ظلت المعارضة الموريتانية منذ بزوغ فجر الاستقلال تحاول منع تغول السلطة ورغم ضعف الوعي فقد استطاعت تحقيق إنجازات قوية في مراحل مختلفة من تاريخها ويكفينا أن نقف عند محطات بارزة كتأميم ميفرما وإصدار العملة وإلغاء الاتفاقيات التي تنتقص
من السيادة الوطنية في عهد الحكم المدني ،وبدء المسار الديموقراطي الشكلي في عهد العقيد ثم اضطرار العسكر 2005 لجعل المعارضة الشريك السياسي الأبرز في المرحلة الانتقالية تلك المرحلة التي زادت المشهد ضبابية عند المواطن، وفُقد الأمل عند انتخاب رئيس مدني في الظاهر عسكري في الواقع انتهى عهده وهو لمايبدأ حين أراد أن يبعد الجيل العسكري الجديد عن السلطة فهل يشكل المنتدى عودة لقوة المعارضة وهل تخدم قوة المعارضة مشروع إسقاط الحكم الفردي المتقوي بالمؤسسة العسكرية والخارج من صميمها؟
حين تشكل المنتدى مثل بارقة أمل جيدة لمن يحلم بالحكم المدني وبإسقاط العسكر بأقل الأثمان، فحين تتكتل النقابات والشخصيات المستقلة وأحزاب المعارضة الوازنة في كتلة وحدها هدفها الأساس هو فرض التناوب السلمي على السلطة من خلال انتخابات شفافة حرة ونزيهة يتنفس المواطن الصعداء ويحلم باقتراب المفاصلة مع استبداد أهلك الحرث والنسل فهل حقا يستحق المنتدى كل هذا التفاؤل؟
يتشكل منتدى الديموقراطية والوحدة من مركزيات نقابية وازنة وأحزاب سياسية عريقة وشخصيات وطنية مستقلة لعبت أدوارا هامة عبر تاريخنا السياسي على مدى خمسة عقود هو إذا من حيث الشكل تكتل مدني عريض ومن حيث الخبرة يضم شخصيات كانت فاعلة في حقب من تاريخنا وهو من ناحية التمثيل يضم الأحزاب ذات الشعبية الجماهيرية وتلك النخبوية إضافة إلى المركزيات النقابية ذات النفس الطويل كل ذلك مسنود بشخصيات مستقلة ذات تجربة حقيقية في حقل صنع القرار والتأثير على صانع القرار هذا إضافة لشباب وطني كانت جهود نداء 4 دجمبر مثالا على عبقريته وحسه النضالي الذكي وهكذا أرسل المنتدى عدة رسائل:
-الرسالة الأولى للمواطن الموريتاني:لقد أعلن المنتدى نهاية تشرذم المعارضة السياسية كعامل تنفير مشهود يبعد المواطن عن الفعل النضالي،لقد أثبت وجود النقابات والشخصيات المستقلة أن الأمر لايتعلق بمطالب حزبية آنية ومتضاربة أو متآلفة بفضل اللحظة بل أبان أننا أمام فعل مدني كبير هدفه ضمان الانتقال السلمي السلس للسلطة من أجل تفادي الآثار السلبية للتغيرات غير الدستورية العسكري منها والثوري
-الرسالة الثانية للمؤسسة العسكرية:لقد بين المنتدى للجيش أن عهد ابتزاز النخبة السياسية بالاحتقان العرقي وبخطر انهيار سلطة الجيش انتهى ويبدو أن الرسالة التي وصلت الجيش تتلخص في وجود نخبة مدنية سياسية ونقابية لايمكن تجاهلها إطلاقا
-الرسالة الثالثة للجنرال الرئيس:لقد أرسل المنتدى للرئيس المترشح أن عهد معارضة مشاركة وأخرى مقاطعة انتهى وبالتالي علينا أن نختار بين انتخابات حقيقية غير مأمونة بالنسبة له وانتخابات صورية لاتختلف نتيجتها السياسية كثيرا عن نتيجة بيان المجلس الأعلى للدولة الذي أصدر يوم 6 أغسطس 2008
-الرسالة الرابعة للقوى الدولية:لقد أعلن المنتدى للمجتمع الدولي أن طريق الاستقرار السياسي لبلد كموريتانيا- يشكل عدم استقرارها خطرا كبيرا على المصالح الغربية- أصبح يمر حتما عبر الاستماع لنخبة قررت بعزم لايلين فرض انتخابات نزيهة حرة وشفافة أو العودة حتما لماقبل 2005
-الرسالة الخامسة للموالاة:لقد وجه المنتدى للمتحلقين حول السلطة رسالة واضحة مفادها أن عهد الديموقراطية الصورية المربحة انتهى وأن النخبة الموجودة في المنتدى لن تقبل الاشتراك في مسرحية تمتص مال الشعب وتضيع الوقت من جديد ومن الوضوح على وجوه الموالاة غير العسكرية أو القبلية أن الفتور والتوجس أصابها بفعل اقتناعها بخطر المنتدى على الديموقراطية المميعة
كل هذه الرسائل نابعة من توحد المنتدى خلف خياره المتمثل في فرض انتخابات حرة شفافة ونزيهة لاتمانع في ترشح الجنرال لكنها تحول فوزه من مؤكد إلى مجرد احتمال بين احتمالات أخرى فمالذي أكدته مجريات الأحداث فيما يخص تفاعل المتلقين مع الرسائل؟
-المواطن:استقبل الرسالة بحسه الذكي وأيقن أنه أمام انتخابات عبثية لاتستحق إضاعة الوقت يمكن قراءة ذلك من خلال الحضور في مهرجان الشباب في ساحة إبن عباس
-المجتمع الدولي:استقبل الرسالة بوعي حقيقي ومازال يدرس المخرج من مأزق عودة نظام ماقبل 2005 وكيفية التعامل معه في ظل مشهد إقليمي أكثر تعقيدا مما كان قبل 2005
-المؤسسة العسكرية:عكس الكثير من الناس أقرأ نقمة الجيش في ازدياد تملق الضباط وأقرأ طمأنينته في اقتصار الضباط على الشأن السياسي القبلي وبالتالي قرأت في اهتمام نساء الجنرالات بالحملة فهما ذكيا للمرحلة من طرف من خبرو المسألة لقد وصلت رسالة عودة نظام ماقبل 2005 لبريد الجيش لكن هذه المرة مع معارضة متحدة وموحدة الهدف
-الرئيس المترشح:لقد استقبل الرسالة وظهر ذلك واضحا في تشجنه وحملته المتواصلة على المقاطعين،لقد كان العقيد واثقا من الفوز في 2003 ولكنه تشنج بسبب يقينه أن فرضية استمرار حكمه باتت محل تساؤل وكذلك الجنرال اليوم فهو على يقين أن بيرام ولاله وصار لن يجروه لشوط ثاني أحرى أن يفوزوا عليه لكن وصلته رسالة أن نظامه الذي أمضى 8 سنوات يحاول ترسيخه في طريقه للتفكك وعكس معاوية العارف بالجيش وبالقوى السياسية لايعرف الجنرال سوى أن بازب قادرة على التصدى لمحاولات الانقلاب لكن يفوت الجنرال أن هناك فعلا سياسي قادم سيتراكم ليجعل حتى رجال القبيلة يريدون التخلص من عنوان الاحتقان
لقد نجح المنتدى في تحويل الانتخابات إلى مسرحية رديئة جدا فهل سيستمر في السير متوحدا خلف هدف إنهاء الحكم العسكري المافيوي؟
من الواضح أن الجنرال فور تنصيبه الصوري سيشرع في منازلة التيار الإسلامي ممثلا في تواصل وسيقوم بحملة مغازلة لأطر التكتل فهل ستتفرج باقي القوى على استمالة التكتليين والتضييق على التواصليين أم أنها ستصمد لتلتحق بها الأطر الداعمة المهمشة والتي ستعزل تحذيرا للمشكوك في ولاءهم وانتقاما من المجهول
مانرجوه هو أن يكون خروج مارد المعارضة من قمقمه خيارا استراتيجيا لاتكتيكا فرضته المرحلة ،وحين يعلم المنتدى أنه قوة بتوحده وأن الوقت وقت تناسي الاختلافات والثقة المتبادلة فسنكون أمام فعل سياسي مؤثر يتبع نجاح المقاطعة بنجاح إخراج العسكر من السلطة وتفرغ المؤسسة العسكرية لمهتمها في وقت حساس بكل المقاييس فهل بدأنا حقا الخروج من متاهة العاشر يوليو؟