عند الساعة السابعة من يوم السبت 21 يونيو 2014 أغلقت الصناديق الانتخابية أمام مهزلة انتخابية جديدة في موريتانيا أطلقوا عليها مجازا إسم "الانتخابات الرئاسية"، وعند الساعة السادسة من مساء الأحد 22 يونيو 2014 أصدرت "اللجنة المستقلة للانتخابات"
نتائجها بإعلان محمد ولد عبد العزيز رئيسا لموريتانيا لمأمورية ثانية وبنسبة فاقت 81% . غير أن هناك رسائل أفرزتها الحملة الانتخابية الممهدة لهذه المهزلة وجسدها يوم التصويت يجب التوقف عنها وقراءتها قراءة متأنية:
الرسالة الأولى غياب الوقود:
من المعروف أن الحملات الانتخابية في موريتانيا كانت تستخدم النساء والشباب بشكل كبير وواسع في حملة خطاباتها وبرمجها السياسيين للمرشحين. مستثمرة في ذلك دورهما الريادي الديناميكي والحركي في حمل الخطاب السياسي لهذا المرشح أو ذاك، بغرض توصيله بالطريقة التي يريدها هذين العنصرين أو التي تناسبهما. وقد غاب هذا الوقود عن كل الحملات الانتخابية لجميع المرشحين وبشكل لافت ومحير.
وعلى صعيد الحزب الحاكم وحملة المرشح محمد ولد عبد العزيز فقد تم إنشاء حملة وطنية للنساء وأخرى للشباب لكن بوادر فشلهما في حمل خطاب المرشح ظهرت سريعا. وهو ما جعل إدارة الحملة تحاول إصلاح الخلل قبل البداية، فتم إنشاء منتدى الشباب الديمقراطي على عجل وتم تكليفه - وإن بشكل خفي - بإدارة حملة الشباب لكن حظه لم يكن أحسن من سابقيه. حيث ظلت جوانحه مشلولة بحيث لم يستطع الإقلاع بخطاب المرشح محمد ولد عبد العزيز ... وإن كنت لا أعلم ممكن العجز، إلا أنني أتساءل: هل هو نابع من عدم قناعة الشباب بالبرنامج وبالمرشح وبالتالي عدم حماسهم واندفاعهم لحمله؟.. أم لأن متندى الشباب وهن منه العظم وخارت منه القوى بأسرع مما ينبغي حتى صار نشاطه فاترا باهتا على شاكلة نشاط نساء وشباب الحملة؟.
الرسالة الثانية غياب أجواء التنافس:
إن المتجول في أنحاء الحملة الانتخابية سواء في ليلها أو نهارها يدرك غياب أي نوع من مظاهر التنافس، وانعدام وجود أي شكل من الخطابات السياسية القادرة على إبراز رؤية هذا المرشح أو ذلك بغية تقديمها إلى الناخب الموريتاني.. ولا أملك تفسيرا دقيقا لهذه القضية إلا إن كانت هناك قناعة خالصة عند القائمين على هذه الحملات بعدم جدوائية مثل هذه الحملة، في ظل الخصومة الجلية بين المواطنين والخيام المنصوبة للحملة الانتخابية بغرض لتجمهر من أجل التعبئة والتحسيس للمرشح وخطابه. وهذه الظاهرة عمت خيام وحملات جميع المرشحين بدون استثناء..
الرسالة الثالثة العزوف عن مكاتب التصويت:
أظهر المواطنون في نواكشوط وفي أغلب المدن الكبيرة في الداخل بشكل خاص نوعا من رفض هذه الانتخابات تجسد إضافة لما سبق في رفضهم لسحب بطاقات الناخب. وبالتالي عبروا بطريقة جلية وبارزة عن عزفهم عن الحضور إلى مكاتب التصويت يوم السبت 21 يونيو 2014 من أجل المشاركة في عملية سياسية رأوها عرجاء من بدايتها، فعجزوا عن إصلاح الخلل البنيوي لحركة سيرها، ثم عزفوا عن مسايرتها في خطواتها الطويلة والمملة والمتثاقلة التي تسير بهم إلى المجهول...
الرسالة الرابعة: نحاج حملة مقاطعة المنتدى
المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة قرأ الساحة السياسية جيدا قبل اتخاذ قرار بالمشاركة أو المقاطعة في هذه الانتخابات.. ويبدوا أن قراءته جاءت ناضجة بحيث أبرزت مواطن الخلل التي كان يخشاها. وجعلت من مقاطعتهم للانتخابات مصيدة ارتمى فيها أبرز المرشحين الذي خصهم بوابل من الشتائم والتهم التي جعلت منهم الحاضر الأبرز في الدعاية الانتخابية رغم مقاطعتهم لها. لقد نجح المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة في استقطاب الموريتانيين إلى جانبه في خندق المقاطعة .. وهو استحقاق - بالقطع - له ما بعده على الصعيد السياسي.
ختاما: هي رسائل تعطي لمحة ضبابية مقلقة عن ما قد تحمله الساحة السياسية الوطنية في قادم أيامها خاصة في ظل المتغيرات على مستوى الخطاب السياسي الذي أفرزته هذه الانتخابات الأحادية..