شهادات ختم الدروس: حصاد الفشل / الحاج ولد المصطفي

(من الابتدائية ، الإعدادية إلي الباكالوريا)
الشهادة في النظام التربوي هي محطة تعليمية هامة تسمي: التقويم الإشهادي وتعبر عن حصاد التعليم والتعلم خلال مرحلة دراسية تمتد في الابتدائية علي مدي 6سنوات،

وفي الإعدادية 4سنوات، وفي الثانوية 3سنوات.فماهي أسباب الفشل الواضح في نسبة رسوب التلاميذ ،وتدني مستويات الناجحين منهم؟ ومن يتحمل المسؤولية في ذلك؟ الإدارة أم الأستاذ أم التلميذ؟
تعني الشهادة التعليمية: امتلاك التلميذ لكفايات خاصة بذلك المستوي التعليمي، كأن أن يكون التلميذ مع نهاية السنة السادسة من الابتدائية (قادرا" في مادة التربية الإسلامية  "علي تمييز العقائد والعبادات والمسلكيات الإسلامية الصحيحة وعلى استخلاص العبر من السور والغزوات المقررة مستدلا ببعض النصوص.)
وفي المرحلة الثانوية يكون التلميذ مع نهاية السنة السابعة آداب (متبينا " في مادة الأدب العربي "لما طرأ على الأدب العربي الحديث من تجديد في أنواعه واتجاهاته ضمن سياق التحولات التي عرفها العالم العربي  منذ بداية نهضته، مدركا لإشكاليات هذا الأدب المختلفة في مجال العلاقة مع التراث وفي ميدان الإبداع والتأصيل والانفتاح على آداب عصره، ملما بنماذج وافية عن أعلامه واتجاهاته المختلفة،  وأن يكون قادرا على أن يعكس هذا الاطلاع والاستيعاب من خلال تحرير مقالة أو دراسة نص.) .
هذه النماذج النظرية تطبق علي بقية المواد التي يحدد نظامنا التربوي كفاياتها الأساسية والضرورية لنجاح التلميذ في شهادة ختم الدروس لكل مرحلة . وتعطي هذه الوضعية للمراقب التربوي المحايد، الانطباع بأن تعليمنا الموريتاني في وضعية بنائية جيدة ،وأن حال التلاميذ في مدارسنا التعليمية متطابق مع مدارس العالم من حيث المناهج وأساليب التقويم ومعايير النجاح !لكن واقع الممارسة الحقيقية، ومعاناة التلاميذ والآباء بسبب كثرة الرسوب وانعكاسات ذلك علي المعنويات وضعف مكتسبات الناجحين المعلن عنهم ، كل ذلك  يكشف عن فشل ذريع لمنظومتنا التربوية ، ينذر بانحطاط وفوضي وغياب للمعايير .
وقد تصبح – والحالة هذه- مخرجات تعليمنا فاقدة للمصداقية، وشهاداتها( من الابتدائية ثم الإعدادية إلي الباكالوريا) موضوعا للتندر والاستهزاء، والسخرية أكثر منها مدعاة للتباهي والفخر والعطاء والعلم .
إن من يحصل اليوم علي شهادة باكالوريا كمن يفشل في الحصول عليها، لافرق سوي أن الراسب يكون أفضل مستوي –في حالات كثيرة شاهدتها-  من المعلن عنه ناجحا . ولم تعد العبرة مطلقا في الاجتهاد وامتلاك المكتسبات والكفايات الضرورية للنجاح ،بل إن الأمر كله متروك لمحض الصدفة.
لقد كان الأستاذ – في مامضي- يميز منذ منتصف السنة، الناجح في فصله من الراسب ويجزم بتفوق بعض تلامذته المجتهدين ، ولكن نفس الأستاذ اليوم لا يستطيع أن يتبين للنجاح طريقا ، فقد عمت الفوضى، وتلاشت معايير التقويم ،وضاعت أولويات التصحيح ،وانتشرت أمراض الاختلاس وأساليبه وطرقه...حدث ذلك كله هذه السنة 2014 م و في جميع امتحانات ختم الدروس من الابتدائية مرورا بالإعدادية وانتهاء بالثانوية مع بعض التفاوت –طبعا-
أولا شهادة ختم الدروس الابتدائية:
المفارقة في هذه الشهادة أن الإدارة التربوية تعرف أن جميع التقويمات التي تجريها المفتشيات خلال السنة تثبت عجز التلاميذ عن مسايرة الظروف التي فرضها إصلاح 99 والتي تقضي برفع مستوي تدريس اللغة الفرنسية ومستوي تأثيرها في نجاح التلاميذ ،مما خلق وضعا مختلا: بين ماهو مقرر، وماهو واقع !! وعندما تظهر نتائج التلاميذ لايبدوا أن الوزارة مهتمة بقول الحقيقية ،فجميع التلاميذ فشلوا في النجاح وفق المعايير النظرية المقررة في الإصلاح ومع ذلك تعلن الإدارة المعنية عن عدد من الناجحين – الله تعالي أعلم بطريقة نجاحهم دون غيرهم – فلو أن جهة محايدة امتحنتهم لظهر زيف ماتدعيه الوزارة.
ومع ذلك لابد من التنبيه إلي أن معايير تصحيح شهادة ختم الدروس الابتدائية أحسن حالا منها في الإعدادية والثانوية..!!
ثانيا الشهادة الإعدادية:(المعروفة اصطلاحا بلفظ يعتبر من مخلفات الأجنبي ولم يجر تعريبه حتي الآن)
هذه الشهادة علي قلة أهميتها لا تتوفر الموارد الكافية لإجرائها وتصحيحها ، وقد كانت إلي وقت قريب متروكة لاختيار التلاميذ ، ولاتؤثر في مسيرتهم الدراسية لذلك لم تكن العناية بها كبيرة وقد تقرر بعد ذلك إلزام التلاميذ بإجرائها دون أن يصاحب ذلك توسع أو تطور في البنية التعليمية يسمح بذلك ، وقد أصبحت الوزارة تضع الشهادة الإعدادية في مرتبة ثانوية بالنسبة لبقية الشهادات ،ومع ذلك يجري تنظيمها بطريقة سريعة ومرتبكة وغير جدية ..لهذا نجد أن نتائجها لا تعبر عن مصداقية حقيقية ,إنما هي شيء من التمويل يجري التحايل لصرفه دون التقيد بمعايير الصرامة والنزاهة في مراحل تصحيحيها المختلفة ..وتدل علي ذلك نتائجها هذه السنة ..
ثالثا شهادة الثانوية العامة أو الباكالوريا
وهي أهم شهادة تعليمية في نظامنا التربوي القديم وقد كانت لها أهمية بالغة وتخضع لمعايير صارمة وتعطي نتائج هي الأفضل مصداقية ...لكنه ومنذ أكثر من عشر سنوات تسللت عناصر جديدة أثرت سلبا في تنظيم امتحانات الشهادة وأضعفت من مصداقيتها تدريجيا حتى أصبح الجميع يعرف أن كل سنة جديدة تحمل انهيارا أوسع وأخطر علي مستوي امتحانات الباكالوريا...
هذه السنة2014م تميزت بفتح باب الترشح من جديد- بقرار سياسي- قبل إجرائها بأيام قليلة وفتحت كذلك الشعب القديمة (للناطقين بالفرنسية) في أخطر تلاعب تشهده المنظومة التربوية ، وقد سمح ذلك بتحقيق مكاسب سياسية أرضت فئة قليلة علي حساب تعليم شعب بأكمله ...كما تميزت هذه السنة باختلالات فاضحة في تصحيح الباكالوريا ،وسجلت مفارقات في تصحيح المواد العلمية.
لقد وصل التفاوت بين مصححين في مادة العلوم الطبيعية للشعبة العلمية : من 15 إلي 01 ثم استقر تصحيح الورقة الثالث علي 08 ! تري أي المصححين كان محقا؟ وهل يمكن لأساتذة العلوم أن يتصورا هذا الفارق في الدرجات ؟ إن هذا المثال ليس سوي واحدا من المئات التي شاهدها المصححون هذه السنة ، وهو إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن اختيار المصححين لم يخضع للمعايير المعروفة ،وأن الزبونية سمحت بدخول أشخاص لايمتلكون الكفاءة لتصحيح مواد يجهلونها ..حدث ذلك في تصحيح المواد الأدبية كذلك ، وكانت تحدث بعض الحالات في السنوات الماضية، ومرد ذلك إلي أن مجموعة من المتنفذين في الوزارة ترسل أسماء أساتذة لايمتلكون الكفاءة للتصحيح، فقط من أجل أن يحصلوا علي تعويض التصحيح ( وهو بالمناسبة زهيد) ..
إن المشكلة الحقيقية التي توثر علي مصداقية الباكالوريا وإجراءات تصحيحها تكمن في أن أعدادا كبيرة من المترشحين وصلت هذه السنة إلي (40ألف مترشح) يسمح لهم بالمشاركة دون ن تتوفر فيهم الشروط الضرورية لذلك ،مما يجعل طاقم التصحيح (المحدود جدا) عاجزا عن القيام بعمل دقيق وشفاف وأيضا تتيح تلك الأوضاع الظروف المناسبة للغش والتحايل والأخطاء الفادحة ..وقد نصح المفتشون المخلصون في عملهم الوزارة مرات كثيرة بضرورة الحد من أعداد المترشحين من خلال إجراء امتحان تمهيدي يؤهل للمشاركة في الباكالوريا ومن شأن ذلك (كما يحدث في العالم من حولنا) أن يقلل فرص التحايل علي النجاح ويرفع من مصداقية النجاح في الباكالوريا ...كما أن إجراءات أخري ضرورية أهمها : التسيير الشفاف لميزانية تنظيم الامتحانات الوطنية وتطبيق إجراءات التقويم النزيه والسماح للمفتشية العامة للتعليم بالإشراف الكامل عليها دون تدخل من الوزير وبطانته ...وقبل ذلك كله لابد من إعادة الاعتبار للطاقم التربوي من معلمين وأساتذة ومفتشين وجعلهم في ظروف مادية ومعنوية تسمح لهم بالعطاء والفاعلية والمهنية  ..وإعادة كتابة البرامج التربوية بما يتوافق مع قدرات التلميذ الموريتاني ومن خلال مقاربة تعتمد علي اللغة الرسمية للبلاد والتي يسهل علي التلاميذ إتقان المعارف بواسطتها دون إهمال لبقية لغات العالم الخارجي حسب الحاجة وطبقا لمعايير النجاعة التربوية .

19. يوليو 2014 - 15:37

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا