تحدثت في مقالي السابق عن جوانب الخلل في الدولة العزيزية ورئيسها الفاسد وبينت عدة مظاهر لاجدال في وجودها في هذه الدولة تكفي للحكم عليها سياسيا والقطع بعدم قدرتها على تلبية حاجيات الأفراد وتطلعات الشعوب فضلا عن عدم توفر عنصر الإرادة السياسية لديها.
من أهم تلك المظاهر الخلفية العسكرية التي تتصف بها هذه الدولة والتي جعلت أهدافها ضيقة لاتتسع لغير رغبات الضباط ونزوات الوزراء ومصالح الطبقة الحاكمة.
ولأنه لايحق لدولة عسكرية بنيت على أساس منفعي ضيق وانكشفت ممارساتها في النهب والفساد والفضائح أن تتحدث عن الإنجازات ولايحل لرجالها المبذرين لثروات البلد المعطلين لحقوق الناس أن يمنوا بمالايملكون من وسائل الدولة وخدماتها المحدودة التي يقدمونها للناس طلبا لأصواتهم هشة رديئة بعد أن يستفيدوا من تسييرهم لثرواتها الضخمة ويضعوا مااستطاعوا من أموالها في جيوبهم.
لأن ذالك كذالك فقد بات من الوارد أن نتحدث عن إخفاقات هذه الدولة وفشلها الذريع في تلبية حاجيات المواطن وتحسين الظروف المعاشية للفقراء وتوفير الخدمات الضرورية للمجتمع رغم شعارتها البراقة وخطابها العذب وممتلكاتها الضخمة ورغم مهارتها في تضخيم الصغائر وتحويل الذبابة إلى فيل .
وأعتذر عن استخدامي لعبارة (الدولة) التي قد يكون فيها تضخيم للظاهرة العزيزية التي لاتستحق أن يطلق عليها مصطلح دولة .
وعلى أي حال فهو مجرد مصطلح يطلق منذو القدم على السلطة السياسية بغض النظر عن طبيعتها .
أما عن مظاهر الإخفاق أو الفشل في الدولة العزيزية فسنتحدث عن عدة مظاهر أصبحت جلية في واقع الدولة ومنتشرة في أجزاء جسمها النحيل الذي أنهكه الفساد والمحسوبية .
وسأبين من خلال الحديث عن الواقع المؤلم الذي تعيشه البلاد على مختلف الأصعدة ويعايشه المواطنون يوميا في الصحة والتعليم وارتفاع الأسعار و النقل كيف فشل النظام العزيزي في تحقيق أبسط الضروريات وكيف نجح في تحويل حياة الناس إلى جحيم ومعيشتهم إلى عذاب أليم .
لاشك أن من يلقي نظرة على الشأن العام ويتأمل واقع الناس ومستوى معيشتهم وطبيعة الخدمات التي تقدم لهم في مختلف المجالات يدرك أن أداء الدولة كان ضعيفا ومحدودا إن كان لها أداء أصلا.
ويتأكد من تدهور الأوضاع المعاشية والأمنية وتردي الخدمات الأساسية والضرورية .
ونستطيع أن نتحدث عن عدة مظاهر في الدولة العزيزية تؤكد عجزها وفشلها :
1 ـ انتشار الفقر: حيث أصبح مايقارب نصف الشعب الموريتاني حسب آخر الدراسات مهددا بالمجاعة بسبب ارتفاع الأسعار وعدم قدرة الأجور على مواجهة هذا الإرتفاع .
وهو مايرجع بالدرجة الأولى إلى سياسات النهب والفساد وتبديد الثروات قبل أن يتأثر بأي عامل خارجي .
وقد تضخمت البطالة في صفوف الشباب وحملة الشهادات في الوقت الذي توجد وظائف يهيمن عليها النافذون من أقارب الوزراء والحكام ويسيطر عليها المقربون من رئيس الدولة.
وقد تعاملت الدولة مع هذا الواقع المأساوي بسياسات مظلمة ظاهرها الإستمرار في محاربة الفقر وباطنها الإستمرار في نهب الثروات وتهميش حملة الشهادات وعدم اتخاذ سياسات واضحة للتخفيف من معاناة المواطنين والتحسين من أوضاعهم.
ولايوجد نجاح واحد حققه النظام في مجال محاربة الفقر بل جميع المؤشرات تؤكد فشله وإخفاقه وسعيه إلى محاربة الفقراء بدل الفقر.
2 ـ تفشي الفساد : حيث تضخم الفساد في جسم الدولة وعم قطاعاتها حتى بات حديث القاصي والداني وصار الجميع يتحدث عن ممتلكات الرئيس وثرواته الضخمة في الوقت الذي لايجد فقراء البلد مايسدون به فاقتهم .
ولست في حاجة للحديث عن فضائح الفساد وقصصه التي باتت تلطخ جميع وزاراتنا وعلى رأسها وزارة الشؤون الإسلامية .
هذا فضلا عن تعيين رموز الفساد والشخصيات التي كانت تنهب خيرات البلد في السنوات الماضية وتقلدهم لمناصب سامية.
وهو ماجعل النظام يخجل من الحديث عن الفساد ويتوقف عن حملته الشرسة رغم ماكان يظهره في بداية حكمه من حماس في محاربته .
مماجعلنا أم مظهر واضح و جلي من مظاهر إخفاق الدولة وفشلها .
3 ـ انتشار المظالم : لم يقتصر إخفاق الدولة العزيزية وفشلها على قضايا الفقر و الفساد بل تجاوزه إلى العجز عن إنصاف المظلومين ومعاقبة الظالمين .
حيث ينتشر الظلم البين واستغلال النفوذ وانتزاع الحقوق من أهلها .
حتى أصبحت قصص الظلم التي حدثت في ظل هذا النظام مستعصية على الحصر في الوقت الذي ظلت الدولة تقف أمامها متفرجة أو معينة بتعبير أصح .
كل ذالك يحدث في بلادنا ليكون شاهدا على ظلم الدولة وفسادها وعجزها وليكون مظهرا من مظاهر إخفاق الدولة العزيزية .
4 ـ ضعف الإدارة : حيث بات المتجول في إدارات الدولة يلاحظ ظاهرة مشينة وهي ظاهرة ضعف الإدارة وإن شئت قلت غيابها فلاتكاد تحس بوجود إدارة في أي مرفق من مرافق الدولة .
فجميع الإدارات تعجز عن تقديم أبسط الخدمات و تعجز أنت عن الوصول إلى خدماتها بسبب قلة الإدارات وازدحام الناس عليها .
وهي ظاهرة لاتزال تتضخم يوما بعد يوم لتضعنا أمام إخفاق آخر من إخفاقات هذه الدولة.
5 ـ تردي الخدمات الضرورية : حيث تشهد الصحة تدهورا حقيقيا في ظل تردي الأطباب وانعدام الأجهزة وتضاعفت في ظل ذالك حالات المرض والوفايات .
ناهيك عن فساد التعليم وعجزه عن أداء وظيفته التربوية وصعوبة النقل والأزمة التي يشهدها قطاعه في ظل ارتفاع الأسعار ورداءة الطرق وانعدام القوانين .
وكلها مظاهر قاتلة من مظاهر الإخفاق والفشل تدل على انعدام الرؤية وغياب الإرادة .
6 ـ غياب الأمن : لم تخفق الدولة العزيزية فقط في تلبية حاجيات الناس وضرورياتهم في الغذاء والدواء بل عجزت عن حماية أرواحهم فقد انتشر القتل وتفشت الجرائم ووقفت الدولة عاجزة عن وضع حد لحالات القتل واللصوصية والإعتداء .
فكان الإخفاق في الحفاظ على الأمن من أبرز مظاهر الإخفاق في الدولة العزيزية.
والمصيبة الأدهى والأمر أن النظام يرفض الإعتراف بهذه الأزمات الخانقة والمشاكل المتنوعة ويصر على تزييفه للحقائق وتجاهله لواقع المواطنين .
وإذا كانت تلك هي مظاهر الإخفاق في الدولة العزيزية التي تؤكد عجزها عن تحقيق أبسط متطلبات الحياة فإن استمرار هذه الدولة يؤدي إلى تضاعف الإخفاقات وتضخمها ممايجعل التغيير السياسي الديموقراطي ضرورة ملحة تفرضها الأوضاع المؤلمة للسكان وتفرضها السياسات المظلمة والإرتجالية التي تتعامل بها الدولة العزيزية مع الملفات الشائكة للبلد.