الحملة بين ضعف التنافس والحسم المسبق / عبد الفتاح ولد اعبيدن

 تعود الموريتانيون على الحملات  ،  خصوصا الحملات الرئاسية  كفرصة للسهر  والسمر ، بالنسبة   الغالبية  ، ورغم  عدم  نموذجية  الانتخابات  عندنا ، إلا أن التنافس  طبع أغلبها  ،  منذو  انطلاق  التعددية   مع مطلع التسعينات  .

إلى أن جاءت انتخابات 2014 ، في جو من المقاطعة  والمنافسة الضعيفة  ، بل  والهزيلة  على الأصح .

لتتحول إلى مجرد أداة  لتمكين ولد عبد العزيز ، الحاكم العسكري الحالي ، من عهدة  رئاسية ثانية  دون عناء كبير  ، سوى ما سيبذل من أجل الحرص  على رفع  نسبة المشاركة ، التي تهددها مقاطعة المنتدى، مما سيدفع أنصار عزيز  إلى التركيز على موضوع  رفع نسبة المشاركة ، ولو عن طريق المسلك  المعروف التقليدي، التزوير.
لا يختلف اثنان  تقريبا  في أن النتيجة  النهائية  لصالح عزيز ، أي الفوز، لأنه  ينافس بمقدرات الدولة،  والتي أولها مها بة الناس  للدولة  ذاتها ، خوفا  على مصالحهم  الضيقة ، ولأنه أمن نفسه من خطر  المنافسة  الحقيقية ، عبر عرقلة  الحوار ، فجاءت الرئاسة  مرة أخرى  على طبق من ذهب ، دون  أن يشك  في احتمال  خروجه من القصر الرئاسي .
هذا هو ملخص المشهد  الانتخابي المرتقب  بعيدا عن جو المنافسة  الجادة  الحقيقية ، وبعيدا عن ضمانات  الشفافية ، وسط يقين بأن هذا السرك الانتخابي   المنتظر  لن يسير ذات اليمين  أو ذات الشمال ، وإنما  سيحقق  للرئيس الحالي أمنية بالبقاء  خمس سنوات  قادمة ، على رأس هرم السلطة  دون مضايقة  إلا من الشارع ، إن استمرت جهود المنتدى  في التحريض  ضد النظام القائم ، عسى أن يتخلص  الشعب المغلوب على أمره  من هذا الكابوس  الثقيل  المتمادي في التسيير الأحادي  للشأن العام .
إذن الحملة الرئاسية  كأنها لم تقع  ، والانتخابات الحاكم المتغلب في غنى عنها ، لولا حاجة  الساحة  المحلية  وخصوصا  الدولية  للتوقيع  بأن السلطة  بررت  بقائها عبر انتخابات  شكلية ، خالية من المضمون  المفحم .
هذا الواقع الانتخابي  والسياسي  المتدني المفلس ، مسؤوليته  على من؟ طبعا على الجميع  دون استثناء ، وخصوصا  المؤسسة العسكرية ، ونعني شطرها الانقلابي  بوجه خاص ،  والنخبة -  المفترض- أن تكون  واعية ، والتي اختار كثير منها  التوقيع للانقلابيين على بياض، لأن  هؤلاء النخبويين  المثقفين – ولو اسما-لا يريدون البقاء  في عزلة في وطنهم ، بعيدا عن مسرح الحياة النشطة ، في جو من شعار  وحجة واهية ( اتركوني أعيش)! .
رغم هذا الفشل  في تأسيس حياة ديمقراطية  ناجحة  حيوية ، إلا أننا نتمتع  ببعض الحرية المعاقبة ، فكل صحفي حر يكتب ما يريد ،يحرم  من منافع مهنته ( من أغلب  الإعلانات  والاشتراكات )وكل سياسي معارض فهو في عقر دار البطالة ، ومهدد  دائما بالسجن  والاعتداء اللفظي " إن لم يكن الجسدي .
هذه هي حملتنا وانتخاباتنا .
وتجارنا يدفعون  مرغمين ،فقرابة 6مليارات أوقية قد تمت جبايتها  حتى الآن،  حسب مصادر مطلعة ، بمعدل 100 مليون  على البعض و200مليون على بعض  المصارف المتميزة ، وتعلمون أن  عدد المصارف  عندنا يقارب العشرين ، مابين محلي  وممثل  لمصارف  أجنبية.
وطبعا قد لا يسلمون من العقاب  إن انتهت  الحملة  الرئاسية ، بحجج متنوعة ،لأن فلان  مثلا لم يدفع ، أولم يكن  متحمسا  بالقدر الكافي  .
وهكذا فتجارنا  يرتعشون ، من هذا النظام  الذي سجن أعيانهم  وحشرهم في الزاوية ، وخلق فريقه الخاص  من كبار رجال الأعمال ، وضايق  اللاعبين القدامى ، وألزمهم بدفع  غرامات  هائلة  ومستمرة ، بمجرد  حصول مناسبة سياسية  للدفع والصرف ، بغض النظر  عن ظروفهم  المالية  ومعاناتهم  الخاصة .
إنه نظام ابتز  رجال الأعمال  واضطرهم لتعلم  ممارسة السياسة ، رغم عدم  رغبتهم  الأصلية  في ذلك المنحى،  لأنهم خلقوا للأسواق بالدرجة الأولى، ولا يناسب أغلبهم  مجال  الخطابة  والتجمعات السياسية  والجماهيرية .
إلا أن كل صاحب مصلحة  أصبح مضطرا  لتعلم شيء من فنون الظهور  والإلقاء السياسي،  يحفظ به بعض  مهامه  وحظوظه  الراهنة أو المنشودة !.
جو ضاغط بعيد  من الجو الديمقراطي  الحقيقي  المفترض ،لكنه  لم يمنع كثيرين من الصبر على الحق ، واختيار مقاطعة  هذه المهزلة  الانتخابية  الحالية،  عسى أن تنبت أرضنا يوما سلطة وشعبا لا يريدان إلا الديمقراطية   أو الشورى  بعبارة أخرى  ، تمكن  للحق بعد أخذ استشارة  الجميع  عبر صندوق  الاقتراع مثلا ، وبالأساليب  السلمية والسليمة  الملائمة  لقيمنا الإسلامية ، التي ينبغي أن نتمسك بها ، ونضعها دائما نصب أعيننا ، ومحل تشبثنا بعروتها الوثقى .
إننا شعب مسالم نفضل الاستقرار ، على ما سواه  من الخيارات  غير المأمونة  ، ولكن  العصفور  حين يسجن  مع الغذاء  والأمان  والحرمان  من الطيران  وحرية التحرك ، تراه عندما يفتح القفص  يفضل الانطلاق  بعيدا عن سجنه الصغير.
فلا يستغرب أحد إن جنحت  السفينة الموريتانية يوما ما، إلى مسار  آخر  مما ملته من الحرمان  من الحقوق ،فطول السجن  والضغط قد يولد الانفجار تلقائيا.
فينبغي أن نحسب  لذلك حسابه  الدقيق الحازم ،قبل فوات الأوان ، ولات حين  مناص أو مندم .
إن هذا الوطن  ينبغي أن لا يظل مخطوفا من يد مستبدة  إلى أخرى ، فذلك مصير مؤلم  لا يرضى أبنائه البررة .
والله خير حفظا وهو خير الرازقين بمن ينقذه  من هذا الهوان المستمر 0
وإن كانت الثورة المصرية  المضادة  قد أبقت الانقلاب  - عربيا - على الأقل ، كصيغة متاحة  للتغيير، رغم  فظاعته  الأخلاقية ،وكلفته العميقة خصوصا في مصر  ،أرواحا  واقتصادا وأمنا  وغير ذلك ، فإن منهج عزيز في موريتانيا ،إن صح هذا الإطلاق ، قد مثل أسلوبا "رفيعا" في تفريغ الديمقراطية  من مضمونها ،رغم الإبقاء على هيكلها  الخارجي ، تعددية ، صحافة ، أحزاب ، نقابات ، تجمعات و مبادرات ، وفي المحصلة  تكريس  اختيارات الدولة  العميقة  في جميع الميادين ، البرلمان ، البلديات ،الرئاسة ، وتكريم صحافة  النظام  ومضايقة الصحافة  المستقلة ،ولو كان وجودها  محدودا ، بالمعنى  النوعي  الصحيح .
وهكذا يبقى الشعار الديمقراطي  مرفوعا لمجرد الاستهلاك، والحقيقة  حكم  الثكنة على أرض الواقع ، معززا بمجموعات  نفوذ وامتصاص، من قطاعات  قبلية  ورجال أعمال  يقتاتون  على المال العام  ، دون مراعاة لخسائر شعبهم ، وغير ذلك  من نماذج اللوبيات  التي لا يهمها  بالدرجة  الأولى ،سوى الكسب المادي الصرف ،بغض النظر عن سقوط هامة هذا الشعب البريء الضعيف  المسالم  في وحل الحكم  العسكري المزمن، الذي يبدو أنه قد لا ينفك عنا (كشعب )إلا جثة هامدة في مزبلة التاريخ .
ولا يخلو النموذج الموريتاني الانقلابي  من التأثير  والتأثر ،فلم يبالي السيسي بالحصار  الإفريقي ، لأنه مطلع على تفاصيل  التجربة الموريتانية في الانقلاب على الرئيس المدني المنتخب  سيد ولد الشيخ عبد الله ، وكيف خرج عزيز من الحصار  الإفريقي  الهش، بسهولة فائقة.
وأما اليوم ومع ضغوط التمويلات السعودية  والإماراتية لصالح  موريتانيا  وترأس عزيز الإتحاد الإفريقي فالخطر  أقل بكثير.
بل إن ولد عبد العزيز أساء للقرار  الإفريقي  الإجماعي  ضد مصر  ، فاستجاب  لدعوة الحضور  لتنصيب السفاح  السيسي ، المنتصر في انتخابات أسوأ ما تكون ،  وهنأ ه قبل الحضور ، ولما يرفع  حصار الإتحاد الإفريقي ، رغم أن ولد عبد العزيز  هو نفسه  الآن رئيس الإتحاد الإفريقي (إن لم تستح فاصنع ما شئت ).
وفي وقت سابق كان عزيز  متأثرا بعبثية القذافي  وجرأته على كل شيء، وهو اليوم لا يتوجس خيفة من تجربة  السيسي، التي خلفت بحور الدماء والجروح المعنوية  العميقة في مصر  الحبيبة ، للأسف البالغ.
فلا يستبعد  - إن سيطر عزيز – مرة أخرى في خضم العهدة  القادمة أن يقدم على العجائب.
فاحذر أخي الناخب من منح صوتك لمن لا تأمنه على دم رقبتك يوما ما أو على الأقل عرضك وحقك ، من كل وجه ،لأن قدوته ببساطة  القذافي والسيسي وإيران وفنزويلا.
إما رعب الموريتانيين  من الدم يقيده ، لأنه يعرف أنه إذا أقدم أبعد ،أو أن الفرصة لم تواتيه بعد ، وهذا هو الاحتمال الأخطر، غير المستبعد  حسب تحليل البعض.
ويومها سيندم ندما شديدا كل من أعطاه صوته ، لأنه أو قريبه ،قد يكون الضحية القادم في الزمن القادم لا قدر الله .
إن مرشح الأغلبية الرئاسية  "عزيز " – على رأي البعض – إما قنبلة موقوتة أو لغم قد ينفجر لاحقا ، ويبقى خطره، ولو بعد حسم المعركة الحالية العابرة.
وكلا الاحتمالين  مدمر ، إما في الحاضر بشكل بالغ، أو في المستقبل لا قدر الله، لأن هذا العسكري  يعجبه أكثر المشاغبين في العالم ، من أمثال السيسي القاتل ، ناكث العهد .
فهل نحذر ونحسب بدقة ، عسى أن لا يكون تصويتنا مفضيا لمأساة حقيقية ، حاضرا أو مستقبلا .
إن من لا يتمتع بالحكمة واحترام الرأي الآخر ، غير جدير بالقيادة ، خصوصا إذا عرف عنه العناد وحب التسلط والتملك والإعجاب بالقادة  الأكثر إثارة في العالم .
وفي الحقيقة سيبقى رهان عزيز وصحبه على نسبة المشاركة واضحا جليا ، لأن المنتدى أيقظ  الإحساس بالخطر في نفوس السلطة ومواليها ، رغم أنه لا لمانع من التزوير .
فلا يمكن أن تحول اللجنة المستقلة للانتخابات دون ذالك ، فقد ظهر ولائها للنظام خلال جولة الانتخابات البلدية والبرلمانية، ولا يمكن الثقة في نزاهة قضائنا الضعيف .
لأنه أضعف فعلا من أن يحول دون إرادة الإدارة  ولجنتها الانتخابية، إن حرصت على رفع  نسبة المشاركة ، المتوقع أن تكون محدودة ،إذا عملت المعارضة  الراديكالية بجد على ذلك.
ولا يخفى أن المجتمع الدولي يدرك بعمق ،أن انتخابات موريتانيا  الرئاسية ليست سوى مبرر بقاء  للنظام الحالي ، وما بعد ذالك مجرد ابتزاز للقبائل ورجال الأعمال وتمكين للعسكر واجهتهم الحلية، المرشح الحاكم  محمد ولد عبد العزيز ، الذي تزامنت تهنئته  لمعجبه السيسي  مع تهنئة نتنياهو وبيرز.

7. يونيو 2014 - 12:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا