ألهذه الدرجة بلغت الجرأة على تكفير المسلمين؟ / سيد محمد ولد أحمد

طالعت خبر تكفير صاحب منظمة أحباب الرسول، ولا أظنها تجمع كل أحبابه صلى الله عليه وسلم لأن كل من يشهد ألا إله إلا الله محب له..,

والمحب لمن يحب مطيع، و دليل محبة النبي صلى الله عليه وسلم هو الإقتداء به في حب الخير للناس والمسلمين،

وطاعته في عدم أذيتهم لا باليد ولا باللسان. فلا يفتي بمنتهى البساطة بقتل سيدة تشهد ألا إله إلا الله بشهادة كل الموريتانيين، ويحرض السفهاء والجهلة على ارتكاب ذلك الفعل الأحمق الطائش؟
ألا يعرف هذا المفتي أن أمر الفتوى عظيم، خصوصا إذا تعلقت بالأرواح المحصنة! كيف يقف على منبر الفيس بوك ليصدر الأحكام بالعدوان على المسلمين وفقأ أعينهم!!!
وإذا كان القتل حكما معروفا فمن أين جاء بفقأ الأعين؟ أهكذا بلغ الإستخفاف بالدين وبحياة الناس؟!
ألم يسمع قول العلماء أنه "لا يثبت الإيمان لمن قال لا إله إلا الله، إلا إذا قالها خالصا من قلبه، ولا تعتبر عند الله إلا إذا كانت كذلك. أما في الدنيا فيعامل من قالها معاملة المسلمين مطلقا، ولو كان غير مخلص فيها؛ لأننا إنما نأخذ بالظاهر والله هو الذي يتولى السرائر"، فهل يعلم سريرة هذه السيدة هو وغيره ممن تنطلي عليه مثل هذه الفتاوى الكاسدة؟ ثم إذا كان ولد امخيطير الذي ارتكب الذنب صراحة جعل له بعض العلماء مخرجا وقبلوا توبته (وهو القول الأضعف، لكنه في الأخير قول)، فكيف بالسيدة وكل من تكلم في هذه القضية بكلمة أو أدلى برأي لم يتعرض فيه للرسول صلى الله عليه وسلم بكلمة سوء واحدة، كيف تكفره وتحث على قتله؟ ألهذه الدرجة بلغت الجرأة على التكفير؟   
أصبح كل من هب ودب يفتي عن رب العالمين مخالفا لعامة علماء المسلمين، مغترا بأفكار دموية غرسها الخوارج الذين يظنون أنفسهم أعلم العلماء، وهم أجهل الأغبياء..
أصبحت سماكة جلد الوجه، وحدة النظرات، وطول اللسان، والصهيل في المظاهرات، وسيلة كافية لكل من له لحية أو ما شابهها، وآية وما شابهها، لتصدر المنابر في المساجد والمخابز والشوارع، وتكاثر الجهلة، وأصبح من المجرمين التائبين من الفسق –على اعوجاج عقدي- أمراء جماعات ضالة من الخوارج يلقي إليهم الشيطان الفتك بالمسلمين على أنه جهاد، والعياذ بالله..
وللعلم ليس حمل لافتات كتب عليها "جماعة أحباب الرسول"، والجري خلفها في الشوارع، من خصال المسلمين، فهذا النوع من الخروج (ولو إلى الشارع) فيه صلف وتعنت، واعتراض على الدولة، وحب لمنافسة الحاكم في تطبيق الأحكام، فأنتم من العامة، وعيب عليكم إن كان فيكم قبس من علم أن تخرجوا بالدهماء إلى الشارع، وعندكم حاكم وعلماء مسلمون يفتون بترك الأمر للدولة المسلمة، وهذا هو الصواب، لأن في الخروج إلى الشوارع من الفتنة أكثر مما فيه من نصرة للدين، ولا يخرج إلى الشارع إلا جاهل، أو متطرف يعتقد نفسه على صواب، وأن كل من سواه على باطل أو كافر كما هو ظاهر. وقد قال الشيخ ابن تيمية: "ما خرجت جماعة على الحاكم إلا كان في خروجها من الإفساد أكثر مما أصلحت" أو كما قال رحمه الله..
لقد أخجلتمونا، فأنتم أشد على الإسلام من العلمانيين، لأننا لم نسمع منهم - على الأقل- الدعوة إلى قتل مسلم، ورأينا منكم العجائب والغرائب يا من يفترض فيهم أن يكونوا أولياء لله، يدعون إليه بالتي هي أحسن، ويرحمون الناس، ويحبون الخير لهم، ويحرصون على موتهم صالحين..
وإذا كان العلماء لا يكفِّرون، وإذا فعلوا، لا يكون ذلك إلا بعد تمعن ونظر، وعلى بينة خوفا من تبعات تلك الكلمة الكبيرة، فمن الناس من يستوي عنده التكفير والتفكير، يجلس أمام جهاز الحاسوب ليحسب عليه جرم الفتوى بقتل معصومة الدم وفقأ عينها؟ فأين التعقل؟ بل أين النخوة؟
ألم يطلع هذا الحِبر – بالكسر- العالم على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، لقد كان أحد المسلمين يقف بالسيف على رأس خصمه في غزوة فاصلة بين الإسلام والكفر، فيتركه إذا تبين له انه امرأة!! حدث ذلك لأبي دجانة مع هند بنت عتبة في معركة أحد..
واليوم يقف الأنصار الجدد الذين يريدون أن يتكاثروا ويقل الناس، على رؤوس النساء بألسنتهم ضاربين أعناقهن بفتاوى لا أساس لها من الدين والعقل!
هل رئيسة هذه المنظمة تعبده من دون الله حتى يحكم بنهاية أجلها؟ هل نصبه الخالق عز وجل خليفة له في أرضه يحكم في أرواح المسلمين والكفار كما شاء، يخرج من شاء من الدنيا متى شاء، وبجرة قلم في جرة خلاعة اسمها الفيس بوك!!
وإذا تدبرنا في هذه الفتوى الغريبة نلاحظ أنه يعتقد أنه من أهل الجنة (ضامن لجنته)، وإلا لما تحدث بهذه الثقة عن تكفير مسلمة قد تكون أفضل منه عند الله –من يدري؟ أليس الله اعلم بالسرائر والخواتيم-، فهو في نظر نفسه أول أحباب الرسول، وآخر المبشرين بالجنة، وولي الله في أرضه، يحكم على النافعين بالتظاهر والسياسة، وعلى المخالفين بالقتل والغلاسة..
يا رجل، هل كنا نعرفك قبل ولد امخيطير؟ وقد تاب الأخير عن ذنبه فيما بلغنا، ومسألة هل ينفعه ذلك أو لا ينفعه لا يحكم بها مثلي أو مثلك، بل ولي الأمر وأوليائه. فكيف تحكم على حقوقية تتحدث معكم بالقانون الذي رضيتم به بدلا للشريعة المحمدية في كل دولكم إلا ما رحم ربي، فإذا كانت عندك الجرأة كفر الرئيس، كفر المجتمع كله لأنه لا يطبق حدود الله، كفره لأنه يرضى بالقانون والديمقراطية، ويبيح المظاهرات المشئومة التي تستغلون، ولا تنسى أنك أول من يتظاهر..
لقد عانى المسلمون كثيرا – ولا يزالون- من فكر التفجير، واندفاع الشباب الأعمى لنصرة الدين على طريقة الخوارج القتلة، لم يصبروا على قضاء الله بأن يحكمهم رويبضة من الحكام جاهل فاسق فان، مزين بنياشين فارغة، سبب حكمه لهن هو سوء أعمالهم وذنوبهم التي كسبت أيديهم (كما تكونون يول عليكم)، ولم يتبعوا علماء الأمة فيما بينوه من الحق، بل اتهموهم بالعبودية للحكام، والطمع في الدرهم والدينار، وهذا غلط فادح لأن العالم – في الغالب- هو أبعد الناس عن الدنيا، وإذا طمع فلان منهم فلن يطمع غيره، لكنهم جمعوا الكل في خانة واحدة لأنهم يعترضون على الخروج على الحاكم سواء إلى الفيافي أم إلى الشوارع.
وليقضي الشيطان على آخر معاقل الهداية في قلوبهم أوهمهم بأنهم أعلم من الجميع، وأن فكرهم البارودي العفن أطيب رائحة من فكر الراسخين في العلم، فحاوروهم –إذا حاوروهم- بعناد واستعلاء، وترجيح للشاذ والضعيف، وفهم جنوني أحمر قان لآيات القرآن، نعوذ بالله من عمى البصر والبصيرة..
اندفعوا يكفرون المسلمين دون تورع، وأول من كفروا الحكام، وجعلوا كل من رضي عنهم كافرا مثلهم! ولم يبق من المسلمين في نظرهم إلا شرذمة من الخفافيش تعيش في الكهوف تتغذى على دماء الأبرياء الغافلين..
ثم ظهر شر جماعة الإخوان، مع أنها قديمة، وفكرها الأعوج – فكر سيد قطب وحسن البنا الأديبين المتعالمين- هو أساس فكر القاعدة وخروجها على الحكام وتكفيرهم واحتقارهم، وهو سبب الخراب المستمر لبلدان المسلمين حتى اليوم..
وهم في الحقيقة "إخوان ديمقراطيين"، وديمقراطية الغرب أفضل من ديمقراطيتهم لأنها أبعد من النفاق وإقصاء المخالف..
تأثر بهم الكثير من الشباب، والكثير من العلماء، بل أفتى بعض العلماء – حتى عندنا- بجواز، بل ببركة الديمقراطية، وبالتظاهر الغبي (الذي هو نوع من الخروج على الحاكم لا يؤدي كما هو مشاهد إلا إلى الخراب والصراع على السلطة في حال إقصاء الحاكم)، أفتوا بأنه جهاد متأثرين بالفكر الإخواني الغبي!! أفتوا بجواز امتهان التسول بالسياسة المنافقة، ومؤاخاة الشياطين والضالين في سبيل تحقيق المكاسب الدنيوية. فكانت النتيجة وخيمة على المسلمين، استمر الباطل لأن العلماء يجاملونه على طريقة الإخوان السياسيين الذين لا يبحثون إلا عن مصالحهم العاجلة..
ويبدو أن هنالك فريق ثالث يرقد في الخفاء، فريق أخذ من المتفجرين دمويتهم وأحكامهم العشوائية العاطفية بالتكفير والقتل، وأخذ من الإخوان الديمقراطيين مظاهراتهم وسياستهم القذرة التي ظاهرها نصرة الدين وباطنها خذل المسلمين، فكفر المسلمين، وتظاهر في الشوارع، وحمل اللافتات والقبعات على غير طريقة السلف الصالح..
والحقيقة الواضحة التي ينبغي التذكير بها هنا هي أن هذا الدين ليس حكرا على أحد، وما منا من يملك جنة أو نارا حتى يثور على غيره ويخرجه من الرحمة والحياة التي لا يملك بثها في نملة واحدة، فكلنا بشر، الله اعلم بذنوبنا المخفية، غفرها لنا ربنا، وقبل النظر في ذنوب الآخرين ليكن لنا في أنفسنا شغل، ولا يكون مؤمنا من لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه..
وليس معنى كلامي هذا أن العلمانيين والليبراليين والسفسطائيين الذين ألهاني الحديث عن المتاجرين بالدين عن التعرض لهم، هم الطائفة المنصورة، بل بالعكس هم ضحية للجهل بالدين، والفرار منه فرار المجذوم من الشفاء، وتقديم الفكر والزي واللغة والعادات الغربية على كل ما يمت للإسلام بصلة، ولكي يثبتوا لأنفسهم أنهم على شيء، يختلقون لأنفسهم حججا واهية لكي يركلوا الدين بحوافرهم بكل أريحية، منها:
أن المتدينين سطحيين، ومتخلفين، ورجعيين، وهم في الحقيقة الرجعيين المتخلفين الضالين، هم ومن أرسل الشيطان إليهم من المفكرين والأدباء والفلاسفة الضالين (أنبيائهم ورسلهم) الذين يقدمون أقوالهم على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين، بل على القرآن نفسه. وهذا ليس افتراء عليهم، فمثلا –وليس على سبيل الحصر: يعترضون على حكم الله عز وجل من فوق سبع سماوات بأن للأنثى نصف حظ الذكر! يقولون: على المرأة أن تتساوى مع الرجل في كل شيء حتى الميراث، لم لا؟ الأمر بالنسبة لمنطقهم القابل للنقاش قابلٌ للنقاش، والعياذ بالله من هذا النوع من الجهل..
إن المسلم الحق هو من يؤمن بالله عز وجل، ويعبده على منهج السلف الصالح من صحابة وتابعين وتابعيهم بإحسان، لا يبتدع في الدين أدعية لم يسمع بها رسول الله صلى عليه وسلم ولا أصحابه كما يفعل بعض المغيبين، ولا يبتدع تسبيحات وصلوات خاصة ليست معروفة في مذاهب المسلمين، فهو يعلم أن العبادة وقفية لا تبلغنا إلا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبما ثبت عنه، فهو المبلغ الوحيد عن الله عز وجل، وكل دعوى بأنه لا يزال حيا يبلغ بعد موته، دعوى باطلة منافية للصحيح الثابت من منقول الدين، وللعقل والتجربة. وظهوره لبعض المتأخرين أولى منه ظهوره لأصحابه يوم دبت الفتنة بينهم لينقذ أمته من تبعاتها التي لا زالت تعاني منها حتى اليوم، فلما لم يظهر في ذلك الموقف العظيم، ولا في مواقف مماثلة له، عُلم أنه لا يظهر، والسلام.
وما دليلكم على أنه حي بعد موته يلتقي بفلان وعلان؟ قالوا: دليلنا رواية رجل أو رجلين التقيا به، نثق في مشيختهما وعدالتهما!
والعجيب أنه قد لا يوجد لهذين المخلوقين أثر في كتب الجرح والتعديل الموروثة عن علماء المسلمين، نعوذ بالله من الضلال..
إن المسلم الحق يريد تطبيق شرع الله، وتعليم الناس التوحيد الذي هو أساس الدين، والذي هو أهم من العبادة بدليل أنه روحها، وأن الرسول أمضى 13 سنة من عمره في مكة يدعو إلى توحيد الله ثم نزلت بعد ذلك طرق العبادات، وللأسف لا يذكر بعض العلماء اليوم التوحيد بوضوح كاشف لعورات أهل البدع إلا نادرا خوفا من اكفهرار وجوه الضالين والمضلين، يرضون الناس بذلك وكان أولى بهم إرضاء خالقهم ولو سخط الجميع، فالدين ليس لعبة من دبلوماسية منافقة يجامل فيها العالم من شاء طمعا فيما شاء، ويتبع مقولة الإخواني الغابر: "نتفق فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، والتي كان خيرا له منها أن يقول: "نتفق على الكتاب والسنة وحدهما، ولا نحيد عنهما"..
المسلم الحق يتحرى الصواب، ولا تمنعه دعاية الشياطين ضد أصحابه من مجالستهم والسماع منهم ومحاورتهم لأن أمامه احتمالين لا ثالث لهما وفي كل منهما خير:
إما أن يكون على صواب وغيره مخطئ، ففي هذه الحالة يبين لأخيه طريق الجنة ويكسب أجره.
وإما أن يكون هو المخطئ وغيره على صواب، وفي هذه الحالة يربح السلام من الزلل، والنجاة يوم لا ينفع الصياح ب"أغواني فلان"، "أضلني فلان"، "خانني فلان"، قال تعالى: "ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا"..
وإني لأعجب من مسألة ادعوك إلى ملاحظتها: هل رأيت يوما مبتدعا يدعو إلى بدعته في كل مكان بصراحة ووضوح، متحديا من يناظره من المخالفين؟ أبدا، لا يمكن ذلك لأن الباطل كما يقولون: بلا وجه، ولولا الدعايات الكاذبة المضلة التي تحميه لتبخر منذ زمان، ومنها الإنغلاق على النفس، ومنع الأتباع من مجالسة المخالفين خوفا عليهم من التأثر بهم والهداية، وتحذيرهم من غضب الشيخ الميت، ومن سوء الخاتمة إذا فعلوا ذلك!! واحتقار المخالفين، والكذب عليهم نصرة للهوى والشياطين..
أما صاحب الحق فيدعو إليه على الملأ، ويعلم أن من واجبه الدعاء إليه لأن ذلك من تبليغ الدين الواجب، فلا يتوانى، طمعا في هداية الآخرين وحبا لوصول الخير إليهم، أما خفافيش الظلام فلا تحتمل الضوء، ولا تنفتح على غيرها، بل تتحين الفرص لإصطياد الغافلين وأكل أموالهم وإضلالهم، والعياذ بالله..
المسلم الحق لا يرتمي في الشبهات كشبهة التظاهر، خوفا من تبعاتها كأن يكون عليه وزر سفك دماء المتظاهرين إذا كان من الداعين إلى خروجهم، المحرضين عليه، العاملين من أجله..
ولا يكفر الناس لأنه يعلم أن أمر التكفير عظيم، وأن من قال لأخيه أنت كافر فقد باء بها أحدهما. لكنه يحكم بالظواهر مستنا في ذلك بنبيه صلى الله عليه وسلم، ويعلم أن التكفير من اختصاص العلماء المحققين، والحكام القائمين وحدهم..
وبدل أنت كافر وأنت كافرة اجتهد يا أخي في إنقاذ الناس من النار إن كنت حقا تخشاها، ذلك خير لك من اللعن، والقتل، واحتمال أن تكون متقولا على رب العالمين، والعياذ بالله..
ومن أقوال العلماء في بيان خطورة التكفير:
(قاعدة أهل السنة والجماعة في العقائد وغيرها من أمور الدين، هي التمسك التام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه الخلفاء الراشدون من هدي وسنة، لقول الله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"، ولقوله تعالى: "من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً". ولقول الله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".
وأهل السنة والجماعة هم الذين تمسكوا بالسنة، واجتمعوا عليها، ولم يلتفتوا إلى سواها، لا في الأمور العلمية العقدية، ولا في الأمور العملية الحكمية. وإذا تأملت أحوال أهل البدعة وجدتهم مختلفين فيما هم عليه من المنهاج العقدي أو العملي، مما يدل على أنهم بعيدون عن السنة بقدر ما أحدثوا من البدعة.
والوسط في الدين أن لا يغلو الإنسان فيه فيتجاوز ما حد الله عز وجل، ولا يقصر فيه فينقص عما حد الله سبحانه وتعالى. الوسط في الدين أن يتمسك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والغلو في الدين أن يتجاوزها، والتقصير أن لا يبلغها.
والحد الذي إذا زاد عليه في الدين يعتبر غلوا هو الزيادة عن المشروع، والغلو هو: التعمق في الشيء والتكلف فيه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو فقال: "إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح، أما التفريط فهو التقصير في القيام بما أوجب الله، كمن فعل بعض المعاصي كالزنى والغِيبة والنميمة، أو ترك بعض الواجبات كَبِرّ الوالدين وصلة الأرحام ورد السلام، ونحو ذلك.
والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن أمر مطلوب شرعا، قال الله سبحانه: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين".
وينبغي أن يكون الداعي إلى الله عالما بما يأمر به وبما ينهى عنه، فقد يكون عنده حرص على الخير ورغبة ومحبة لنفع الناس، ولكن يكون عنده جهل فيحرم الحلال ويحلل الحرام، ويظن أنه على هدى.
وتغيير المنكر يكون من كل شخص بحسبه، ولهذا رتب الرسول صلى الله عليه وسلم تغيير المنكر ثلاث درجات، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". فالذين يستطيعون التغيير باليد هم الحكام ونوابهم، والعلماء ينكرون باللسان، ومن دونهم ينكرون بالقلب، وقد يتمكن بعضهم من التغيير باللسان، وقد قال الله سبحانه: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، فالعبد لا ينبغي أن يكلف نفسه بما لم يكلفه الله به، ومما ينبغي التنبه له أن من أراد تغيير منكر بأي درجة من الدرجات فلا بد من النظر فيما يترتب على تغيير المنكر من حصول المصالح والمفاسد، وما يترتب على تركه من المصالح والمفاسد، فما ترجحت مصلحته في التغيير أو تركه أخذ به، وما ترجحت مفسدته في التغيير أو تركه أخذ به) انتهى.
بيان من هيئة كبار العلماء حول خطورة التكفير - بتصرف:
التكفير حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله ، فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله، فكذلك التكفير، وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل يكون كفرا أكبر مخرجا عن الملة.
ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة، فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن، لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة، وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير، فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات؛ ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، فقال: "أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه".
والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة من استحلال الدم والمال، ومنع التوارث، وفسخ النكاح، وغيرها مما يترتب على الردة، فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة؟
وإذا كان هذا في ولاة الأمور كان أشد؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم وحمل السلاح عليهم، وإشاعة الفوضى، وسفك الدماء، وفساد العباد والبلاد، ولهذا منع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من منابذتهم فقال: "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان"، فأفاد قوله: "إلا أن تروا"، أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة. وأفاد قوله: "كفرا" أنه لا يكفي الفسوق ولو كبر كالظلم وشرب الخمر ولعب القمار والاستئثار المحرم. وأفاد قوله: "بواحا" أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح أي صريح ظاهر، وأفاد قوله: "عندكم فيه من الله برهان" أنه لا بد من دليل صريح بحيث يكون صحيح الثبوت صريح الدلالة ، فلا يكفي الدليل ضعيف السند، ولا غامض الدلالة. وأفاد قوله: "من الله" أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه القيود تدل على خطورة الأمر.
وجملة القول: أن التسرع في التكفير له خطره العظيم؛ لقول الله عز وجل: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ".
ثانيا: ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات (السيارات)، وتخريب المنشآت. فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعا بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغدوهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها.
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أمولهم وأعراضهم وأبدانهم وحرم انتهاكها، وشدد في ذلك، وكان من آخر ما بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه قال في خطبة حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا". ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد". متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه". وقال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة". وقد توعد الله سبحانه من قتل نفسا معصومة بأشد الوعيد، فقال سبحانه في حق المؤمن: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا". وقال سبحانه في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ: "وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ".
فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه الدين والكفارة، فكيف إذا قتل عمدا؟ فإن الجريمة تكون أعظم، والإثم يكون أكبر. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة".
ثالثا: إن المجلس إذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخطورة إطلاق ذلك، لما يترتب عليه من شرور وآثام، فإنه يعلن للعالم أن الإسلام بريء من هذا المعتقد الخاطئ، وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة، وتفجير للمساكن والمركبات والمرافق العامة والخاصة، وتخريب للمنشآت هو عمل إجرامي، والإسلام بريء منه، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه، وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف، وعقيدة ضالة، فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله على الإسلام، ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، المستمسكين بحبل الله المتين. وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة، ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه محذرة من مصاحبة أهله.
قال الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ"، "وإذا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ".
والواجب على جميع المسلمين في كل مكان التواصي بالحق والتناصح والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن كما قال الله سبحانه وتعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"، وقال سبحانه: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، وقال عز وجل: "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة. قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وقال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

10. يونيو 2014 - 11:20

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا