الجزائر، سوريا، مصر، تلكم هي البلدان العربية "الديمقراطية" التي شهدت مؤخرًا انتخابات رئاسية "شفافة ونزيهة" أسفرت عن فوز "الحاكمين بأمر الله" بنسب فلكية من أصوات الناخبين، وستلتحق موريتانيا بهذا القطار الديمقراطي السريع خلال الأيام القادمة،
وقناعتي الشخصية أنها لن تخذل توقعاتي بانسجامها التام مع الأشقاء في البلدان الديمقراطية الشقيقة.
تأتي هذه الأرقام القياسية التي حصل عليها القادة "الجدد القدماء" في هذه البلدان كثمرة طبيعية لحملات انتخابية قوية وصاخبة، نافس فيها "القائد" ظله، ممثلاً في شخصيات كرتونية قد تكون مطمورة وقد تكون مشهورة لكن السر الأهم هو أنها مأمورة، وقد تباينت الحملات الانتخابية بهذه البلدان في أساليبها وآليتها وإن كانت تناغمت على مستوى الهدف المنشود.
فالحملة الانتخابية في الجزائر كانت حملة "مخزنيةّ" صاخبة قادتها الدولة العميقة ضد إرادة التغيير المتنامية في الشارع الجزائري، وفعلاً انهزمت تلك الإرادة ليتوج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة "ربما مدى الحياة" بمأمورية رابعة والحمد لله على أن ظروفه الصحية سمحت له بأداء واجبه الانتخابي.
أما حملة الانتخابات السورية فكانت من نوع آخر فهي حملة دموية بامتياز انطلقت قبل الأجل الدستوري لها بثلاث سنوات، وحصدت مئات الآلاف من الموتى والقتلى والجرحى والمشردين، فضلاً عن تفتيت البنية التحتية للدولة السورية، ولا تزال هذه الحملة مستمرة رغم "البشرى" التي زفها الإعلام السوري للعالم بفوز الرئيس الدكتور بشار الأسد بغالبية أصوات الموتى والأحياء والجرحى والمشردين من أبناء سوريا المكلومة.
فيما كانت الحملة المصرية حملة إعلامية ماجنة انطلقت هي الأخرى قبل أوانها بعدة شهور مبشرة "بأحد رسل الله" يأتي من بعد الرئيس المخلوع محمد مرسي اسمه عبد الفتاح السيسي ، لقد مارست "الماكنة" الإعلامية المصرية أبشع صنوف الدعاية لهذا "السوبرمان" ، ومارست النخب المصرية أبشع عمليات التزلف والتملق، ويبلغ السقوط السياسي والأخلاقي ذروتيهما عندما يقول رئيس الحكومة المصرية في منتدى دافوس الدولي إن "نساء مصر يرغبن في ترشح السيسي لأنه وسيم"، تصوروا كم أساء ذلك الببلاوي للشعب المصري العظيم نساءً ورجالاً.. نعم .. تم استخدام المعقول واللا معقول في تلك الحملة، وقد تابعنا شخصيات إعلامية وفكرية كانت لها مكانتها الرمزية الكبيرة تتساقط كتساقط ورقات التوت في صيف تلك الحملة الصاخبة والماجنة.
بيد أن هذه الحملة الإعلامية البشعة نجحت في تنصيب "السيسي" رئيسًا لمصر لخمس سنوات قادمة إلى ما شاء الله، وبنسبة فلكية عربية بامتياز لولا مشاغبة "نسبة المشاركة" التي عكرت صفو حفلة الفرح إلى حد ما، والتي جعلتنا نستمع لتحليلات كبراء دهاقنة المخزن، وهي تحليلات مضحكة ومؤلمة في آن واحد.. فكم هو محزن أن ترى نخبة تفكر بأمعائها لا بعقولها الكبيرة.
وفيما يخص الحملة الانتخابية الموريتانية فهي الأخرى انطلقت قبل شهور على شكل مبادرات قبلية وعشائرية وفئوية وجهوية ووفق نفس الأسس والمقاسات ظهرت تشكيلة "ظلال" الرئيس المنافسة له، بعد أن تمكن من إبعاد المعارضة التقليدية عن حلبة الصراع الرئاسي، ولا شك أن النتائج ستكون "عربية"بامتياز، نعم سيفوز الرئيس محمد ولد عبد العزيز بنسبة مريحة، في هذه الانتخابات المزورة بطريقة شفافة ونزيهة، كصويحباتها العربيات، فهنيئًا له قبل أن يزاحمني باعة الضمائر الرخيصة وسماسرة الأصوات المسروقة يوم البيعة العظمى!.
حالة الانتخابات العربية الجديدة هذه توحي بأن الوطن العربي "تطور" في الممارسة الانتخابية من مرحلة التزوير التقليدي الوقح إلى مرحلة التزوير "الفني" الشفاف والنزيه، وهذا ما سيجعل الديمقراطية مرغوبة ومقبولة بعد أن كانت غول "لابول" (مؤتمر "لا بول" 1989م) المخيف لقادتنا الذين كانوا يفقدون وعيهم السياسي والأخلاقي خلال مواسمه المزعجة.
نعم استطاع "العقل العربي المبدع" بدعم فني غربي مشروط ، إنتاج طبعة ديمقراطية عربية تلائم البيئة "المخزنية" العربية وتنسجم مع تطلعات أمراء المؤمنين، ولا يتطلب الحصول على نسخة من هذه الطبعة كبير عناء، بل يعتمد أساسًا على توفر طبقة سياسية وثقافية وفكرية وإعلامية لها خبرات عميقة في مجال "التطبيلوجيا" ( التطبيل والتملق للنظام) ونورد هنا أبرز شروط التزوير الشفاف للانتخابات العربية.