موريتانيا وقصة الإختطاف / يحي عياش محمد يسلم

كثيرون كانوا مخدوعين بشعارات العسكر ووعودهم التي أطلقوها بعد انقلابهم على أول رئيس منتخب للبلاد لاكنهم اليوم بعد أن شاهدوا تدهور البلد وتقهقر الحلم الديمقراطي وصلوا إلى قمة اليأس وأصبح لسان حالهم قول الشاعر:
ولاترجو السماحة من بخيل @ فما في النهار للظمئان ماء

وهو أمر يدعوني إلى الحديث عن عقلية العسكر وطبيعتهم المـتجذرة التي عنوانها اللؤم والدموية وانتهاك حقوق الإنسان .
وهي طبيعة لاتكاد تختلف من عسكري إلى عسكري بقدر ماتشكل الطبيعة الأصيلة للعسكر المغتصبين للسلطة في البلاد العربية والذين رباهم المستعمر وابتلى الله بهم الأمة في عصر ضعفها وتخلفها وهم جذر البلاء ومنبع الداء ومصدر التخلف والشقاء .
وقد شهد العالم كله دموية العسكر من خلال الإنقلاب العسكري في مصر وتفرج على أكبر مأساة إنسانية صنعها العسكر .
وإذا كان المشهد في مصر قد يحسبه الكثيرون يختلف عن المشهد في موريتانيا فإنه ليست الطبيعة العسكرية هي التي تختلف وإنما هي عقليات الشعوب هي التي تختلف فنجد بعض الشعوب تثور على الإستبدادوتضحي بدماءها في سبيل ذالك بينما تعودت بعض الشعوب الذل والخضوع فلم يجد العسكر مايرغمهم على الكشف عن وجوههم القذرة.
لاكن عقلية العسكر وطبعهم اللئيم يبدو واضحا من خلال تلاعبهم بالكرامة الإنسانية ودوسهم على إرادة الشعوب وتجاهلهم لمطالب الجماهير ويبدو جليا في كل انقلاب عسكري من خلال الحملات الإعلامية والدعاية السوداء ومن خلال الكذب والتلفيق والتضليل في أبشع صوره.
ممايؤكد أن الطبيعة العسكرية طبيعة واحدة وإن اختلفت الظروف .
ولعل تنامي عقلية الإقصاء ونفسية التعالي والتكبر التي يعاني منها ضابط موريتانيا ومختطف سلطتها أبرز مظهر من مظاهر الطبيعة العسكرية التي لاتتغير .
وذالك ما يتضح بجلاء في هذه الإنتخابات الأحادية التي تعبر بصدق عن عقلية الإقصاء والتكبر واحتقار الآخر .
بيد أن الأهم من ذالك هو الحديث عن تفاصيل القصة المؤلمة قصة اختطاف موريتانيا والتي يجهلها الكثير من ضحايا الإستبداد .
فقد يكون الحديث في الأسس التي قامت عليها الدولة أكثر جدوائية من الحديث عن الإجراءات الشكلية لأن مابني على باطل فهو باطل .
ولم يعد أحد يجهل أن موريتانيا بنيت بهندسة عسكرية وتم تصميمها بطريقة أحادية جعلتها لاتتسع لغير الرئيس الفرد مما جعل الحديث عن أي إجراء ديمقراطي يحتاج أولا إلى تعديلات كبيرة على جسم الدولة وتغيير جوهري في طريقة تصميمها .
مما جعل أقرب وصف لموريتانيا هو وصف الدولة المختطفة وأصبح الحديث عن واقع الدولة يحتاج إلى سرد تلك القصة ليعلم المواطن حقيقة من يحكمه وليتضح له السر في مايشاهده من فساد واستبداد وأحادية .
بدأت القصة المؤلمة عندما قرر الرئيس المدني المنتخب أن يتخذ قرارته السياسية بعيدا عن إرادة العسكر ولم يكد يتخذ أول قرار بالإنفتاح على اللوبي السياسي المعارض حتى قابله صاحب الحذاء الخشن وطلب منه أن يرافقه إلى مكان يختفيان فيه عن الأنظار.
سار الرئيس مع ضابطه وهو لايدري أنه سيفقد هيبته التي ذهب بها وأنه سيستمع إلى تهديدات عسكرية تجعل كل مابدأه هباء منثورا .
قال الضابط الفاسد لرئيسه : ارجع عن قرارك . فرد عليه الرئيس باستغراب : لاأرجع عن قراري لأنه قراري .
فرد الضابط المتكبر في كل تعنت وتجبر بلغة لاأستطيع أن أجملها بحروف الفصحى لأنها صدرت من فم عسكري جاهل ويجب أن تنقل عنه كما نطقها .
قال : ترجع عن قرارك وال يج الدم !!!!
كانت تلك المقولة وحدها كافية لتعبر عن مأساة موريتانيا ولتكون شاهدة على دموية الجيش وانعدام الديمقراطية.
فكيف لضابط أن يهدد رئيسا منتخبا لمجرد أنه قرر ممارسة صلاحياته الدستورية .
ثم اكتملت قصة الإختطاف عندما لم يجد الرئيس المظلوم بدا من التخلص من ضباطه الفاسدين الذين يعرقلون قراراته في سبيل مصالحهم الضيقة سعيا إلى الرجوع بموريتانيا إلى الوراء فأصدر قراره بإقالتهم .
لاكن القوم ردوا على القرار المدني بقرار عسكري يحتكم إلى منطق القوة والرصاص فاعلنوا عن إقالة للرئيس المنتخب ووضعوه في السجن ظلما وعدوانا بعد حملة إعلامية قذرة شوهت عرض الرئيس المدني وأظهرته للشارع الموريتاني على أنه لص ومفسد وهو في الحقيقة لاذنب له غير أن وجوده في القصر يتنافى مع مايخطط له ضباط الفساد.
كانت كل المعلومات التي تتحدث عن فساد الرئيس المنتخب معلومات مغلوطة يروج لها البرلمان الذي يحركه العسكر ويروج له صحافة قبضوا الثمن بعد الإنقلاب من خلال تعيينات ووظائف .
في الوقت الذي كان الضابط الفاسد يمتلك أموالا طائلة حصلها من أقوات الضباط البسطاء فكانت ممتلكاته التي صرح بها بعد الإنقلاب أمام لجنة الشفافية خيالية جدا .
ولاغرو أن عمد الضابط الجنرال إلى ميزانية الدولة التي تركها الرئيس المنتخب ممتلئة ليبددها في حملاته وليستخدمها استخداما بشعا في شراء الذمم .
ولاغرو أن عمد إلى الإعلام الذي لم يستخدمه الرئيس المنتخب ليطبعه بطابع الأحادية وليحوله إلى آلة دعاية هدفها الوحيد هو الترويج للرئيس الفرد .
كل ذالك شكل المناخ الملائم للهيمنة على السلطة والقضاء على إرادة شعب من خلال المال والإعلام فكانت تلك بداية الإختطاف الذي لاتزال موريتانيا تعيش فيه إلى الآن.
وإذا كانت تلك هي قصة الإختطاف فإن القصة تتجدد اليوم من خلال انتخابات أحادية كان عنوانها الأبرز سيطرة ضابط وهيمنة عسكري واختطاف دولة .
فمتى يفهم الموريتاني تفاصيل القصة ومتى يعي أن حكم العسكر لايلبي طموح الشعوب ولايلائم تطلعاتها و لم ولن يقدم للبلد غير الفساد والإستبداد والأزمات الخانقة .

23. يونيو 2014 - 22:08

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا