حتى لاتضيع البحرين كما ضاعت العراق / يحي عياش محمد يسلم

عندما بدأ الحراك السياسي البحريني كان الجميع يحس بخطر التدخل الإيراني الشيعي في البحرين ولاكن ذالك الإحساس كان يفتقر إلى رؤية سياسية واستيراتيجية للحاضر والمستقبل بعيدا عن الرؤية الضيقة التي يروج لها النظام البحريني .

فقد تصور الكثيرون أن مواجهة التدخل الإيراني في المنطقة يقتضي الوقوف مع السلطة ضد الحراك السياسي والإجتماعي في البحرين.
وهي رؤية تجاهلت أمرين :
ـ أحدهما أن الحراك جاء نتيجة لاختلال ميزان الدولة وإحساس بعض الطوائف بالتهميش والإقصاء  .
ـ أن الإستبداد والكبت يزيد الوضع اشتعالا ويمهد الأرضية للتدخل الخارجي الإيراني .
ومن هنا يتبين أن العامل السياسي الخارجي يقتضي الإستجابة لمطالب الحراك السياسي ولايقتضي رفضها وتجاهلها أحرى إذا أضفنا إليه العامل الإنساني والأخلاقي .
فلايوجد تناقض إذا بين الإستجابة لمطالب الحراك وبين الحفاظ على استقرار البحرين لأن الحفاظ على استقرار البحرين سبيله الوحيد هو إحتواء الحراك السياسي والإجتماعي بإرضاء الطوائف المظلومة وتخفيف الطبقية وإغلاق الباب أمام الإستعانة بالخارج .
وإلا فما الذي يمنع الشيعة من الإستعانة بإيران من أجل رفع الظلم عنهم وهو أمر يصب في مصلحة إيران ومخططها الإستعماري الطائفي ولن يكون صعبا في ظل التحالف الإيراني الغربي الذي يفسح المجال واسعا أمام تحقيق الخطط و الأجندة الإيرانية في المنطقة .
لذا كان واضحا لمن يقرأ الوضع قراءة عميقة أن إفشال المخطط الإيراني في البحرين لايمكن إلا بإنصاف الطوائف المظلومة وتصحيح السياسة الداخلية مما سيغلق الباب أمام أي تدخل خارجي إيراني قد يحدث بحجة إنقاذ شيعة البحرين والإستجابة لمطالبهم بحمايتهم من جور السلطة وطائفيتها .
لاكن السلطة نجحت في استغلال أهل السنة من خلال تخويفهم بالخطر الإيراني مما أضفى على السلطة سبغة عقائدية وجعل الكثير من الطيبين يتسرع في تأييدها خوفا من الخطر الإيراني غير واضع في حسبانه أنه بذالك يمهد الأرضية للتدخل الإيراني ويدفع إيران باتجاه خيار الإستعانة بالأمريكان  .
وهو ماأكدته الأيام حيث بات واضحا مؤخرا أن هناك تنسيق إيراني أمريكي بشأن البحرين وكان آخر مؤشرات ذالك التنسيق قيام البحرين بطرد مساعد وزير الخارجية الأمريكي بتهمة ممارسة السياسة .
كل ذالك يؤكد أن الإتجاه الأسلم الذي كان ينبغي على المثقفين الترويج له هو المطالبة بإنصاف الحراك وتلبية جزء من مطالبه بدل تشجيع الإستبداد والعمل على زيادة الإنقسام الطائفي مما يدفع الشيعة إلى الإستنجاد بإيران ويجعل الجو مناسبا لتدخل إيراني أمريكي في البحرين .
ولايعني هذا تجاهل الخطر الإيراني بل يعني مراعاة الظروف الداخلية للبحرين التي تشكل المناخ لأي تدخل خارجي .
فمن المعلوم أن العوامل الداخلية في تفجير الحراك متمثلة في الإستبداد والطائفية كانت أقوى من العامل الخارجي الذي هو عامل تابع وجد المبرر للظهور في ظل وجود العوامل الداخلية .
فلو افترضنا جدلا أنه في إحدى الدول التي يوجد تعدد طائفي تم تحقيق المساواة والعدل بين جميع الطوائف وترسيخ الديمقراطية فإن ذالك سيؤدي إلى استقرار الأوضاع واتجاه الجميع إلى التغيير عبر صناديق الإقتراع وعندها لن يجد أي مخطط خارجي ظروفا تسمح له بالنجاح وإذا حدث مخطط خارجي كانت معارضته حينها مقبولة لأنه لايحظى بتأييد شعبي ولايجد مبررا سياسيا ولاأخلاقيا.
أما أن يوجد نظام مستبد لايختلف عن غيره من الأنظمة الإستبدادية ويتعرض أغلبية شعبه للتهميش والإقصاء بغض النظر عن خلفيتهم المذهبية فإن الثورة هنا تجد الغطاء القانوني والأخلاقي الذي يبررها ولايمكن أن تمنع بحجة العامل الطائفي مادام الخوف من الطائفية يصدر بهدف الحفاظ على نظام طائفي !!!
وإذا كنا لانتوقع قعود إيران عن نصرة الشيعة ودعمهم حتى ولو كانوا ظالمين بهدف تحقيق أهدافها التوسعية في العالم العربي فإننا لانتوقع من باب الأولى قعودها عن نصرتهم وهم مظلومون مضطهدون لايجدون حقوقهم السياسية والإجتماعية .
هنا تسقط حجة السلطة ويتأكد لنا أن مواجهة الطائفية لايكون بالطائفية وأن الحفاظ على البحرين لايكون بتعميق الإنقسام بين البحرينيين بل ذالك مجرد سبب لتحويل الصراع إلى صراع طائفي قد ينتهي بانتصار الإيرانيين ونجاحهم في استعمار البحرين .
ولعل الأولى من كل هذا أن نبعد الوجه الطائفي للحراك ونبقي على الوجه السياسي المطلبي المحض حتى لانصاب بداء التناقض بين القيم فنعتبر المساواة مناقضة للإستقرار وهما في الحقيقة مترابطان فلا استقرار بدون مساواة لأنه لاتوجد طائفة تقبل الضيم وترضى أن تمنع حقوقها الطبيعية وإذا وجدت الدعم والتحريض الخارجيين كان ذالك معينا لها ومحمسا وسببا في سعيها إلى الإنتقام وإقصاء الآخر بدل المطالبة المسؤولة بالحقوق.
فلاعاقل يقول بغير ضرورة إنصاف هذه الطائفة وفتح أفقها على خيارات سياسية ديمقراطية تغنيها عن اللجوء إلى الإستعانة بالغير .
أم أننا لم نستفد بعد من التجربة العراقية ولم نعتبر بالغزوا الإيراني الأمريكي للعراق والذي أشعل حربا طائفية في المنطقة لايزال العراقيون يكتوون بنارها !!!
بل أحسب أننا اعتبرنا بذالك الغزوا لاكننا لم نستحضر أسبابه الحقيقية ممثلة في الطائفية البغيضة ولم ننجح في تفادي تلك الأسباب بالدعوة إلى إنصاف شيعة البحرين بل عملنا على توسيعها وزيادتها وظننا عن جهل أن الإستبداد والقهر سيوقف الشيعة عند حدهم وهو في الحقيقة إنما يغلق فرص التغيير السلمي ويفتح الطريق نحو غزوا عسكري لايختلف عن الغزوا العسكري لسنة 2003.
لذا أقولها بكل وضوح : حتى لاتضيع البحرين كما ضاعت العراق أوقفوا الطائفية والإستبداد .

9. يوليو 2014 - 2:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا