لقد التقطتُ من خلال متابعتي للحملة الانتخابية عدة إشارات تبشر كلها بأن المقاطعة ناجحة إلى حد الآن، ولقد ارتأيت أن أشارككم عشرا من تلك البشارات:
البشارة الأولى: لقد كانت المقاطعة السياسية لانتخابات 21 يونيو ناجحة،
وهو ما نتج عنه غياب منافسين جديين للرئيس عزيز.ويكفي لتأكيد ذلك أن نتذكر بأن بعض المترشحين لم يتمكن حتى من توفير التوقيعات اللازمة لترشحه، وهو ما جعل المجلس الدستوري يضطر لتزوير توقيعات بعض المستشارين والعمد لتزكية أولئك المترشحين، وبذلك يكون المجلس الدستوري قد فقد ما تبقى لديه من مصداقية، إن كان قد تبقى لديه أصلا أي شيء من مصداقية.
البشارة الثانية: لقد غاب التنافس بين المترشحين الخمسة خلال الحملة الانتخابية، وقد أظهروا بأنهم ليسوا في منافسة حقيقية، وإنما هم في منافسات ودية فيما بينهم، وأنهم هم الخمسة في تنافس حقيقي وجاد مع المقاطعة والمقاطعين. لقد كانت كل خطابات المترشح عزيز موجهة ضد المنتدى وضد المقاطعين، أما بقية المترشحين فقد قسموا خطاباتهم بين نقد المقاطعة وتبرير ترشحهم، وهو ما يعني ضمنيا بأن الترشح لانتخابات 21 يونيو يحتاج إلى الكثير من التبرير لإقناع الرأي العام بجدوائيته.
البشارة الثالثة: لقد أظهر المترشح عزيز الكثير من الود لمنافسيه الأربعة، ولقد ظهر ذلك الود من خلال تبرعه بمبالغ كبيرة من أموال الدولة، ومن مال حملته الخاص لمنافسيه في مسرحية 21 يونيو. فهل سمعتم من قبل هذه الحملة بمترشح يتبرع لمنافسه بمال أثناء حملة انتخابية؟ وهل سمعتم من قبل هذه الحملة بمترشح لا يطلب ـ ولا لمرة واحدة ـ بعدم التصويت لمنافسيه؟ لقد ظل المترشح عزيز وخلال كل مهرجاناته يحث على المشاركة، ولا يهمه بعد ذلك لمن سيصوت المشاركون، فالمهم بالنسبة له، هو أن لا يكونوا مع منافسه الحقيقي، أي مع خيار المقاطعة .
البشارة الرابعة: لأول مرة تلجأ الحملات الانتخابية في موريتانيا إلى الاستعانة بالشعر السعودي وبالطرب السنغالي وبنقل المباريات من أجل استقطاب الأنصار.
البشارة الخامسة : لأول مرة نسمع عن حملة لا تتوقف عن التعيينات حتى من بعد الدخول في أسبوعها الثاني، وذلك لشعور القائمين عليها بالارتباك من عدم تجاوب الجماهير معها. فقد جرت العادة أن يتم تعيين طاقم الحملة، كل طاقم الحملة، من قبل انطلاقها، وذلك لأن مدة الحملات لا تتجاوز أسبوعين مما يعطي أهمية للوقت ولضرورة استغلاله استغلالا جيدا. أما في هذه الحملة والتي تشكلت من عدة حملات موازية ( الحملة الرسمية، حملة الحزب الحاكم، حملة الشباب، حملة المبادرات، حملة الأقارب) فقد ظلت دائما، وخلال كل أيام الحملة، بحاجة إلى تعيينات جديدة وذلك لمواجهة الفتور الذي اتسمت به.
البشارة السادسة: إن الحدة التي اتسمت بها خطابات المترشح عزيز في كل مهرجاناته الانتخابية لتعكس مدى القلق الذي يشعر به الرجل من إمكانية نجاح المقاطعة. ونفس الشيء تتقاسمه معه قيادات حملته، وهو ما ظهر من خلال المقال الذي كتبه رئيس الحزب الحاكم والذي هدد من خلاله المعارضة، وكذلك المقال الذي كتبه الفقيه إسلمو ولد سيد المصطف والذي أنكر فيه بشدة خيار المقاطعة، ومن حقنا نحن أن نسأل الفقيه عن أيهما أولى بأن نستنكر فعله : طائفة من المسلمين قبلت برئيس حتى أكمل مأموريته، ولكنه رفضت المشاركة في انتخابات يترشح فيها لمأمورية ثانية، وطائفة أخرى من المسلمين لم تقبل لرئيس بأن يكمل مأموريته، وإنما انقلبت عليه، وسجنته، وأبعدته عن الرئاسة من قبل أن يكمل ستة عشر شهرا من مأموريته التي حددت بستين شهرا؟
البشارة السابعة : التماسك الذي أظهره المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وبكل أقطابه ومكوناته حيث لم تحدث انسحابات ولا انشقاقات في مكونات هذا المنتدى رغم تنوعها وتعددها. وهذه أول مرة تعجز فيها السلطة عن إحداث انشقاقات في الصف الأول من قيادات المعارضة، مما يعني بأن تلك القيادات أصبحت أكثر تماسكا وأشد اقتناعا بأهمية المقاطعة.
البشارة الثامنة: غياب الوعود الانتخابية في خطابات المترشح عزيز، مع التركيز على انتقاد المعارضة الموريتانية وتحميلها كل المصائب التي عرفتها موريتانيا خلال العقود الخمسة الماضية، وهذا الخطاب لم يعد مقنعا للناخب الموريتاني، اللهم إلا إذا استطاع المترشح عزيز أن يقنع الشعب الموريتاني بأن رؤساء موريتانيا في الفترة ما بين 1978 إلى 1984 هم على التوالي: محمد ولد مولود وجميل مصور وصالح ولد حننا. أما رئيسها من العام 1984 إلى يوم الأربعاء 3 أغسطس 2005 فقد كان أحمد داداه في حين كان هو، أي المترشح عزيز، وبقية المترشحين الذين ينافسوه الآن في انتخابات 21 يونيو هم من يقود النضال ضد تلك الأنظمة البائدة، والدليل على ذلك هو أنهم ظلوا خلال كل تلك العهود ينتقلون من سجن إلى سجن، ومن منفى إلى منفى آخر.
حقيقة إن تحميل المعارضة الموريتانية حصاد الخمسين سنة ماضية لأمر يثير السخرية، ولا يعني ذلك إطلاقا بأنه لا يوجد في المعارضة الآن من يتحمل جزءا من تلك الحصيلة، ولكنه يعني فقط بأن أغلب أولئك الذين أفسدوا خلال العقود الماضية يوجدون الآن في صف النظام، ويمكن القول وبكل اطمئنان بأن 70% أو أكثر من المفسدين هم الآن حول المترشح عزيز.
البشارة التاسعة: لم تستطع حملة المترشح عزيز أن تقدم في العام 2014 شعارات مغرية للناخب الموريتاني كما فعلت في العام 2009، ولم يعد بإمكانها أن تعيد شعارات 2009 في العام 2014 وذلك بعد أن تبين للناخب الموريتاني بأنها لم تكن إلا مجرد شعارات انتخابية.
لقد وعد الرئيس عزيز في العام 2009 بأنه سيشيد سجنا كبيرا وسيملؤه بالمفسدين..فأين هم رموز الفساد الآن؟ وهل يوجد أي واحد منهم في سجن آلاك؟ إنهم الآن يتزاحمون في القصر الرئاسي كمستشارين ومكلفين بمهام، وإنهم يقودون الوزارات، ويرأسون مجالس كبريات الإدارات والمؤسسات، ويتبادلون المراكز القيادية في الحزب الحاكم.
ولقد وعد الرئيس عزيز في العام 2009 بموريتانيا الجديدة، فماذا ترون في العام 2014 من معالم موريتانيا الجديدة؟ إليكم هذه اللقطات السريعة التي شاهدناها في السنوات الخمس الماضية : خطابات جهوية وعرقية وشرائحية غير مسبوقة، أهل الشرك يتذمرون، أهل الكبلة يستاؤون، أهل الساحل ينزعجون، القبائل تجتمع، الشرائح والأعراق يهدد بعضها البعض، هيبة الدولة تهان في فصالة وفي أزويرات وفي قلب العاصمة، المصاحف تمزق، وخير البشر يساء إليه، شباب يقودون حروبا عرقية في الجامعة، أعلام القاعدة ترفع في مسيرة، أعلام السنغال ترفع في أخرى، مواطن يطلب بقتل مواطنة علنا، سيل عارم من المبادرات القبلية .
ولقد قال الرئيس في حملته السابقة بأنه لن يعد في حملته الانتخابية إلا بما يستطيع أن ينجز، وقد وعد بأشياء كثيرة لم ينجزها.لقد قال في تلك الحملة بأن مشاكل الماء والكهرباء ستختفي نهائيا خلال مأموريته الأولى، بل أكثر من ذلك لقد تحدث عن تصدير الكهرباء الموريتانية إلى بعض الدول المجاورة. صدرنا الكهرباء ولم نستطع أن نخفض سعرها في حين أن حكومة السنغال استطاعت أن تخفض فاتورة الكهرباء عن مواطنيها بالنصف. الطريف في الأمر أن الرئيس كان يتحدث في مهرجان انتخابي بمدينة لعيون عن تصدير الكهرباء وذلك في الوقت الذي كانت فيه الكهرباء منقطعة عن جل أحياء المدينة..متحدث باسم مبادرة كان يتحدث في مبادرته عن تصدير الكهرباء على ضوء شمعة وذلك بعد أن انقطعت عنه الكهرباء خلال تعداده لإنجازات الرئيس عزيز..الأهالي في مدينة كيفة استقبلوا الرئيس بأواني فارغة كتعبير عن العطش الذي يعانون منه.
ولقد وعد الرئيس أيضا في حملة 2009 بتوزيع المتاح من العدالة، وبتطوير الصحة، وبإصلاح التعليم، ولكن الذي حدث بعد ذلك فهو معروف : غابت العدالة، ولم تتطور الصحة، ولم يتم إصلاح التعليم الذي تأخرت المنتديات المنظمة حوله، وعندما تم تنظيمها لم تجد من يهتم بما توصلت إليه من توصيات.ووعد الرئيس أيضا بمصانع للحوم وللجلود وللألبان في كيهيدي والنعمة ولعيون، ولكن لم يشيد أي من تلك المصانع خلال السنوات الخمس الماضية، أما الجسر الجوي الذي سيربط بين باريس وسيلبابي، والطريق المعبد الذي سيربط بين أزويرات وسيلبابي، وغير ذلك من الوعود الكثيرة فلم يكن إلا مجرد وعود تم نسيانها تماما بعد انتهاء المهرجانات التي أطلقت فيها تلك الوعود. لم تستطع حملة 2014 أن تقدم وعودا ثورية كما حدث مع حملة 2009، ولعل الجديد في حملة 2014 هو أن المترشح عزيز قد أصبح أكثر ميلا للحديث عن الأرقام والمؤشرات في مهرجاناته الانتخابية، وكذلك عن الأموال الطائلة التي تكاد أن تلفظها خزائن البنك المركزي لكثرتها، ولكن ما فات المترشح عزيز هو أن الحديث عن تلك الأموال الضخمة أصبح يثير سخط الشعب الموريتاني الذي يعاني من الجوع والعطش والفقر والمرض والبطالة، رغم تلك الأموال المكدسة.
البشارة العاشرة : دخول اللجنة المستقلة للانتخابات كطرف، وتبديدها للأموال الطائلة للدعاية لخيار المشاركة، هذا فضلا عن احتكارها لنسبة المشاركة، وسحب أحقية تحديد تلك النسبة من رؤساء المكاتب في سابقة من نوعها تؤكد بأن تلك النسبة ستشهد تزويرا كبيرا خلال إعلان النتائج وذلك للقول بفشل المقاطعة.
إن نسبة المشاركة التي ستعلن عنها اللجنة المستقلة للانتخابات لن تكون لها أي مصداقية، وذلك لأن كل القائمين على العملية الانتخابية من مترشحين وممثليهم ومن لجنة مستقلة للانتخابات، ومن مجلس دستوري سيكون من مصلحتهم جميعا أن يتم تضخيم تلك النسبة.
وإن من زور تزكيات العمد والمستشارين البلديين لن يتورع قطعا عن تزوير أصوات المواطنين البسطاء، ولا عن تزوير نسبة مشاركتهم في انتخابات فقدت مصداقيتها حتى من قبل أن تبدأ.
إن المهم بالنسبة للمقاطعين هو أن يكون مستوى الإقبال الفعلي على المكاتب يوم الاقتراع، خاصة في العاصمة وفي المدن الكبرى أقل بكثير من مستوى الإقبال المعهود . وتشير كل الدلائل بأن ذلك الهدف سيتحقق.
حفظ الله موريتانيا..