حديث الاثنين / محمد المصطفى ولد سيدي ولد أهل أعل

من وحي ذكرى رحيل الفتى الذي صفع الصهيونية في موريتانيا والجيش الذي أطاح بالحكم المدني .
• في العاشر من يوليو تحل ذكرى وذكريات ففي مثل هذا اليوم قبل ستة وثلاثين سنة أطاحت قيادات من الجيش الوطني بالحكم المدني ممثلا في الرئيس:

 المختار بن داداه وحكومته ،ودون الدخول في تقيم دواعي الحدث ومبرراته إلا أنه بدون شك شكل منعطفا في التاريخ السياسي الموريتاني ،ورغم جدلية العلاقة بين السلطة والشرعية والقوة فإن أغلب الناس يحبذ أن تكون الشرعية والمشروعية هي ركيزة النظام وسنده ،لا القوة العارية (قوة السلاح).
لكن الجناح المدني لحركة العاشر من يوليو الذي - حسب المصادر- صاغ البيان تنازل طواعية أو تحت الإكراه مانحا صكا أبيض للجناح العسكري من الحركة ،ولقد عكس ذالك البيان بوعي أو بدونه - تعبيرا عن اللحظة أو استشرافا للمستقبل - الأحقية المطلقة للجيش في السلطة.
يقول البيان الذي أذيع على أمواج الإذاعة الوطنية في ذالك الصباح:
أيها الموريتانيون أيتها الموريتانيات يا شعبنا البطل .
لقد انتهى عهد نظام الرشوة والخيانة المعادي للمصلحة الوطنية وإن القوات المسلحة وهي صاحبة المسؤولية إيمانا منها بمسؤوليتها التاريخية قد استولت على السلطة بل استعادتها من أولئك الذين اغتصبوها من الشعب...
المسؤولية ،الاستيلاء ،الاستعادة ،عبارات تجعل من البيان أكثر بيانات الانقلابات وضوحا وتعبيرا عن نوايا قادة الجيش وخلفياتهم بخصوص مسألة السلطة ولربما يعود ذالك الوضوح إلى خلفية من صاغوا البيان ،وهكذا شكل ذالك البيان دستورا للجيش الذي لم يناوب ولم يغادر حلبة السلطة والسياسة إلى الآن.؟!
• الذكرى الثانية: عكس الأولى ،ذكرى رحيل لاحلول وتتعلق بفتى قليل من ناس البلد يعرفه ،وأقل من ذالك من يجله ويقدره كما هو أهلا لذالك !
إنه فتى من اينشيرى اسمه "زايد بن خطاط" رحل عن هذا العالم الظالم قبل عشر سنوات دون الحصول على التكريم الذي يستحق ،حياته ،همه واهتماماته ،شعوره ومشاعره ،تعبر عن لحظة مهمة من فصول مقاومة الإحساس الصادق والإلتزام الأخلاقي المتماهي ،مع قيم وضمير هذا الشعب للانحراف والسلوك الأناني البغيض والوهن والاستسلام الذي عرف طريقه إلى نفوس عناصر بعض الحركات السياسية التي كانت سرية ،وتحكم الجشع في العقول والتصرفات ،وتم تبرير الخيانة بدعوى الشطارة السياسية.
أواخر الستينات قد تكون شهدت ميلاد زايد ،وفي نهاية الثمانينات وبداية التسعينات بدأ يتبلور وعيه ويشق طريقه بتميز ،ورغم أن الفترة كانت بداية الانحسار للمد القومي في موريتانيا إلا أن زايد انتسب للتيار الناصري وعادة ،عندما ينتمي فرد ما لجماعة أو حزب ،فإن ثمة سؤالين يكون قد أجاب عليهما ولو ضمنيا ،أحدهما يفسره الظرف السياسي - التاريخي المجتمعي - ولآخر قلما يفصح الناس عنه بصدق لأنه يتعلق بمطالب شخصية ورغبات أنانية يريد المرء أن يحققها من خلال ذالك الانتماء.
في حالة زايد كان لاستثناء إذ لم يكن هناك حضور لغير هاجس واحد هو هاجس الحرية والعدل والمساوات والإيمان المطلق بالقضايا العادلة والحلم المتوهج الذي انطفأت جذوة قلب زايد وهو يحاول الإمساك به.
عندما انحرفت قيادات الحركة الناصرية واستسلمت للمصالح الشخصية وسيقت جلود وقوائم معظم القطيع في لوائح إلى من بيده الأمور ظل اسم زايد أبيض ناصعا ورغم أنه كان موضوعا لتندر بعضهم وسخريته وكيف أنه يسعى إلى هدف غير محدد لكنه كان أكبر من الجميع فهدفه هو هدف أمته وشعبه وجراحه التي لا تلتئم -وهو الطبيب- هي جراح الأمة والشعب وآمالهما.
انشق زائد عن الحركة مع أولى المجموعات المنشقة التي تسمى "الطرح" وعندما أعاد هؤلاء التجربة ركلهم برجليه وراح يسعى وراء الحلم من مقاطعة إلى مقاطعة يلف العاصمة على رجليه من حزب إلى حزب يبحث عن الحق الضائع كسلمان الفارسي ويرنوا إلى أي بقعة ضوء مشتعلة أو معارضة للنظام (معاوية).
وعندما وجه هذا الأخير وجهته صوب العدو وطـَـبَّعَ العلاقات كان موقف زائد المشهود.
جسمه النحيل واعتلال صحته وملامحه البريئة تجعل الأوغاد لا يقيمون له ووزنا لكن في داخل ذالك الجسم كان يقبع مارد الحرية والثورة وعندما التقى زائد في المستشفى الوطني بذاك الصهيوني الإسرائيلي وجها لوجه خرج مارد الثورة من قمقم الجسم النحيل ووجه صفعة قوية لذالك الحقير وكأن لسان حاله يقول أن تموت واقفا خير من أن يسعفك الأعداء وأنت طريح الفراش مشلول الإرادة والحركة ،بتلك الأصابع النبيلة أكد زائد أن التاريخ لا يكتبه الزعماء والقادة وإنما البسطاء من الشعب!؟
قامت قيامة نظام ولد الطايع ،واستنفر أجهزته لكنه عجز عن توقيع عقوبة على تلك اليد البيضاء التي حركها ضمير شعب بعد استكانة النخبة واستسلامها بل وتبريك معظمها للتطبيع واعتباره فرضا من فروض الله !
رحم الله زايد ،وفي آخر لقاء جمعني به سنة 2001 حيث أسير تائها انتشلني صوت من الضياع والتفت وإذا هو زايد يكرر "مصطفى مصطفى" وبادلني عبارات مجاملة وقال لي هل لديك  أجرة التكسي فأجبته متشكرا ،كان يسير على قدميه وبعمامته البيضاء كعادته وافترقنا ،كان يسير في التجاه الغروب بينما كنت أسير في التجاه الإشراق ،وإذا سار شخصين على نفس الخط و في التجاهين متعاكسين وقيض الله الاستقامة ،عند نقطة ما يلتقيان ؟
انطفأت الشمعة وبقى النور وغاب وبقي الأمل في ازدياد أمثاله قائما .

دمتم ودامت موريتانيا بألف خير .
 

9. يوليو 2014 - 22:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا