الرقم الكبير للأحزاب المقاطعة للإنتخابات (رغم أنهم لم يفلحوا في زيادته عن 17 من أصل 100 حزب)، هو إحدى وسائل التقليد الذي بات راسخا لدى معارضة هذا القطر في التضليل والتضخيم، أما الواقع فيظهر أن أربعة تشكيلات سياسية فقط هي الأساس والباقي مجرد أكسسوارات
وديكور وعدة للتجميل.. التشكيلات السياسية الأربع هي:
- إتحاد قوى التقدم : هذا الحزب ذو الخلفية الماركسية الماوية زعم أنه قاطع الإنتخابات خدمة للديمقراطية في البلد، ولعله أراد منا أن نصدقه في أقواله تلك بينما أفعاله تثبت أنه الحزب الذي لم يشهد أي تناوب ديمقراطي على قيادته منذ تأسيسه بل ومنذ سبعينات القرن الماضي.. سقط المعسكر الذي يطبق نظريته وهلك الزعماء الملهمون له وتبدل العالم غير العالم بينما قيادة الحزب باقية في مكانها، عندما ارتفعت بعض الأصوات الشابة مؤخرا مطالبة في المشاركة في الإنتخابات قمعتها القيادة التاريخية بصمت، وأوضحت لها أن كلمة الرفيق القائد تعلو ولا يعلى عليها.
- تكتل القوى الديمقراطية : يرتبط هذا الحزب كثيرا باسم زعيمه ومؤسسه أحمد ولد داداه الرجل السبعيني الذي برهن بتاريخه الطويل من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية حصرا دون غيره من المناصب الأخرى لنائب أو عمدة مثلا، أن قضيته تلامس الثأر الشخصي.. نعم الثأر ممن تجرءوا يوما على الإطاحة بأخيه وسلبه السلطة التي تركته فرنسا ينعم بها يوم غادرت البلد، يريد أن يقول لهم في حدة وتحد : ها قد عدنا، أبان الرجل بممارسته الطويلة عن تصميم شديد ووضوح للهدف، لكنه ربما يدرك الآن في قرارة نفسه أنه لن يجني شيئا من منافسة المرشح عزيز، لذا سارع إلى تقديم عرض يراه
مغريا له وقد يمثل فرصة الرجل الأخيرة لتحقيق حلمه الأثير، هذا العرض كشف عنه الرئيس عزيز مؤخرا في تجكجه، أي ضمانات كبيرة مقابل عدم الترشح، لكن يبدو أن الأحداث قد تجاوزته إلى غير رجعة.
- الإخوان المسلمون : سعى هؤلاء القوم وبكل ما أوتوا من قوة لمراكمة أكبر قدر من المكاسب في سبيل بلوغ غايتهم التي لم تعد سرا ألا وهي الوصول إلى السلطة، سعوا إليها مرات في العلن ومرارا في الخفاء، نجحوا في ترخيص حزب لهم وفي الحصول على ممثلين في البرلمان، استثمروا أخيرا مقاطعة بعض أحزاب المعارضة فربحوا مضاعفة نوابهم في الجمعية الوطنية ثلاث مرات.. مؤسساتهم العاملة تحت الأرض في العمل الخيري والإجتماعي ليست جديدة، لكن بعضها تم اجتثاثه وبقي البعض الآخر، ينفذون دعاية إعلامية نشطة من خلال موقعين إلكترونيين أو ثلاثة وقناة فضائية.. أجهدوا
أنفسهم ولم يوفقوا في تبرير مقاطعة إنتخابات رئاسية لا تختلف ظروفها في شيء عن إنتخابات بلدية وتشريعية شاركوا فيها منذ أشهر قليلة، لكنها لبراغماتية السياسية التي تتطلبها مرحلة المحنة والإختبار بعد النكسات المتتالية للتنظيم الدولي وخسارته الفادحة في مصر بلد النشأة.. البلد الأم، وإثر التضييق عليه في دول عربية أخرى عديدة.
- التحالف الشعبي التقدمي : تكون هذا الحزب حول زعيمه مسعود ولد بلخير الرجل السبعيني الذي قاسى كثيرا ظروف النضال وخبر فنون التفاوض والصفقات، أكسبه طول التجربة انفتاحا واعتدالا وواقعية، أوصلته صفقة المجموعة الحضرية رئيسا للمجلس الإقتصادي والإجتماعي شارك في الإنتخابات البلدية والتشريعية الفائتة لكن مشاركته الآن في الإنتخابات الرئاسية تجعله يخسر منصب رئيس المجلس الإقتصادي ولا يربح رئاسة الجمهورية، يتخذ لمقاطعته عنوان (إنتقاد اللجنة المستقلة للإنتخابات)، يتعجب البعض قائلا:أليس هو من عين رئيسها وعددا مهما من أعضائها؟ أما كان
الأجدر به أن ينتقد نفسه؟ تلك هي تبريرات الأحزاب السياسية التي اختارت مقاطعة الإنتخابات قرار لها، أما المواطن الموريتاني فلا تعنيه تلك التبريرات كثيرا، هذا المواطن يجد نفسه أمام عدة مترشحين كل منهم يمثل رؤية سياسية لمستقبل البلد، وكل واحدة من تلك الرؤى تعبر عن تطلعات وهموم وهواجس جمهور لا بأس به من هذا الشعب.. من المرشحين من أوغل في إطلاق الشعارات الغرائزية الانعزالية التي تجد هوى في نفوس البعض بالحق أو بالباطل، ومنهم من اختار الخطاب العقلاني الحكيم الذي يرسخ ثقافة العيش المشترك ويمد جسور التفاهم بين مكونات وأطياف المجتمع
مؤسسا لغد واعد من التنمية والازدهار، وأمام هذا الاستقطاب الحاد لا يمكن أبدا لمواطن موريتاني مخلص لبدله وشعبه أن يقف متفرجا كأنما يحدث هو في كوستاريكا أو السلفادور.. بل واجبه أن يرجح الكفة التي يميل إليها ويتعين عليه أن يدلي بالشهادة التي في عنقه بل إن الله سبحانه وتعالى حرم عليه كتمان الشهادة قال تعالى: (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم)البقرة 282 وقال جل من قائل: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون)البقرة139 صدق الله العظيم