تعاني مدينة "امبود" هذه الأيام أوضاعا صعبة جراء تساقط كميات كبيرة من الأمطار، أدت إلى فيضانات، وسيول، هدمت عشرات المنازل، وخلفت أسرا مشردة بلا مأوى.... إلى هنا انتهى الخبر، لتبدأ تداعياتها السياسية،والإنسانية، والاجتماعية.
صحيح أن الكوارث الطبيعية لا دخل للبشر فيها، ولكن صحيح أيضا أن الحكومة ربما تأخرت في إغاثة سكان "امبود" من الكارثة، مقارنة بما حصل مع مدينة الطينطان، عندما غرقت قبل سنوات، مع فارق حجم الأضرار طبعا، ولكن ما هو صحيح هو أن لكل كارثة إنسانية أبطالها الذين يهبون لمساعدة المتضررين، ويضحون بأنفسهم،وأموالهم في سبيل ذلك، لا يريدون جزاء ولا شكورا، وغالبا ما يكون هؤلاء منظمات إنسانية لا تمارس السياسة، أو شخصيات من أهل الخير، ولكن هناك دائما "انتهازيون" يحاولون استغلال معاناة الناس لتحقيق مكاسب شخصية، أو سياسية.
انتقاد الحكومة من المعارضة أمر وارد، ومقبلو، لا.. بل مطلوب، خصوصا في مواطن تقصير الحكومة عن أداء واجبها، ولكن عندما يتحول التركيز، والاهتمام من مساعدة الضحايا إلى الهجوم على النظام، ويحرص البعض على جعل معاناة سكان امبود وقودا في معركته الأزلية مع النظام، تصبح الكارثة هنا مزدوجة، والألم أشد، وهنا لا يعود هناك فرق بين النظام الذي تجاهل أزمة سكان أمبود، والمعارضة التي تحاول السباحة في مياه امبود العكرة وصولا إلى توجيه ضربات للنظام، سياسيا قد تكون بداية ثورة طالما منى البعض نفسه بها، واستجداها دون جدوى.
وإذا كانت السلطات العمومية في عين العاصفة من حيث المسؤولية، فإن السلطة الرابعة أبانت عن فشل ذريع، مهنيا، وإنسانيا، فمن حيث المهنية شكلت كارثة امبود مادة دسمة تستحق تغطية شاملة، وكان على وسائل الإعلام – التي تنشر كل تصريحات الساسة، ومبادراتهم- كان عليها أن تقف مع سكان امبود في هذه المحنة، إن لم يكن من أجل السكان، فمن أجل أهمية الخبر في حد ذاته.
وقد كشفت فضائياتنا عن وجهها النفعي، المادي، عندما كانت تخصص ساعات طوالا، بل أياما، وأسابيع لبث مبادرات ممجوجة، لا فحوى لها، مقابل دراهم معدودة، بينما لم تكلف نفسها عناء إرسال مصور في الوقت المناسب لنقل معاناة سكان أمبود، إلا عندما بدأ السياسيون استغلال الأزمة، تحركت وسائل الإعلام المحسوبة عليهم للعب دورها، تلك الوسائل التي يسارع بعضها لإطلاق حملات واسعة للتبرع مع أهلنا في غزة الجريحة بفعل عدوان الصهاينة، صحيح هذا أمر يحسب لها - أي وسائل الإعلام- ولكن كان النفع سيكون أكبر، وربما الأجر، لو أشركت سكان "امبود" في حملة التبرعات هذه، فالأقربون أولى بالمعروف.