على القروض الأجنبية أكثر من حرصه على قيم المجتمع وعقيدته.
ولعمري إذا كانت هذه هي الدولة العزيزية وتلك هي جوانب الخلل فيها فإن الحديث عن إخفاقات هذه الدولة يحتاج إلى مقال آخر يسلط الضوء على ماغاب عن الإعلام الرسمي من معاناة المواطنين وإخفاقات النظام ويكشف الغطاء عن السياسات المظلمة التي يتعامل بها النظام العزيزي مع ملفات الوطن وأزمات المواطن.

2. يونيو 2014 - 8:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا