أختلت معايير أهل زماننا ،فلم يعد الكثير منهم يميز بين الصالح والفاسد .وعملت أجهزة إعلام التضليل والتزييف علي طمس الحقائق ولفت الأنظار الناس عنها ،وقامت بنشر الدعايات المغرضة وإطلاق التصريحات وبث التهجمات الهادفة إلي إرباك المواطن البسيط وجعله في وضع معقد
لا يتبين فيه الخيط الأبيض من الأسود ..فكيف يصبح المصلح فاسدا ؟ والفاسد.. مصلحا؟ وماهي دلالات هذه الألفاظ في قاموس الخطاب السياسي للموالاة ورئيسها؟
التاريخ هو الحاضنة والذاكرة الجديرة بحفظ الوقائع والأحداث وكتابة السير الذاتية للقادة والأشخاص بعيدا عن مايدعون لأنفسهم ،أو يسعي الآخرون لإلصاقه بهم ....
بدا الرئيس الموريتاني في خطاباته الإعلامية الدعائية : بطلا قوميا ومنقذا شهما ومصلحا طاهرا ونظيفا وغيره حثالة من المفسدين وبطانة للأنظمة البائدة والمتحايلين علي الوطن ومقدراته والسفاحين الدمويين ..!
المشهد إذا في كل خطابات المرشح الفائز سلفا في انتخابات 2014م (إذا جازت التسمية) يوحي بأن التاريخ أصبح مكبا للنفايات والأوساخ التي يرمي به الرئيس خصومه بكل إسفاف واستخفاف ...
لنقرأ – مثلا- في بعض تصريحات الرئيس حول أحد الذين يعتبرهم ألد خصومه ويلصق بهم أخطر التهم والأوصاف ،وقد شاركته زبانيته في التهجم علي ذات الرجل في خضم حملة التزلف الجارف بالأخلاق لدي الأشخاص المحيطين بالرئيس .فقد قال من يسمي بالناطق باسم الرئيس مايلي:( إن " أشخاصا مثل رئيس حزب حاتم ورفقائه من حديثي المعارضة ومذبذبي المواقف ونفعيي التفكير، يحملون على أيديهم دماء الموريتانيين وعلى وجوههم وصمة عار اختلاس الممتلكات العمومية والتزوير والتزييف والفساد").
الرئيس نفسه لم يخلو تصريح واحد له من استهداف لفظي ظاهر أو باطن للرجل ورفاقه ..فأيهما الفاسد ؟ وأيهما الصالح ؟
لا أريد أن أجيب هنا علي سؤال طرحته خطابات الحملة الدعائية المنصرمة ويستطيع كل مواطن موريتاني الإجابة عنه بسهولة وعفوية ..لكن مقتضيات "الصمت الانتخابي المزعوم" تقضي أن نسلك طريقا آخر في الإجابة يعتمد أساسا علي التذكير ببعض الحقائق المعروفة لدي الجميع علي أن يستخلص كل قارئ الإجابة لنفسه ....
أولا: المشترك بين رئيس حزب الإتحاد والتغيير الموريتاني (حاتم ) والرائد السابق في القوات المسلحة :صالح ولد محمدو ولد حننا والرئيس السابق والقادم الجنرال المتقاعد محمد ولد عبد العزيز.....
- كلاهما ينتمي للمؤسسة العسكرية وقد تقلدا فيها رتبة ضابط مع تفاوت في الترقيات (من ملازم إلي رائد ،ومن ملازم إلي جنرال )
- ينتميان لفئة عمرية واحدة (من مواليد الستينات ) وكذلك الشريحة الاجتماعية ( أصول الانتماء العربي والإسلامي )
ثانيا: المؤهلات العلمية والسياسية
- صالح ولد حننا دخل المدارس النظامية وتخرج من مراحلها المختلفة (الإبتدائية والإعدادية والثانوية والجامعة) ونال أرفع شهادات التعليم الموريتاني (المتريز ) .تلقي عدة تكوينات عسكرية ومدنية وانخرط في عدة دورات تعليمية وتثقيفية وفكرية عربية ودولية
- محمد ولد عبد العزيز : دخل الإبتدائية في السنغال ثم الإعدادية في موريتاني ,,وانتهي به الأمر متنقلا بين الأهل في السنغال والمغرب وموريتانيا ..إلا أن ألحقه أحد أقربائه المشهورين بالجيش ..
ثالثا : المشوار المهني :
دخل صالح ولد حننا الجيش بدوافع ثورية وطموح تحرري تكون لدية إبان انخراطه في التنظيمات السياسية العربية القومية . وقد تبلور لديه مشروع سياسي نهضوي نذر نفسه للعمل علي تحقيقه وكان التحاقه بالجيش ضمن كوكبة من الشباب الواعي ، يجسد ذلك الطموح والذي تعزز بتقدمه السريع في الرتب العسكرية وخبراته ومؤهلاته العسكرية التي تشكلت لديه علي مدي أعوام قليلة ..
- محمد ولد عبد العزيز أحد الذين أحتضنهم الجيش بفضل وساطة كبار الضباط وتوفرت لهم الامتيازات و الظروف الجيدة والاحتضان من أركان الأنظمة الحاكمة مما سهل له الحصول علي الترقيات والتقدم في سلم القيادة وقد عرف بالانضباط والطاعة والتفاني في خدمة النظام الحاكم...
رابعا: المشوار السياسي للرجلين :
- صالح ولد حننا هو ذلك الشاب الثائر علي كل أنظمة الفساد التي تعاقبت علي حكم البلاد وقد أدي به ذلك إلي أن يفصل من الجيش في عام 2000م علي إثر محاولته الأولي لإنقاذ البلاد من حكم الاستبداد والطغيان..
واستمر نضاله المرير ليتوج بتمريغ أنف نظام ولد الطايع وزمرته من ضباط وسياسيين وتشتيت شمل مملكة طغيانهم وقطع أوصال تخندقهم ودك أوكار فسادهم ...وجعلهم يظهرون بمظهر المتشردين الهاربين في أزقة انواكشوط خارج منازلهم ،بعيدا عن عروش مجدهم الزائف ..وكان من بين الذين اكتووا بنيران الغضب الثور الذي قاده الفارس (صالح ولد حننا ) الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي لم يعرف شيء عن مخبئه الذي نجي فيه من قبضة الثوار ... ثم كان من نتائج ذلك أن وجد الضابط المغمور وقتها (محمد ولد عبد العزيز ) فرصته سانحة لينال ثقة انهارت وسقط أصحابها فآلت إليه خائرة، هاربة. فاحتضنها باندفاع وتحين وتربص ...ثم جاءت المحاولة الثانية لفرسان التغيير بقيادة الزعيم في تصنيف (وسائل الإعلام العالمية ) صالح ولد حننا وكانت محاولة جسورة أظهر خلالها الرجل شجاعة وتضحية متميزة عن كل رفاقه الأشاوس ...وكانت أيضا هذه المحاولة الثالثة فاتحة خير علي العقيد المتربص بنظام ولد الطايع المنهار .فانقض الحارس الشخصي للرئيس معاوية علي حكمه وقد أودعه إياه وذهب معزيا للملكة السعودية في وفاة ملكها .. ثم ظهر متخفيا خلف ابن عمه وولي نعمته الرئيس السابق العقيد أعلي ولد محمد فال ..ثم انقض ثانية علي الشيخ الوقور (سيد محمد ولد الشيخ عبدالله) الذي أقحمه في عملية تحايل معروفة، ليدخله السجن بعد أن انتخبه الشعب الموريتاني في خدعة العسكر الأولي بعد زوال نظام ولد الطايع .ويدوس علي دستور البلاد وأعراف العالم وديمقراطية نظام الحكم ..
وليظهر الجنرال المتحايل أخيرا وقد كشف النقاب عن جزء من حقيقته في واقعة 6/6 والتي حالف فيها رئيس حزب حاتم صالح ولد حنن ومنح حزبه المناصب الوزارية والوظائف السامية ،ورفع ذات الشعارات التي كان الفرسان يرفعونها في جميع محاولاتهم وفي مقدمتها محاربة الفساد ... وبعد أن تكشفت الصورة الكاملة لنظام الرئيس المنقلب علي الشرعية والباحث عنها بجميع الحيل المعهودة لسلفه ...استفاق حزب حاتم من وهم الشعارات وعاد الفارس إلي صهوة جواده ورفع صوته من جديد وانطلق في ذات المشوار النضالي الذي شقه لنفسه منذ عقود .
هكذا نفهم السر الكامن في تهجم أنصارولد عبد العزيز علي الرئيس صالح ولد حننا ورفاقه ،وهكذا نفهم أيضا: لماذا لم يبق مع الرئيس صالح أحد في حزبه "بعبارة ولد عبد العزيز ".
إن طريق الإصلاح يحتاج إلي تاريخ من الممارسات والتضحيات وليس العبارات والإدعاءات اللفظية والتصريحات المبنية علي التملق والبحث عن المكاسب الشخصية ...