تهدف هذه المحاولة إلى تعرية البنى المسؤلة عن إنتاج حالة التوتر المتصاعد داخل مجتمع البيظان, ثم التساؤل عن الأسباب الموضوعية و الأسباب الملتبسة التي تنطوى عليها دعوات ترمي إلى بناء جديد لهويات الصناع و الحراطين. تقوم علي أساس من العصبية لطائفة الحراطين او العصبية
لطائفة الصناع. في انتظار بروز دعوات من نفس الطينة تنزع نحو بناء هويات ملتبسة جديدة للزوايا و هويات اخرى لحسان وثالثة للحمة. وهكذا يتشظى مجتمع البيظان إلى عصبيات, متصارعة , خصوصا وان الصراع المحتدم منذ - نشأة الدولة - بين نخبة لهالوبولار والبيظان
اتخذ هو الأخر لنفسه عنوان اختلاف الهوية .
فم الذي يدفع النخب الموريتانية إلى البحث الدائم عن هوية لكل عصبية وكل لون و حتى مهنة .؟
جذور الطائفية السياسية في موريتانيا:
هذه الظاهرة لم تأتي من فراغ و إنما جاءت من رحم الممارسة السلطوية. وعليه يمكن البحث عن الأسباب المنتجة لها في تاريخ الممارسة السياسية أي في سلوك النخبة البظانية المعاصرة أولا و أخيرا. واعني النخبة التي تشكلت نواتها الأولى على أساس طائفي من حلف المتعاونين مع قوات الاحتلال الفرنسي لأرض البيظان .
إذ أن السلوك الذي طبع مواقف أولئك في مسعاهم لتحقيق مصالحهم الخاصة , والضيقة على حساب المجتمع إنما تجسدت في انخراطهم في خدمة المصالح الفرنسية . وهو الموقف نفسه الذي يطبع مواقف العدد الأكبر من رموز النخبة البظانية حتى اليوم ويتجلي ميلاد تلك الحالة السياسية والنفسية في بداية مسار واسع من انتقال" ولد الخيمة الكبيرة " من رمز ساهر على حفظ موازين ممارسة " المروءة والشريعة " إلى قيام هذا الأخير بدور المخبر المتحمس لخدمة المصالح الأمنية الفرنسية .
للتذ كيرفقط تكون حلف المتعاونين الأوائل مع القوات الفرنسية: من شيوخ العشائر و قادة الطرق الصوفية وبعض الفقهاء و أخيرا المترجمين .
وهكذا و بجهود هؤلاء معا تمكنت الإدارة الفرنسية من تكوين أول طائفة سياسية بظانية لا تنطلق شرعية ممارستها للسلطة من التعلق بأهداب الدين بل من ولاء هذه الطائفة لفرنسا و التعلق بمصالحها .
وبتلك الكيفية استقلت النخبة العشائرية عن مجتمعها و تحولت بعد صدور مرسوم1920 إلى أداة طيعة تستخدمها الإدارة الفرنسية حسب حاجاتها الأمنية. وكان من ابرز نتائج هذا المسار أن تم _" انتخاب" _ السنغاليين لامين كي و ليبود سنغور و الإداري الفرنسي رازاك بالجمعية الوطنية الفرنسية بصفتهم" نوابا _ يمثلون" _ شعب البيظان ؟. وذلك لان هذا الشعب كان غائبا , بسبب كثافة الحضور القوى الذي مارسته أشكال من التأييد المطلق دأبت _ الطائفة السياسية الجديدة _ على تقديمه لقرارات الإدارة الفرنسية يومئذ , حتى جاءت لحظة حرمة 1947 . و التي غيرت مجرى الإحداث ضدا على إرادة شيوخ العشائر والمترجمون والإدارة الفرنسية.
ويبقي تقديم تلك الصور والإحداث عديم الفائدة في حد ذاته إذا لم نبادر إلى التساؤل عن العلاقة السببية بين رؤى الطائفة بعد 1920 ورؤى حزبي "الشعب والكادحين"باعتبار أن رؤى الحزبين هي استمرار متجدد لرؤى الطائفة العشائرية ,في كنف الإدارة الفرنسية المباشر.حيث يبدو الفرق بين الموقفين بعد1960كاختلاف في صيغ التعبير المتجدد عن متطلبات تكيف السياسة الفرنسية مع المستجدات. وبعد أن اتخذ الحزبان في ظل الدولة شكلين لطائفة واحدة متخندقة مع الفرنسيين في وجه أي شكل من إشكال لانتماء الثقافي لإسلامي لموريتانيا. وذلك لفائدة غرس قشورمن الثقافة الفرنسية باسم التحديث. وكبديل عن اللغة العربية و عن روح الإسلام المتأصلة في التسامح والتنوع.وتتجلى في الأمس واليوم
رؤى الطائفة المنحدرة من الحزبين على الخصوص في محاربة اللغة العربية في موريتانيا قصد طمس هويتها الإسلامية العربية.وهي الهوية التي تمثل الحصانة المشتركة ضد الضياع بالنسبة لجميع سكانها. إذا أريد لها أن تعيد بناء نفسها وهويتها علي أساس ثقافي واضح وراسخ ومتنوع. لم ولن يتحقق خلف أقنعة زائفة فرانكفونية مستلهمة من أوهام الشاعر السنغالي ليبود سنغور.التي هي محض أوهام بلاروح وبلاجسد بل مجرد حالة نفسية لشاعر مصاب بجنون حبه لفرنسا حتى زعم أن الأفارقة السود فرنسوا اللغة. وهو قول لايجا في الحقيقة فقط بل هو الجنون بعينه.تلك المغالطة المبنية على الغش ومحاولة التلاعب بعقول الناس في موريتانيا و السنغال.هي العقيدة السياسية والفكرية التي فرضتها النخبة الهجينة في موريتانيا وحاولت تمريرها فوق أشلاء البسطاء لصالح مشروع سنغور لفرنكفوني. والذي يتجلى في موريتانيا بشكل لعبة السياسية مستترة خلف أقنعة اختلاف الهوية الفرنسية المزعومة للهالوبلار والهوية العربية الاسلامية للبيظان.
اللغة والهوية في موريتانيا:
محاولة تهدف إلي فضح أقنعة اختلاف الهوية واللغة:
- مسالة اللغة : يرتبط طرح هذه القضية في أذهان الناس بسؤال دائم وهو لمصلحة من قامت الطائفة المنحدرة من حزبي الشعب والكادحين بمحاولات دفن اللغة العربية تحت الأرض بصيغة أخرى للسؤل نفسه من المستفيد من هذا الجهد الذي بدا منذ أن أقامت الدولة في بداية الأمر بوضع حدود فاصلة وواضحة بين فضائين ثقافيين مختلفين هما : فضاء الدولة لفرانكفونية و يشمل الإدارة والقضاء وعالم المال و الأعمال و التعليم و الخدمات من جهة و الفضاء الأهلي العربي الإسلامي .
و هذا الأخير حاولت الدولة في الستينات و السبعينات الغاؤه من الوجود عن طريق التجاهل المتعمد له و حتى حين تضمن الدستور 1991 مادة تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة .إلا أن الحكومة لم تقم بإصدار المرسوم المطبق لهذه المادة ولم تنشره في الجريدة الرسمية حتى لا تلزم به الإدارة .
هل ذلك العمل الذي تقوم عليه تلك الأطراف موجه لوجه الله مثلا أم من اجل حصول هؤلاء على المساندة السياسية والمالية الفرنسية .؟ ولتعرية جذور هذا الموقف لا بد من تسليط الأضواء موقتا على الأهمية الخاصة التي تنطوي عليها مساندة هؤلاء ومواقفهم في موريتانيا بالنسبة لنجاح فرنسا في تمرير سياستها الثقافية في بلدنا و في مالي و في السنغال أيضا .
تلك الأضواء ستمكننا من العودة إلي الوراء لنرى كيف كان المشهد الثقافي في الأقاليم المكونة من إقليم ارض البيظان و بلاد السودان المجاورة له. قبل مجئ فرنسا . حيث كان الإسلام هوية للجميع دون تمييزفي العرق وكانت اللغة العربية هي اللغة المكتوبة الوحيدة في أقاليم السودان : مالي و السنغال و غينا و كامبيا و طبعا كانت ارض البيظان بمثابة ( الكعبة ) الثقافية التي يتوجه إليها طالبوا العلم قبل مجي فرنسا .
كانت إذن الوحدة و تعدد الهوية قبل قيام الدول في ارض البيظان أمرا واقعا و راسخا ومتجذرا . ولم تكن أبدا للون بشرة الإنسان أو انحداره العرقي علاقة بهويته الثقافية فالكل في موريتانيا و مالي و السنغال مسلمون و تجمعهم العربية كلغة للحميع . و إلى حين أن جاءت فرنسا و أظهرت في ممارستها السياسية و الثقافية عداء واضحا للعربية والإسلام. هذا في الوقت الذي حاولت نزع الهوية الإسلامية الراسخة في النسيج المادي والروحي لشعوب المنطقة و إحلال لفرانكفونية لمكانة الإسلام علي المستوى الثقافي . وبذلك اعتبرت أن منافسها الثقافي الأول والأخير في شبه المنطقة كلها هو شعب البيظان لكونه الأكثر قدرة علي إنتاج وإعادة إنتاج منظومة الثقافة الإسلامية .و بطبيعة الحال لم تكن لدى فرنسا القدرة الكافية لتمرير مشروعها الثقافي , دون مساندة حقيقية و صادقة من بعض أطراف النخبة البيظانية _- وهذا هو مربط الفرس- _ لذلك جاءت بطائفة من المخلصين. وسلمتها قيادة الدولة الوليدة ذات التشكيلة العرقية الجديدة , لتكون اللغة الفرنسية بمثابة سيف مسلط على كل نزعة نحو الانتماء العربي الإسلامي في ارض البيظان .
- مسألة الهوية:
المختار ولد داداه والنخبة الهالوبولارية و قناع اختلاف الهوية: سنغور و الحاج عمر تال .
سنضع جانبا مسالة البحث في الأصول السنغالية لبعض الموريتانيين من الهالو بولار خصوصا. و بدلا من ذلك نحاول رؤية المشهد الثقافي و النسيج العرقي في موريتانيا والسنغال ومالي , ثم نتساءل عن أسباب الصدام المتواصل بين غالبية مطلقة من البيظان و النخبة الهالو بولارية بسبب اللغة .
وهل تتعظ تلك النخبة بعد الويلات التي عرضت لها شعب الهالو بولار بسبب دفع الاخير - من طرف نخبته- نحو تبني هوية ليبود سنغور بدلا من هوية الحاج عمر تال و ماهي حدود اختلاف الهوية الثقافية على مستوى البلدان الثلاثة .؟
اولا : على مستوى العموميات الثقافية في المنطقة كلها نلاحظ وحدة المظهر الخارجي البادية في الملابس و السكن و طرق تحضير الغذاء و تربية الأطفال
ثانيا : على المستوى الرمزي و الشعائري نلاحظ أن عددا كبيرا من البيظان "يحج "سنويا الى الشيخ النيص و هو سنغالي .
وان اعداد كبيرة ايضا من شعب الهالوبولار" يحجون" الى قبر الشيخ سعد ابيه في النمجاط في موريتانيا وهو بيظاني و ان الغالبية من الماليين اتباع لطريقة الشيخ حماه الله. و أن المذهب المالكي هو السائد في المنطقة و كذا طريقة تصوف الجنيد السالك .و ان الشيخ عمر تال وهو غيني مولود في مدينة حمد الله بجبال فوتا جالو يحظي باحترام كبير بين البيظان بسبب كفاحه ضد الفرنسيين حتى توفي في مدينة سيكو في مالي : انظر كتاب السنغال تحت الامبراطورية الثانية لمؤالفه :JEUN MARTIN le Sénégal sous la seconde empire
.
وان هناك ظاهرة تحول قبائل بيظانية الى النمط الثقافي الولفاوي مثلا و العكس قبائل و أسر من الالف اومن الفلان يتحولون الى نمط البيظان . وفي السينغال فان الهوية الأكثر بروزا لشعب الهالو بولار هي الإسلام واللغة العربية. فلم الصدام المتواصل في موريتانيا مع البيظان , بسبب تمسك النخبة الهالوبلارية بخيار الاحتماء باللغة الفرنسية بدافع ما تصفه بالتهديد ’ الذي تمثله اللغة العربية بالنسبة لهوية فرنسية مزعومة للزنوج في موريتانيا و الإصرار على هذا الموقف .
سؤال مطروح على النخبة الهالوبولارية و نحن نحاول تلمس الإجابة عليه بمحاولة فهم الاسباب الايديولوجية , التي دفعت النخبة الهالوبولارية في موريتانيا إلى تبني الخرافة , التي ابتدعها ليبود سنغور بزعم هذا الاخير أن اللغة الفرنسية هي لغة السود في السنغال .
لا يخفى على احد أن تلك الخدعة اللفظية هي التي مكنت ليبود سنغور من تمرير لعبته السياسية في السنغال و موريتانيا . وبذلك تمكن من القفز فوق مشكلته الشخصية المتعلقة بمدى شرعية تولى شخص مسيحي لمنصب رئيس الجمهورية في بلد غالبية سكانه من المسلمين. و كان يواجه بمنافسين مسلمين بارزين منهم الامين كي و مامدو جاه .
نجح سنغور إذا بتلك الحيلة و جعل من انتمائه الشخصي للديانة المسيحية و الثقافة الفرنسية بمثابة المرتكزات السياسية و الفكرية التي تبني عليها الهوية الرسمية للدولة السنغالية في الوقت نفسه قام بتهميش نخبة علماء الدين الاسلامي السنغاليين و منعها من القيام باى دور او تأثير في مركز القرارات السياسية , وهكذا كانت الحياة السياسية والثقافية في السنغال منقسمة الى فضائين واضخين هما الدولة لفرنكفونية و نخبتها , بجوار نخبة من رجال الدين الاسلامي او قادة الطرق الصوفية السنغالية التي تتمتع بمساندة الغالبية الساحقة من الشعب السنغالي .
ذلك المثال كان بمثابة خريطة للطريق التي سار عليها المخطار ولد داداه ايضا لاستنساخ صورة من تجربة ليبود سنغور من اجل قتل الثقافة العربية الاسلامية في البلدين .
هل يمكن اذا أن يتصور عاقل موقف النخبة الهالوبولارية من مسالة الهوية الفرنسية المزعومة للزنوج في موريتانيا بصفته موقفا قائما بذاته , في شكل مستقل عن همزات الفرنسيين لهؤلاء الواضحة في مساندة المختار ولد داداه لذلك الموقف , الإجابة بالنفي قطعا .
و بالرغم من انه يفند فكرة سنغور , وبشدة بل ويسخر منها حيث يرى في كتابه موريتانيا امام التحديات انها فكرة لا تصلح لان تكون موضوعا لاى بحث علمي .
و في الوقت نفسه كان يدافع عن مشروعية تبني النخبة الهالوبولارية في موريتانيا للفكرة . بل يبحث لها عن ذرائع . في كتابه . كان المختار ولد داداه اذا في جاجة لموقف النخبة الهالوبولارية في موريتانيا فيما يخص مسالة اختلاف الهوية المزعومة .لكي يبني على ذلك الموقف كل سياساته الثقافية المستنسخة من مواقف ورؤى ليبود سنغور اتجاه الثقافة العربية الإسلامية . خلف قناع الاختلاف الثقافي و الاختلاف في الهوية بين مكونات المجتمع الموريتاني و هكذا جاء التعبير عن ذلك الموقف في دستور 1961 الذي تضمنت دباجته النص على ان الشعب الموريتاني مسلم كله و أن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للدولة . و بذا تكون تلك اللغة بمثابة الضامن لوحدة المسلمين في موريتانيا الدولة . وعلى المستوى النخبوي هي الضمانة ايضا للوحدة الوطنية المعبر عنها بمقولة الوحدة السياسية داحل حزب الشعب , و هي الوحدة التي
ترجمت في حرص الدولة الشديد على إظهار التشكيلة العرقية الجديدة التي ظهرت في ارض اليظان بعد 1960 و كانها تشكيلة من اعراق لكل منها هويته التي تختلف مع هوية العرق الأخر و لا رابط تربط بين تلك الأعراق سوى استخدام اللغة الفرنسية على المستوى الرسمي , لذلك كانت مطالب بعض أطراف النخبة البيظانية بإدخال اللغة العربية الى الميدان الرسمي بمثابة الإعلان عن بداية تفتت النخبة و دخول مجتمعي البيظان و الهالوبولار في أتون المجابهة خلف قناع زعم النخبة الهارلوبولارية بان الزنوج في موريتانيا هويتهم فرنسية . و أن استخدام اللغة العربية يمثل تهديدا للهوية المزعومة ليفسح المجال أمام ممارسة الضغط الفرنسي على الدولة لإقناع مركز القرار السياسي الموريتاني بضرورة العدول المطلق عن فكرة استخدام اللغة العربية على المستوى الرسمي للدولة . لأن ذلك يعد بمثابة تهديد ينطوي علي مخاطر تفتت الدولة و المجتمع في موريتانيا .
و بطبيعة الحال لم تكن جهود النخبة الهالوبولارية موجودة بمعزل عن اصطفاف حزبي "الكادحين والشعب" مع الجانب الفرنسي. و تتجلى وقائع تلك الو ضعية في أحداث 1966 التي و إن كانت الحكومة الموريتانية لم تدبرها بشكل "قانوني" الا أنها سكتت عنها و شجعتها ضمنيا حتى انفجرت كرد من الدولة على أطراف النخبة البيظانية المطالبة بادخال اللغة العربية الي التعليم العصرى. تلك الشهادة موجودة -في كتاب موريتانيا أمام التحديات - و كذلك أحداث عام 1989 بين موريتانيا و السنغال و التي جاءت باصطفاف الحركة "الوطنية الديمقراطية" ومنهم على شاكلتها إلى جانب السنغال و فرنسا اللتين حاولتا إجهاض جهود موريتانيا المتمثلة في زراعة الأرز على الضفة اليمنى من النهر . وحتى لا تتوفر لدى هذه الأخيرة قوة ذاتية من شنها أن تضع حدا لتبعية موريتانيا التقليدية للسنغال على المستوى الؤسساتي . ان المفارقة في تلك الاحداث هي أن التناقض في الرؤى بين أطراف النخبة اليظانية اي بين الداعمين للرؤى و المصالح الفرنسية ورؤى المعارضين لذلك التوجه حسم دائما بين الطرفين لصالح موقف المصطفين مع الجانب الفرنسي . و عن طريق دفع النخبة الهالوبولارية إلى رفع شعار اختلاف الهوية و الصراخ مع الحزبين لحث فرنسا على التصدى" للخطر" الذي تمثله اللغة العربية بالنسبة "لهوية الزنوج الفرنسية " المزعومة في موريتانيا.تلك هي خريطة الألغام
التي تهدد اليوم وحدة مجتمع البيظان ويتجلى ذلك في النزعة الطائفية المتمثلة في حراكي الحراطين و الصناع :
اقنعة الطائفية الجديدة:حراكا الحراطين والصناع
في سبيل فهم موضوعي و منصف وواضح للحالة الاجتماعية و النفسية و السياسية التي تعبر عن نفسها في نزغ يعكسه الخطا ب الطائفي الذي يصدر عن حراكي الحراطين و الصناع لا مناص إذا من فحص الإشارات و السمات البارزة لهكذا خطاب يقدم للناس و كانه مرتبط سببيا بالدعاية لصناعة زعمات طائفية جاءت بمحاولات تهدف إلي اضفاء طابع من الفتنة الأهلية على تطلع لبعض من أبناء هاتين الفئتين نحو احتلال المواقع العليا في قيادة الدولة و المجتمع .
خلف قناع الانتماء الطائفي لعصبية لحراطين او عصبية الصناع . هذا الطموح عند تجريده من الانتماء للعصية الطائفية فانه يصبح مشروعا بل ومرغوب فيه و مطلوب هكذا طموح لإحداث عملية تغيير ثوري في مجتمع البيظان طال انتظاره . هذا في حال أن سلك الحراكان مسارات سلمية و هادئة و عقلانية مسؤلة .
وبكيفية تفتح طريق الالتحاق بهما أمام كل القوى الحية في البلد . ليتحولا إلى حراك سلمي , مدني ووطني شامل الأهداف و الهويات و المصالح من اجل إحداث تغيير جذري يطيح ببنية الثقافة السياسية المنحدرة من تجربة حزبي الطائفة السياسية المعاصرة التي حكمت موريتانيا حتى اليوم
لكونها البنية المسؤلة عن إنتاج حالة التشظي التي تهدد مجتمع البيظان كله .
ومما لا شك فيه إن حراكا و طنيا شامل من هذا القبيل – إن وجد - فانه سيؤسس أرضية صلبة أمام إعادة تأسيس الدولة الموريتانية على قاعدة غير طائفية هي الأكثر عقلانية وهي الأكثر رسوخا و الأقدر على ضمان تحقيق العدالة بين الناس و قبل ذلك و بعده تحمي وتصون الهوية الثقافية العربية الإسلامية للبلد هذان الشرطان هما بمثابة المرتكزات الضرورية و الأساسية لمشروع إعادة بناء الدولة الموريتانية - إن وجد - على أسس جديدة .
وهى غير القواعد التي قام عليها دستور 1961 ومقولة الوحدة السياسية داخل حزب الشعب سيئة الصيت و التي قامت على أساس من تزوير الهوية و زرع الألغام العرقية والطائفية. تلك العقلية ستبقي بمثابة الملهم لكل إشكال العجز السياسي و الفكري عن ا بداع يقود تصورا جديدا تنبي عليه دولة تضمن لسكانها وحدة و تعدد المصالح و الهويات في ظل عدالة و واضحة و راسخة تحفظ البلاد والعباد من الغرق في متاهات الطائفية وأمواج الصراع بين العصبيات .
التباس في الرؤية ام الانتهازية :
يبقي التساؤل الذي يطرح نفسه على كل المهتمين بالشأن الوطني هو ما المغزى؟ الحقيقي الذي يدفع بالحراكين نحو الدعوة للطائفية و تبنيها كخيار و كمنهج خلف قناع المطالبة بتحقيق العدالة و الإنصاف لفئات الصناع و الحراطين هل يمكن لآي عقل سليم ان يقبل بهذه الأطروحة المبنية على أساس قوامه التفرقة و محاولة هدم أسس العيش المشترك بين سكان البلد , بزعم أن ذلك المنهج سيقود في النهاية إلي تحقيق الانعتاق و العدالة .
و الإجابة على ذلك قطعا بالنفي , لا و لن يحقق بالدعوة الطائفية اي خير .
إذ أن سبب المشاكل التي كابدها سكان هدا البلد تكمن بشكل أخص في أن الدولة التي قامت 1960 لم تكن أبدا أداة لاندماج وطني ولم تكن وسليلة لتحقيق عيش كريم لسكانها بل إن الإهمال والتلاعب بمصالح الناس وعواطفهم كان القاعدة السلوكية لتجربة الوحدة السياسية داخل حزب الشعب و تلك التجربة هي بمثابة لا شعور سياسي ينتج توجهات النخبة البظانية السياسية بما في ذلك قيادات الحراكين . لان إخلاص هؤلاء لتغيير يخدم مصلحة الفئتين قد يبدو على المحك مجرد ادعاء اذ كيف تنسجم الدعوة للتغيير الذي ينشده المجتمع الموريتاني كله مع محاولة إعادة إنتاج لنسخة جديدة من طائفية قديمة و تجربة سياسية عقيمة .
إن الدولة التي تأسست 1960 لم تكن على الإطلاق في خدمة اي من سكان موريتانيا لا بل كانت فقط خادمة للمصالح الفرنسية و في قبضتها .
لذلك أقاموها على أساس من الطائفية و المحاصصة العرقية . التي تدو و كأنها قبلة زعماء الحراكين. إن تبني هؤلاء الزعماء لمنهج المحاصصة الطائفية دون الإعلان عن ذلك بوضوح كاف عن ذلك الموقف هو مكمن الالتباس و الغبش الحاصل في الرؤية لدى هؤلاء الزعماء .
هذا فيما لو افترض إخلاصهم لمبدء و فكرة إنصاف الفئتين .
أما في حالة الافتراض العكسي فستبدو الأمور في غاية الوضوح و هي أن هؤلاء الزعماء مجرد نخبة من الانتهازيين تسعى نحو الركوب على ظهور أبناء الفئتين من أجل تحقيق أهداف سياسة و مصالح مادية لنخبة من الأنانيين .
هكذا يحاولون إظهار الدعوة للطائفية و كأنها الموقف العقلاني من اجل تحقيق العدالة و الإنصاف للصناع و لحراطين و الحق أن هذا الزعم مجرد وهم يشبه موقف الشخص الذي يحرض الناس على القيام بحرق أجسادهم و حرق بيوتهم بأيديهم .
لان المراهنة على الطائفية كالمراهنة على نتائج الحريق و التي هي الرماد بكل تأكيد و بكل بساطة .
لكون الدعوة إلى تبني طائفية سياسية جديدة سيجذب أكثر من طرف بسم عصبيته الطائفية و عند ذلك ستكون المواجهات حتمية في صورة حرب الجميع ضد الجميع .